البازعي: تراجع النقد عبارة يكررها الراسبون

سعد البازعي
TT

يحاول الناقد السعودي، أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد المقارن الدكتور سعد البازعي رئيس النادي الأدبي بالرياض من خلال كتابيه الحديثين (المكون اليهودي في الحضارة الغربية) و(الاختلاف في الثقافة، وثقافة الاختلاف) تقديم مشروع فكري، يعتمد منهج التأصيل للتعددية الفكرية، وإعادة الاعتبار لدور المكونات المختلفة للثقافة، وبينها المكون اليهودي، في محاولة لتحليل الإسهام اليهودي في تطور الحضارة الغربية، باعتباره إسهاماً يشكل مرتكزا ضخما لساحة الحضارة الغربية المعاصرة، بهدف محاولة فهم أفضل للحضارة الغربية، ودراسة دور الأقليات في تشكيل الثقافة. وفي الموضوع النقدي، لاحظ البازعي، أن الساحة الثقافية تضج الآن بعدد هائل من الكتاب والنقاد، لكن أعداد النقاد غير كافية للإحاطة بالكم الوفير من النتاج الإبداعي. «الشرق الأوسط» التقت الناقد، الدكتور سعد البازعي في الرياض وأجرت معه الحوار التالي:

> من خلال كتابك الأخير (المكون اليهودي في الحضارة الغربية).. هل تعتقد أن المكون الثقافي اليهودي فرض نفسه على مكونات الثقافة الغربية بشكل خاص ومن ثم انتقلت عدواه إلى المكونات الثقافية الإسلامية والعربية؟.

- كتاب (المكون اليهودي في الحضارة الغربية) محاولة لتحليل الإسهام اليهودي في تطور الحضارة الغربية، وهو تحليل يقوم على أطروحة تقول إن هذا الإسهام يشكل مرتكزا ضخما لساحة الحضارة الغربية المعاصرة وأن الانتماء اليهودي هنا يتألف ليس فقط من الانتماء الديني وإنما أيضا من الانتماء الاسمي بمعنى أنه انتماء ثقافي اجتماعي وديني أيضا وكثير من المفكرين والكتاب والباحثين في الغرب وعلى مدى الخمسين سنة الماضية، يرجعون إلى أصول يهودية ابتداء من «برويد» و«ماركس» وانتهاء بـ«جاك دريد».

> إذا ماذا أردت أن تقول في خلاصة هذا الكتاب؟

- الأطروحة الأساسية للكتاب مفادها أن هؤلاء ينتمون إلى جماعات اسمية ولهم خلفيات ثقافية تختلف كثيرا أو قليلا عن الخلفية الثقافية لمعظم الغربيين ولهم شعور بأنهم يمثلون أقليات، غير أن ذلك كان له دور مهم في تشكيل رؤيتهم لأنفسهم وللعالم إلى الحد الذي يجعل من الضروري استيعاب هذا الانتماء لتحقيق استيعاب أفضل لأعمالهم. والكتاب يحاول أن يجري مسحا لهذا المكون ابتداء من منتصف القرن 17 وبالتحديد منذ الفيلسوف سبينوزا وحتى الوقت الحاضر.

وهناك هدفان بعيدان، أولهما محاولة فهم أفضل للحضارة الغربية، وثانيا أن الكتاب يؤخذ من حيث إنه دراسة لدور الأقليات في تشكيل الثقافة، وكل الحضارات ترتكز على مكونين هما، التيار العام وتيار الأقليات، فمثلا نجد في الحضارة الإسلامية السريان والأكراد والفرس – وكان لهم دور كبير في تطور العلوم ومن دون جهود السريان (الآشوريون) لا يمكن ترجمة الحضارة أو الفكر اليوناني. وهؤلاء يقومون بدور مهم، ومثل ذلك يحصل في الحضارة الغربية.

كما أن هناك أقلية عربية إسلامية ضمن الحضارة الغربية (عرب مفكرون ومثقفون وعلماء اجتماع ونفس وباحثون) لكنهم يعملون في الغرب وهؤلاء لهم دور لا يمكن جحده مثل إدوارد سعيد، إذ له خلفيتان: عربية لها دور في تشكيل رؤيته وإسهاماته ونحن لا نستطيع أن نفهم ذلك من دون أن ندرك أن له خلفية إسلامية كمثقف مهتم بالإسلام وليس كمسلم. والشيء نفسه يمكن أن يقال في جاك دريد وهو فرنسي من أصل يهودي جزائري، هاجر إلى فرنسا وبالتالي أيضا له خلفيتان كان لهما دور في تشكيل فلسفته.

> إلى أي حد يلتقي هذا الكتاب مع كتابك السابق «الاختلاف في الثقافة وثقافة الاختلاف»؟

- يعتبر كتاب (الاختلاف في الثقافة وثقافة الاختلاف) مجموعة دراسات ومقالات تتمحور حول مفهوم الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، وهو محاولة لتأصيل مفهوم الاختلاف بمعنى البحث عن أسس الثقافة العربية الاسلامية لهذا المفهوم. وكذلك في الحضارة الغربية مفهوم الاختلاف بين المذاهب اختلاف فكري مهم، كما أن هناك ما يسميه الفقهاء «الخلاف» بأن يكون هناك صراع أو مواجهة بين أكثر من رأي. وتباين وجهات النظر إلى حد الصراع بينهما، أما الاختلاف فهو وقوع التباين مع قبول الرأي الآخر وهو كسنة كونية مقبول وهذا ما نحتاج إلى تأكيد الحاجة عليه في العلاقات الحضارية أيضا. وهناك باحثون عرب في مجالات مختلفة يسعون دائما إلى البحث عما يجعل حضارتنا شبيهة بالحضارة الغربية وفي الوقت نفسه هناك من لا يبحث إلا عن وجه الاختلاف. وكلا الضربين مهم، ولا ينبغي أن يطغى أحدهما على الآخر سواء كان في الدراسات الأدبية أو مناحي البحث العلمي والفكري أو غيرها.

