د. ثريا العريض: شباب الحداثيين أصبحوا كهولا.. والشعر الشعبي غلب الجميع

الأديبة والشاعرة السعودية: المنجز الثقافي للمرأة السعودية ليس نتاج طفرة عارضة ومجاملات نقدية

ثريا العريض
TT

ترى الأديبة والشاعرة السعودية الدكتورة ثريا العريض، أن الصراعات الفكرية التي استعرت بين المثقفين السعوديين في الثمانينات تركت ندوباً وجروحاً عميقة في الجسد الثقافي، وعطلت حركة التنمية الثقافية والفكرية، وأن تلك المرحلة دفعت الأطراف المتصارعة للاستماتة دفاعاً عن مواقعهم وفئوياتهم عوضاً عن التأسيس لبناء فكري يقوم على التنوع والتشكل ويثري الحياة الاجتماعية في البلاد. وقالت ان بعض الحداثيين لم يفهموا أن الحداثة أسلوب حياة شامل وليس أسلوب تكسّب مجتزَأ، لكنها ألقت باللائمة على بعض من أسمتهم بالتقليديين (الذين يفهمون أن الوفاء للتراث لا يتحقق إلا عبر التحجر فيه).

وقالت ان انشغال التيارات الثقافية بالنزاعات الشكلية ساهم في تضييع جيل المستقبل من الشباب الذي أصبح مستباحاً للأفكار المتطرفة، والقوى المعادية. وتحدثت في حوارها مع (الشرق الأوسط) عن المنجز الثقافي للمرأة السعودية، ورفضت الاتهام بأن إنتاج المرأة السعودية عبارة عن طفرة عارضة. وحين دافعت عن الإبداع النسوي السعودي لاحظت قيام البعض بـ(التزييف) أي اجترار وإعادة صياغة إبداع شاعر أو شاعرة ووضع الاسم عليه ثم البحث عمن يسوق هذه السرقة على أنها إبداع حقيقي. ولدت الدكتورة ثريا العريض في المنامة بالبحرين، وحصلت على شهادة الماجستير في إدارة المؤسسات التربوية العليا من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة في التخطيط التربوي والإدارة. وهي ابنة أديب البحرين الراحل ابراهيم العريض.هنا حوار معها:

> ماذا تذكرين من أيام البحرين، ومجالس إبراهيم العريض؟ إلى أي مدى كان الشاعر الراحل مؤثراً في ابنته؟

- كان الوالد هو الأصل في تكويني منذ البدء بكل تفاصيلي الجينية والانفعالية والإبداعية، وحتى في نظرتي للحياة وتقييمي لنفسي. لا يمكنني أن انظر إلى علاقتي به إلا بشمولية تامة. تعلمت منه كل مواقفي ومبادئي وما اعتنقه من آراء حول علاقتي بالله والحياة والوجود والآخرين. وما أتوقعه وما أتقبله من نفسي ومنهم.

اذكر توقعه أن أصل بكل ما أفعله إلى درجة الامتياز. اذكر ثقته بي واحترامه لفكري، واصطحابه لي في عالم أوسع من عالم الطفولة والنساء مع عدم احتقار تفاصيلي الطفولية والأنثوية. اذكر تأكيده أن الفن هو شريان الحيوية. اذكر بيتنا مكتظا بالكتب، بالآلاف منها وبعدة لغات. اذكر زيارات كثير من أصدقاء أبي من البحرين ومن خارجها حين يزورون البحرين.. شخصيات قيادية مهمة منهم الحكام والسياسيون والمثقفون. أذكر أنه لم يكن بينهم نساء. امرأة واحدة باحثة لبنانية زارتنا لتجمع معلومات لدراسة عن الوالد. واذكر حين أشعلت تلك السيدة سيجارة كم بدا الأمر غريبا. يومها قررت أن أدخل عالم الثقافة، دون أن أتبنى تصرفات الذكور.

