القاضي: الارتباط بالكتاب الورقي إحساس وعناق والتصاق

كاتب سعودي يدعو إلى تطبيق العلاج عن طريق القراءة

حمد بن عبد الله القاضي
TT

يراهن أديب وكاتب سعودي على بقاء الكتاب كمصدر مهم للثقافة وأن الكلمة المكتوبة ستبقى من دون منافسة من وسائط المعرفة الحديثة مشددا على ان ثقافة الفضائيات لا تنفي ثقافة الكلمة المقروءة.

وقال حمد بن عبد الله القاضي الكاتب السعودي ورئيس تحرير «المجلة العربية» سابقاً وعضو مجلس الشورى السعودي في محاضرة القاها أخيرا في نادي الاحساء الادبي شرق السعودية عن «الثقافة المطبوعة في الزمن الفضائي» قال: إن الارتباط بالكتاب الورقي هو ارتباط احساس وعناق والتصاق.

وألمح إلى أهمية العلاج بالقراءة لافتاً في هذا الصدد إلى أن بعض المستشفيات في الغرب أطلقت خدمة «عربة الكتب» التي تدور بين غرف المرضى جنباً إلى جنب مع عربات الغذاء لتوفير القراءة لمن أجبرتهم الظروف على البقاء على الأسرة البيضاء.

وقال القاضي: إن الكتاب ظل رقما صعبا في معادلة الثقافة العالمية مشيرا في هذا الصدد الى احصائية عن القراءة في الولايات المتحدة الاميركية، نشرت قبل ثلاث سنوات كشفت انه في عام واحد تم طباعة 21 ألف كتاب جديد بينما في العام الذي سبقه تم اصدار 12 ألف كتاب جديد أيضاً مما يعني زيادة قد تصل الى 100 في المائة، وفي ذلك دلالة على اقبال القارئين وزيادة اعدادهم هناك الى الضعف على الرغم من تقدم ثورة المعلومات وتقنيتها ووجود وسائل الترفيه لديهم.

واستهل القاضي محاضرته بالإشارة إلى أن الأسلاف أحبوا الكتاب حباً كبيرا يصل إلى درجة العشق عند بعضهم، وذلك من وحي قناعتهم بأنه «مستودع معارفهم وسلوة أيامهم»، فضلا عن أنه لا يوجد ما يصرفهم عنه، وقد ولد المؤرّخ ياقوت الحموي في مكتبة ومات في مكتبة، والإمام أحمد بن حنبل كان عندما يزوره ضيوف يجلس معهم ويؤنسهم ويتحدث معهم ولكنه كان يشغل يديه بتجهيز الأوراق والمحابر، والعالم إسماعيل القاضي روي عنه أنه لم يشاهد إلا ومعه كتاب، و«قصص الوراقين» - وهو مصطلح قديم يطلق على «الكتاب والأدباء» الذين عشقوا الورّاقة.

وأشار المحاضر إلى الحكاية التي تروي أن الخليفة هارون الرشيد دخل على ابنه المأمون وبين يديه كتاب يطالع فيه فسأله الرشيد: ما الذي بيدك؟، فقال المأمون: (بعض ما تشحذ به الفطنة ويؤنس به من الوحشة).

كما روى القاضي قصة أخرى عن مكانة الكتاب قديماً، وهي قصة الفضل بن سهل عندما دخل على المأمون وطفقا يتجولان في بساتين دمشق فقال له الفضل: هل رأيت - يا أمير المؤمنين - أجمل من هذه البساتين؟، فقال المأمون: (أجمل منها كتب تجلو الأفهام أو تسر القلوب وتؤنس الأنفس..!).

وتحدث القاضي عن واقع الثقافة في صحافة بلاده قديماً، مشيراً إلى أنها كانت صحافة ثقافية، بل أدبية خالصة، وكانت الصفحة الأولى تحوي قصائد ومقالات أدبية وقصصا، ثم جاءت مرحلة الملاحق المتخصصة، والمجلات الثقافية والعلمية.