> كونك ناقداً، هل صحيح أن فترة النضج النقدي ولت مع رحيل رواد النقد الأوائل أمثال طه حسين والعقاد ورفاقهما؟

- هناك تغيير كبير في تصور دوري العقاد وطه حسين في النقد الأدبي، ولا أقول ان النقد التقويمي اختفى، بل ما زال هناك نقد ينشر وهناك تناول للأعمال الإبداعية بالنقد اللاذع وغير اللاذع. لكن الجهد الأكبر يصوب نقديا نحو تحليل وتنظير وبحث الأعمال من زوايا جمالية أو واقعية بدلا من أن تكون تقويمية تحكم على العمل الإبداعي من حيث الضعف أو القوة. وبالتالي فإن المقارنة غير منطقية مع ما كانت عليه حالة النقد في الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم وذلك لقلة المبدعين المؤلفين وقلة النقاد أنفسهم في ظل عدد محدود من المجلات والصحافيين والروائيين والمسرحيين. ونحن ننظر الآن إليهم من على بعد تاريخي ومن مسافة تسمح لنا برؤية الأشياء بشكل أكثر وضوحا، وكذلك الحال بالنسبة لنا، حيث نعيش فترتنا لإثرائها، كما سوف تراها الأجيال المقبلة بعين مختلفة.

وأعتقد أن الساحة الثقافية تضج الآن بعدد هائل من الكتاب والنقاد وكذلك المطبوعات، بيد أنني قصدت بتغير اتجاه النقد الأسماء الرئيسية في الإنتاج النقدي. وإلا فكيف يمكن مثلا لعشرين ناقدا في العالم العربي الإحاطة بكل ما تجيء به آلاف الكتب؟

وإذا ما نظرنا في الساحة الثقافية في السعودية فقد صدر خلال السنتين الماضيتين فقط عدد كبير من الروايات يتراوح من 70 إلى 80 رواية، فلو أراد النقاد تقويمها نقديا فلا بد أن الأمر يختلف تماما عن سابقه، بخلاف ما كان يمكن أن يفعله أحمد حسن الزيات في قلة قليلة من الكتب التي تصدر في زمانه.

> إذا لماذا يشتكي بعض الكتاب من تراجع النقد؟

- نعم قد تكثر الشكوى من تراجع النقد خاصة من تلك الفئة من الكتاب الذين يعبرون في الغالب ولا أقول دائما عن ضيقهم بعدم الالتفات إليهم والاشادة بهم، غير أنه لو كُتب شيء سلبي عن إنتاجهم لكرهوا النقد ولاتهموا النقاد بالتحيز والشللية. ومع ذلك فأنا لا أبرئ ساحة النقد من القصور والخطأ ونقص الخبرة والنضج، مع اعترافي بوجود الجيد من الكتاب والضعيف.

وعموما فإن النقد العربي الحديث يواجه مشكلة تكرار ونسخ إنتاج النظريات الغربية وهو ما قلته في كتابي: (استقبال الآخر – الغرب في النقد العربي الحديث 2004)، حيث يرى الكثير من النقاد العرب أن كل ما ينتج في الغرب هو عالمي ويصلح لكل زمان ومكان، وغيره مضيعة للوقت، بخلاف النظرية الغربية التي تعطي قدرا من الاستقلالية في الرؤية، وترى أن المعرفة تحمل سمات المكان والزمان وأنها لا تنفصل عن السياق الحضاري.

أعود فأقول: هناك حاجة ماسة لعمل مؤسسي في مجال الترجمة له ضوابط ونظم وميزانيات وإدارات تعمل كلها في منظومة واحدة وبشكل متكامل، ولا يكفي مشروع ألف كتاب كالذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة في مصر ومشاريع الترجمة بكل من أبو ظبي ودبي لأنها لن تملأ فراغ المراكز المتخصصة، مع كل التقدير للمجهودات الجبارة التي قامت بها تلك الجهات في خدمة الترجمة، لأننا نتطلع إلى مؤسسة ترجمة متكاملة كتلك التي نراها في السويد وألمانيا التي تقوم بترجمة آلاف الكتب من لغات مختلفة أولها الانجليزية إلى لغاتها الأم بما فيها الألمانية والسويدية وغيرهما، وبالتالي لا غنى عن مثلها في بلادنا العربية لترجمة العلوم العلمية والثقافية والاهتمام بها، خاصة الدوريات لأنها أخطر ما يمكن أن ننجزه في مجالات ضرورية لحياتنا اليومية في كل من الطب والكيمياء والفيزياء والأحياء حتى تغنينا عن الحاجة لتعريب جامعاتنا بالشكل الذي لا يصل بنا إلى أهدافنا.