> هل ترين أن مرحلة الستينات وما تلتها أكثر خصباً مما نشهده اليوم؟

- ربما نستطيع أن نقول انها كانت أكثر خصباً، لكن الثقافة كانت مختزلة التوجه، ومحصورة في فئة تعتبر قليلة العدد نسبياً. كانت تستخدم الفصحى الراقية وتتوجه من النخبة إلى النخبة وتنتمي باهتماماتها إلى خارج الحدود المحلية. كانت اللغة الرمز الذي يؤكد انتماء الفرد إلى المجتمع الكبير وهويته السياسية وموقفه من كره الاستعمار في شتى المناطق العربية.

> كيف تقرئين مرحلة السجال بين الأطياف الفكرية والثقافية السعودية في الثمانينات؟

- كانت مرحلة انشغال بالشكليات والسطحيات، وصراعاً على أحقية تسيد المنابر وإملاء الفكر الفئوي على الآخرين وبالتالي تحقيق مكاسب فردية. لم أكن مع الحداثيين الذين لم يفهموا أن الحداثة هي أسلوب حياة شامل وليس أسلوب تكسب مجتزأ، ولم أكن مع التقليديين الذين يفهمون أن الوفاء للتراث لا يتحقق إلا عبر التحجر فيه.

> ماذا بقي من تلك المرحلة؟

- بقي منها كثير من الندوب الشخصية في معارك دونكيشوتية، وشعور بفقد ثلاثة عقود كان يمكن أن تزيد الكثير في البناء الثقافي.

> إلى أي مدى أثرت تلك المعارك في البناء الثقافي؟

- أثرت كثيراً وبصورة سلبية مع الأسف، وبشكل اضر بتطور المنطقة ثقافياً. بسبب انشغالنا بالسطحيات والنزاعات على الشكليات فقدنا جيل المستقبل.. لقد سلمنا جيلا كاملا إلى أيدٍ أخرى تولت تدجينه وسرقة عقله فكان أن ابتلينا بجيل غاضب ومهزوم ثلاثة أرباعه توقفت عن التفكير ومجدت الإرهاب المسوق على انه باب الخلاص الوحيد، والوصول إلى المكافأة الأفضل: حور عين يتلذذون بهن في جنة ستأتي عبر قنبلة تتفجر في أجساد غضة؛ أو عقول رفضت التخويف والقولبة فهاجرت روحيا ومعنويا ثم جسديا إلى الخارج بحثا عن أبواب وفضاءات العيش الطبيعي. لقد فقدنا أهم استثماراتنا، وهو شبابنا وولاؤهم وانتماؤهم للوطن.

> بعد 20 عاماً من الصراعات، هل ما زالت قضايا الشعر، تفعيلة وعموديا، وأنساقه المختلفة، ترسم صورة المشهد الثفافي؟

- لا.. والحمد لله. تغيرت الأسئلة واحتفظنا بمسرح النزاعات على ما لا قيمة له. أصبح شباب الحداثيين كهولا وكهول التقليديين شيبا. واكتشفوا أننا لم نقدم ما يضمن لغة المستقبل ولا قيم الماضي ولا انجاز الحاضر.

يبدو أن الشعر الشعبي والمرئيات قضت على الباقي وامتصت اهتمام المتلقين الذين لا يرغبون في مواعظ أي من الأطراف المتنازعة. وها هم البقية الباقية من فلول الكتاب والأدباء يكتبون للترجمة التي يحلمون بها قادمة لتمنحهم عالما جديدا من القراء خارج نزاعات الساحة المحلية.

> كيف انشغل المثقفون في الدفاع عن وجودهم عوضاً عن بناء كيان ثقافي يؤسس لمفاهيم حضارية؟.

- سؤال يلامس الجرح ولا يداويه. هذه إجابة عن مصيرية التداعيات وليست سؤالا. لم يكن حق وجود «المثقفين» ذاك الذي انشغلوا بالدفاع عنه، بل الدفاع عن فئتهم الخاصة وسحب رتبة «مثقف» ممن لا يعتنق مرئياتهم «الثقافية».. بل حق إلغاء الآخرين وحظر حق الغير في الوجود، وتصفيتهم من الساحة. ولم يكن هناك أبرياء بل اتفاق على التصفية بسبق الإصرار.