وقال القاضي: إن الناس صغيرهم وكبيرهم كانوا يتابعون كثيرا الصحافة الأدبية والكتاب بشكل عام؛ وذلك لقلة المغريات الصارفة. أما بالنسبة للمجتمع السعودي المعاصر، فذكر انه لم يبلغ درجة العزوف عن الكتاب، وانظروا كثرة وانتشار المكتبات التي تحوي أنفس الكتب ولو لم تكن ناجحة لتم إغلاقها.

أضاف: «الحق أن في القراءة متعة لا يظفر بها إلا من يجد المتعة وهو يدير أهدابه بين جدائل الكتب، إن الذي يحرم متعة القراءة يحرم - في تقديري - من أحد متع الحياة الجميلة، فضلاً عن أن للقراءة أثراً باقياً - وليس طائراً - على رؤية الإنسان للحياة واستلهام تجارب الآخرين للإفادة منها في اتخاذ قراراته ومواجهة مشكلاته. يقول الأديب الفرنسي «أندريه جيد»: (عندما تعيد الكتاب إلى الرف ثانية بعد قراءته تأكد أنك لن تكون الشخص نفسه بعد قراءته). وهذا يعني أن للقراءة سلطة ذات تأثير قوي لها أبلغ الأثر في قناعات الإنسان في هذه الحياة ومساره فيها، وبالتالي فإن على الإنسان أن يكون دقيقاً فيما يختار وفيما يقرأ ويطالع ويقتني من الكتب والمطبوعات».

وعن المنجز الثقافي المحلي، ذكر القاضي أنه يتزامن مع المنجزات الأخرى أو بالأحرى لعله مقارب لها، فهناك عشرات المجلات والصحف التي تطبع وآلاف الكتب التي تصدر، والكثير من القنوات الثقافية، ولولا وجود «زبائن» لها وتوافر القاطفين لحصادها لما صدرت هذه الكتب ولما وزعت هذه الصحف والمجلات، وعلى الرغم من عمرنا الحضاري الثقافي القصير في هذا المنجز إلا أننا أنجزنا شيئاً جيداً، ونحن ماضون بخطى حثيثة لنكون في زمالة وندية مع أكثر الدول تعلماً وثقافة. ومن يطلع على المنتج الثقافي السعودي يحس أن بلادنا ليست بلاد نفط ومدن إسمنتية فقط، ولكنها وطن حضارة وثقافة وإنسان يعطي ويبدع، ألم يقل القصيبي في بيت شعري جميل وصادق:

نفط يقول الناس عن وطني

ما أنصفوا وطني هو المجــد

وتناول الأديب السعودي موضوع القراءة وأثر الوسائل الإعلامية الحديثة قائلاً: «وسائط المعرفة الحديثة في زمن ثورة الاتصالات زمن الشبكات العنكبوتية والقنوات الفضائية لها تأثير في صرف بعض الأحداق عن الكتاب والكلمة المطبوعة لكن في ظني ليس هناك شيء يلغي شيئا آخر، فثقافة (الإنترنت) مهمة، ولكن الكلمة المكتوبة ستبقى، وثقافة الفضائية لا تنفي ثقافة الكلمة المقروءة، إن كل واحد - في تقديري - يكمل الآخر».

ويعتقد القاضي أن ميدان التنافس هو أن تقدم شيئاً يستحق المتابعة، سواء أكان مقروءاً أو مشاهداً أو مسموعاً، «ففي ميدان القراءة قدم كتاباً جيداً وسوف تجد له قراءً ومتابعين كثراً، وليس أدل على ذلك من كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور غازي القصيبي فقد حقق أكبر نسبة مبيعات على الرغم من طباعته في عصر (الإنترنت) والفضائيات، وكذا كتاب «أي بني» للدكتور عبد العزيز الخويطر الذي وزع منه الكثير، وكتاب الداعية عائض القرني (لا تحزن) الذي وزع في داخل السعودية وخارجها بأعداد كبيرة جداً وغيرها كثير».