إخوان الصفا.. هل كانت غايتهم السعادة القصوى؟

فؤاد معصوم يصدر دراسة عن فلسفتهم وأهدافهم مخالفاً بعض استنتاجات الباحثين

TT

هذا الكتاب هو دراسة جادة وممتعة لواحدة من الجماعات الفكرية، التي احتلت مكانة مهمة في تاريخ الفلسفة الاسلامية. واختلف الباحثون اختلافاً شديداً في حقيقتها ومذهبها ودورها. صفحات الكتاب زادت عن 350 صفحة، وزعها المؤلف الدكتور فؤاد معصوم على مقدمة موجزة واربعة ابواب. تحدث في الباب الأول، الذي قسمه الى اربعة فصول: الاول عن عصر إخوان الصفا: الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. والثاني عن من هم اخوان الصفا ومؤلفو رسائلهم وزمانهم ومكانهم. وعن كلمة اخوان الصفا. والثالث عن نظام الجماعة ومراتب أعضائها. والرابع عن رسائل اخوان الصفا الاثنتين والخمسين، التي حفظت آراءهم وفلسفتهم، ومنهجها ولغتها، والرمزية التي اعتمدوها فيها، وما اصابها من تحريف على ايدي الاسماعيليين، الذين ارادوا إدعاء نسبتها الى مذهبهم. وطبعات هذه الرسائل، و«الرسالة الجامعة» التي لخصت اهم ما في الرسائل.

وخصص المؤلف الباب الثاني للحديث عن الدين والفلسفة عند اخوان الصفا وسعيهم للتوفيق بينهما، وعن النبوة ونظرية الظاهر والباطن. ولم يقتصر حديث المؤلف عن اخوان الصفا وحدهم، بل بحث ذلك في الديانة اليهودية والمسيحية وفي الإسلام تعميقاً للبحث والرجوع الى اوليات هذه المفاهيم فيما سبق عصر اخوان الصفا.

وفي الباب الثالث تحدث المؤلف عن فلسفة اخوان الصفا، وهو اكبر الابواب، إذ تناول فيه ماهية الفلسفة وإحصاء العلوم وتعريف الفلسفة.

اما الباب الرابع والاخير فقد كرّسه المؤلف لمذهب اخوان الصفا وغايتهم. وبرغم وضوح الجهد العلمي الذي بذله المؤلف في الابواب الثلاثة الاولى، مستعيناً بما يقرب من مائة مصدر عربي مهم وبضعة مصادر اجنبية، لاستعراض رسائل اخوان الصفا وتصنيف ما تناولته من موضوعات وافكار، فإن هذا الجهد بدا اكثر وضوحاً في هذا الباب. ذلك انه خالف عدداً من استنتاجات جمهرة الباحثين في هذا الموضوع.

من ذلك مثلاً اتفاق جميع دارسي اخوان الصفا، تقريباً، على انهم من الشيعة، كما يقول المؤلف في بداية الفصل الاول من هذا الباب، خصوصاً وان «في رسائل اخوان الصفا نصوصا كثيرة وصريحة تدل على تشيعهم». ومع ذلك يقول المؤلف «ان من الضروري ان لا نقف عند هذه النصوص العامة فنصدر الحكم القاطع بتشيّع إخوان الصفا». ويورد شواهد مما يتفق فيه إخوان الصفا مع السنة، من قبيل حفظهم للخلفاء الراشدين الثلاثة الاول مقامهم ومكانتهم، وموقفهم الإيجابي من عائشة، التي خرجت على علي في حرب الجمل، ومن أبي هريرة.

وكذا الحال في اختلاف إخوان الصفا مع الشيعة الاثني عشرية في مبدئها الاساسي وهو غيبة الامام المهدي، ويعتبرونه من الاعتقادات. ويورد المؤلف نصوصاً من رسائل إخوان الصفا تنتقد عدداً من معتقدات الاسماعيلية، ليتوصل الى انهم ليسوا من الاسماعيلية.

اما عن سبب ورود الكثير من النصوص في رسائل الاخوان التي توحي باسماعيليتهم فيرجعه الى انها دخيلة على الرسائل. ويورد الكثير من الشواهد التي تدعم رأيه.

وبعد مناقشة مستفيضة لمختلف آراء الباحثين حول مذهب اخوان الصفا يرى المؤلف «ان مذهبهم لا ينتمي انتماءً كاملا الى مدرسة معينة من المدارس الفلسفية اليونانية، ولا الى إحدى المدارس الفكرية السابقة عليهم او المعاصرة لهم، ولا الى إحدى الفرق الاسلامية المعروفة». وانهم يقولون إن «مذهبنا يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها».

اما غاية اخوان الصفا، فقد كرّس لها الدكتور فؤاد معصوم الفصل الثاني من الباب الرابع، وهي التي اختلف بشأنها الباحثون، فمنهم من قال انها سياسية تستهدف قلب نظام الحكم القائم، كما هي اهداف الباطنية او الاسماعيلية والقرامطة. ومنهم من ذهب الى ان غايتهم كانت معرفية روحية، كما هو رأي اكثر المستشرقين.

وفي رأي المؤلف ان «غاية اخوان الصفا.. هي إعداد نفوسهم فقط للوصول الى السعادة القصوى، ولا تتحقق هذه الغاية إلا في مجتمع فاضل، خال من المشكلات التي تعوق الانسان عن تحقيق فضيلته والوصول الى سعادته».

وهذا في نظري رأي قابل للنقاش. واحسب انهم كانوا يستهدفون من وراء نقدهم العنيف لمعظم الخلفاء والسلاطين الذين تولوا الحكم في العالم الاسلامي وفضح سياساتهم وممارساتهم باعتبارها على تضاد مع المهام التي حددها الاسلام، تمهيد التربة للاطاحة بهم، وبنظمهم وفسادهم. ذلك ان إخوان الصفا شخصوا، كما يقول المؤلف، بتفصيل وبشكل دقيق مشاكل المجتمع في عصرهم ووضعوا بعض الأسس لمعالجة ذلك، وقدموا تصوراً مرحلياً للإصلاح. ولا يعقل ان يكون كل الجهد الذي بذلوه، والتنظيم السري الذي اقاموه، هو للوصول الى إسعاد نفوسهم للوصول الى السعادة القصوى، لوحدهم دون سائر الامة المبتلاة بالفساد والظلم والجور على ايدي حكامها.

وفي حديث المؤلف عن طريق الاخوان الى تحديد غاياتهم تطرق الى تحديد مشاكل العصر ومحاولة حلها وسوء الإدارة والخصومات المذهبية، وكأنهم يتحدثون عن واقعنا المكرب اليوم، إذ يقولون ان التعصب المذهبي «ليس من اجل الدين، ولا من اجل المذهب، وانما كان في الغالب وسيلة للسيطرة والجاه». والإخوان ضد الصراع القومي لايمانهم بفكرة المساواة بين القوميات والشعوب. وهم ضد التباين الاقتصادي وينحازون الى الفقراء. ويعتبرون الجهل اس المشاكل ويسعون الى إقامة مدينتهم الفاضلة.