> وما المصلحة من بقاء السجال ضمن دائرة تقنيات الحداثة دون أن يلج في تطبيقاتها أو يؤسس لأرضية تترعرع فيها؟

- المصلحة هي في التصور الخاطئ أن الساحة الثقافية هي ساحة تسيد أو لمعان بريق فردي يغش المتلقي ويطفئ لمعان الآخرين في الساحة.

تقنيات الحداثة لم نخترعها نحن محليا بل جاءت نقلا مباشرا عن المدارس الغربية التي توصلت إليها عبر تجاربها الفعلية الخاصة، والملتصقة بلغات الغرب والتجارب التنموية الخاصة بهم، خاصة تجربة الحربين العالميتين والفكر الدكتاتوري المتمثل في غزو المانيا لأوروبا وكذلك موسيليني في ايطاليا وفرانكو في اسبانيا. وفرنسا كانت بوتقة الرصد الفكري والتفاعل الفلسفي والتنظيري، بدءا بالمدرسة العبثية والسوريالية الرافضة وانتهاء بالتفكيكية المتشاغلة عن الظاهر إلى المستتر خلف اللغة واستعمالاتها.. ثم تجاوزوا كل ذلك إلى «ما بعد الحداثة» وأصبحوا فلاسفة عصر الصناعة والعولمة والحفاظ على الأرض ومواردها ومواقعهم المتقدمة في الاستفادة منها.

> وبالنسبة للعرب.. هل اتجهوا لصنع حداثتهم؟.

- بدأ العرب متأخرين حيث انتهى الغربيون، وظللنا ندور في دائرة نقاش لغوي كالثيران في ساقية.. لا اللغة لغتهم ولا الهموم همومهم، ولا التجربة تجربتهم. ولكننا وجدنا فيها مرتعا لثيران الله في برسيمه. وهو برسيم مستورد من خارج أرضنا الصحراوية، ومتلقيها المتعلق بذاكرة مجده التليد، في جماليات المعلقات وفرضيات سيبويه واوزان الخليل.

ودخل الساحة كل من رغب في ارتداء أكليل مصطنع يحلل له العبور إلى إبداع يقلد ولا يأتي بجديد. ثم - وهو الأهم - يحرره من أثقال متطلبات الإبداع التقليدي وفروض وقيود التعبير الشعري العربي المتعارف عليه.. من هنا تعرف أن الإبداع لم يكن السؤال الجوهري بل الظهور بمظهر المبدع بل و«المبدع الأهم»، وما زالوا موجودين ولكن كلهم بلا عضلات إبداع حقيقية.

> كباحثة، كيف يؤثر غياب الطبقة الوسطى في الخليج عموماً وتآكل دورها على الجانب الثقافي والفكري؟.

- الطبقة العليا تحترم المال وليس الثقافة ولا تشجع ثقافة العمل الدؤوب، والطبقة الدنيا لا تملك رفاهية أن تحلم بالبعيد أو تحاول تحقيقه لأن ذلك يعني القفز إلى ابعد مما تستطيع. أما الطبقة الوسطى فهي الطبقة التي تؤمن بقيم العلم والعمل وطموحات تغيير مواقعها اقتصاديا. هي الطبقة التي تضم النخب التي تأتي بالجديد والمبتكر والمتفرد ما يمنح الأفراد النشطين فيها فرصة تحقيق التحرك إلى فوق.. وفي غياب امكانات الإضافة تتقلص وتعود إلى قاعدة الطبقة الدنيا التي لا تملك وقتا للانشغال بغير يومها. الفن والإبداع رفاهية يشجعها المترفون وينفذها الطموحون.. والفن والثقافة الأدبية جزء من الرفاهيات التي تتقلص فعالياتها وأهميتها حين يتحول اهتمام الإنسان ومحاور انشغالاته إلى إبقاء الطعام متوفرا والسقف فوق الرأس موجودا.

> هل ترين أنك تنتمين إلى جيل (محظوظ) كون الفترة التي نشأتم فيها شهدت صعود الشعر، وحفلت بالأحداث السياسية والاجتماعية التي أثرت التجربة الشعرية لديكم؟.

- أجل ولا.. وإن كنت محظوظة فليس فقط لكوني جئت في تلك المرحلة زمنيا وقد كانت فعلا محتشدة بأحداث وتداعيات معظمها موجعة بسبب ندوب ما بعد الحرب العالمية الثانية في العالم كله. ولكنها أيضا مرحلة وحدت الغالبية ضد فكرة الحروب والعنف لأنهم ذاقوا أهوالها وشظفها وتعلموا التضافر ضد الاعتداء. ولكن كنت محظوظة فعلا لكوني ولدت ابنة لأبي المثقف الذي جاء من خارج الخليج يحمل ثقافة عالم عولمي واسع الميراث ومرئيات مختلفة حول موقع المرأة في الأسرة والوطن وعلاقة الفرد بالمجتمع ودور المثقف في البناء. لهذا فقد أتيحت لي الفرصة وقرأت كثيرا جدا من نتاجات مراحل سابقة لعمري وذلك لتوفر المؤلفات.

> في أعمالك تخططين وتكتبين للناس بعيداً عن أجناسهم، لكنك في الشعر تكتبين للمرأة وتعبرين عن مشاعر امرأة.. ماذا يعكس ذلك؟ جنوحاً للدفاع عن قضية (مستلبة) أم تلبساً لضحية تبحث عن عطف؟.

- مرة أخرى أتحفظ على مفردة مثل (الجنوح) فهي توحي بأن الخروج عن السائد هو توجه غير طبيعي. قد يكون غير متوقع ولكنه التوجه الإيجابي المطلوب لإعادة تشكيل الوعي المجتمعي.

ملاحظتك فيها قدر كبير من الصحة، حيث الشعر الحقيقي هو تعبير ذاتي صادق عن انفعال ذاتي.. ولأني أنثى فمن الطبيعي أن تكون مشاعري مشاعر الأنثى وليس مشاعر الذكر. ربما لا اصنف موقفي بحثا عن عطف ولا حتى تعاطف ولا دفاعا عن قضية مستلبة بقدر ما هو تنفيس عفوي عن انفعالي بمواقف عدم الوعي عند الآخرين بكون الأنثى إنسانة لها تفاعلها الفكري الخاص مع كل معطيات الحياة خارج نطاق تكاملها الثنائي مع الذكر.. اشعر بالغيظ من التعامي العام والتسطح الوجداني الذي لا يرى في أي انثى إلا جسدها كلقمة للإشباع في مجتمع يتضور في شبق متصاعد الأوار.

> أين موقع الدكتورة العريض من الرواية؟ هل تتجهين كبعض الشعراء السعوديين نحو الرواية؟.

- حتى الآن.. لا.

> لم؟

- معظم الذين قفزوا من الشعر إلى الرواية فعلوا ذلك لواحد من عدة أسباب: إما لأنهم ينتمون إلى فئة الموهوبين متعددي المهارات مثل الدكتور غازي القصيبي، أو فئة من يحبون التجريب ويرون الابداع مهارة تصقل وليس تعبيرا عفويا يتدفق بمشيئته، أو فئة من يرون في المحاولة استجابة لتحدي مواكبة المرحلة وإثبات تفوق ما على غيرهم.

> كيف تقرئين المنتج الشعري للمرأة السعودية، هل توافقين من قال انه (نتاج طفرة عارضة ومجاملات نقدية)؟.

- من يتابع الساحة بحيادية علمية يدرك أن نتاج المرأة السعودية بالتأكيد ليس نتاج طفرة عارضة فهو ما زال مستمرا منذ عقود.. كذلك ليس كله نتاج مجاملات نقدية وإن كان بعضه قابلا لمثل هذا التصنيف.

استطيع أن أقول ان عندنا شاعرات قلة منهن متميزات. وكثير منهن ما زلن يتلمسن الطريق وبعضهن يستوحين شعر الآخرين والأخريات. ربما ما يحتجن له هو التريث في السعي وراء الأضواء وتوسلها بتعطش طفولي يطلب الاهتمام.

كل ذلك مقبول عندي.. ما ليس مقبولا هو التزييف أي اجترار وإعادة صياغة إبداع شاعر أو شاعرة ووضع الاسم عليه ثم البحث عمن يسوق هذه السرقة على أنها إبداع حقيقي. والغالب هنا أن تقرأ شعرا او ادبا مقلدا، ليس مفردات أو صورا شعرية خاصة أو حتى قضية خاصة ولكن بالتأكيد هو تسول مركز للحصول على تصنيف لا يستحقه طالبه. ومع هذا لا بد أن أوضح أن هذا المثال لا يقتصر على المرأة، حيث الرجال أيضا يفعلونها تحت مسوغ «الاستلهام..!».

> كيف غابت قضية المرأة، عن سياق النتاج الشعري النسوي، وصعدت في الأعمال القصصية والروائية على قلتها؟.

- قضية المرأة لم تغب عن سياق النتاج الشعري النسوي ولكنها تأتي عادة متلبسة بالقضية الخاصة والانفعال الفردي. والشاعرة القديرة تتجاوز عقبات التخوف الفردي من تهم الاعتراف بالتفاصيل. ربما لأن الشعر متى دخل في خصوصية الفعل الفردي والخروج عن النص في ما يتعلق بما يحق للمرأة وما لا يحق من تجاوز التابو، أصبح في عرف المجتمع وسيلة إثبات لارتكاب المرأة لجريمة أخلاقية، وشعرها اعتراف منها يخولهم معاقبتها. وهذا يحدث حتى في أوساط المثقفين الذين يرون حرية الرجل جرأة وتميزا وحرية المرأة خطرا على أواصر المجتمع. ازدواجية تعايشنا معها.

أما في الأعمال القصصية والروائية فلا بد من تناول القضايا العامة ليستطيع المؤلف أو المؤلفة مواصلة رصد ما يحدث خارجه ويستمر في الحبكة الروائية التي لا تعتمد على تفريغ الانفعال بحيث يتم في لحظة طارئة بل تأتي تسجيلا لأحداث متواصلة ومتداخلة ترسم لوحة بانورامية وتحمل رسالة أخلاقية أو سياسية. وقضية المرأة في معادلة المجتمع المتحيز لم تتناولها النساء فقط بل هناك رجال شعراء وروائيون عبروا عنها أكثر من النساء، منهم مثلا نزار قباني وإحسان عبد القدوس.

> من يستهويك من الأسماء النسائية السعودية والخليجية؟

- احتاج صفحات لذكر كل من اعرفهن وما يضفنه إلى الساحة من العطاءات الجيدة. سأعطي بعض الأسماء مثالا: محليا اقدر تميز ليلى الجهني، وتفرد رجاء عالم في الرواية، وزينب غاصب في الشعر، وفاطمة الوهيبي في النقد... على موقع الريادة السياسية والتأثير في وجهة وصناعة القرار التنموي والثقافي احترم عطاءات وانجازات الشيخة سبيكة بنت ابراهيم والشيخة مي بنت محمد في البحرين، والشيخة لبنى القاسمي في دبي، والشيخة موزة المسند في قطر، والشيخة حصة الصباح في الكويت. وعلى الساحة الخليجية الثقافية تتألق الشيخة سعاد الصباح بعطاءاتها ومؤسستها، ومؤسسة المنصورية بجهود الأميرة جواهر بنت ماجد والشيخة فاطمة بنت مبارك في الإمارات. اما في السعودية فكل امرأة عملت في الجمعيات النسائية منذ عقود تستحق التقدير وسأتغاضى عن الدعم المادي والمعنوي إلى موقع الفعل ذاته بدءا بالملكة عفت وكريماتها والأميرة سارة بنت محمد، والأميرة عادلة بنت عبد الله والأميرة نورة بنت محمد في القصيم والأميرة جواهر بنت نايف والأميرة موضي بنت خالد.

> كيف تنظرين إلى (طفرة) الأعمال الروائية السعودية الأخيرة.. ما من هذه الأعمال لفت انتباهك؟

- على الرغم من أن سؤالك يعتبر موجهاً، إلا أن هناك عددا متناميا من الروايات على الساحة لكنها ليست طفرة إلا إذا قارنتها بندرة الروايات سابقا. ولكن اذا نظرت اليها من منطلق تنامي عدد السكان في السعودية وكون الشريحة الشبابية المتعلمة تقدر بـ60-70 بالمائة من المواطنين مع نجاح خطط نشر التعليم العام بين السكان.. فقد دخلت في الملايين القادرين على القراءة والكتابة وبالتالي مئات القادرين على الإبداع في التأليف. وهنا تجد أن ما عندنا من الروايات ليس كثيرا ابدا ولا يعتبر طفرة.

اما التميز الذي يلفت النظر فهو شأن آخر. انظر إلى الساحة الثقافية في اوروبا او اميركا اللاتينية. هل تستطيع ذكر اسماء اكثر من خمسة روائيين أو خمسة شعراء مبدعين مع العلم أن الرواية عندهم بدأت مع بدايات القرن الماضي وتبلورت في منتصفه؟

وعلى هذا فنحن في ساحة الرواية ما زلنا مبتدئين ولا ضير علينا أن نثبت خطواتنا دون استعجال. وكي لا يبدو انني اتجنب الرد أقول: اقرأ الرواية منذ قبل الطفرة وحتى الآن. قرأت كل روايات عبد العزيز المشري وتركي الحمد وغازي القصيبي ورجاء عالم وعبده خال ومحمد حسن علوان مرورا بعدها بزينب حفني وليلى الجهني ورجاء الصانع وسمر المقرن. ويظل غازي وليلى الأكثر تأثيرا في نفسي من حيث التذوق والتفاعل واحترام اللغة النظيفة.

> كيف تفسرين الاتجاه نحو تقديم أعمال تنضح بالقضايا الجنسية في العديد منها؟

- أفسره بأنه نتيجة طبيعية لتداخل عقود من الكبت والحظر والمنع وتضخيم التابو إلى درجة التأليه، مع النزعة الرأسمالية التي تسوغ التسويق بأي وسيلة تحقق الانتشار والبيع والربحية. ثم هناك شيء من التحامل الزائد وقراءة نيات ليست موجودة عند الكاتب. القارئ يعترض على تفصيل مواقف انسانية وبشرية تحدث له هو نفسه ولكنه يعتبرها قذارة اذا جاءت مكتوبة. والمؤلف يراها مجرد تصوير دقيق لمواقف حياتية ولا يرى بأسا في اختراق التابو وتقديمها إلى القارئ مع شيء من البهارات المنشطة ما دامت الفياغرا هي اهم اختراع يبحث عنه الرجال. وينسى أن هناك من يتقزز من أي تفصيل جنسي غير الذي يتم في مخيلته شخصيا. وربما هي حقيقة أن الجنس هو اقوى غريزة في الذكور ولذلك فهو مسوق قوي: هو ما يحرك الهام التأليف ورغبة القراءة، ووسيلة ناجعة للانتشار خاصة بين قراء المؤلفة المرأة التي ترسم للذكور رؤيتها لانفعالات الأنثى جسديا. ذلك الموضوع الذي لا تحدثهم عنه امهاتهم ولا اخواتهم ولا يتقبلونه من بناتهم وحتى زوجاتهم.