آلة الناي تتحدى الطبول الغربية العملاقة

جمهور ينفجر حماسة للاندماج

TT

«العود أصدق أنباء من الكتب».. هذا ما استوحيته من شعر أبي تمام وأنا استمع الى الموسيقي اللبناني عبد السلام خير وهو يعزف على آلة العود ويذكرني بما آمنت به مراراً، وهو أن الفنون خير قناة للحوار بين الحضارات، وخير جسر لنا للنفوذ في قلوب الغربيين وعقولهم. كان ذلك في الحفلة الموسيقية التي قدمتها فرقة الفارابي العربية في قاعة كنيسة سان جونس سمث بلندن، معاً مع فرقة «امفب السمفونية البريطانية». جرت الحفلة برعاية السفير السوري الدكتور سامي الخيمي، فافتتحها بكلمة أكد فيها التقاء الحضارتين العربية والأوروبية بصورة لن يستطيع المخربون تدميرها.

وكانت الحفلة درساً في ذلك. ابتدأت بنغم نهاوند من التخت الشرقي يقوده الفنان المبدع عبد السلام خير على العود، تلى ذلك موشح «أمنيتي» لسيد درويش، غنته مريت ستفانوس وأجادت فيه وأحكمت في تنويعه.

انتهى القسم الشرقي فتقدم المايسترو بنيامين الين ليقود الاوركسترا الغربية في قطعتين لفون وليمز وغستاف هويست من صميم الموسيقى الغربية وأبعد ما تكون عما سبق. لكن ما أن انتهت الاستراحة حتى اظهر الموسيقي الين كيف تندمج الحضارتان، فجمع العازفين العرب والعازفين الانجليز في سلسلة من الاختراعات الموسيقية الطريفة والجديرة بالإعجاب. استهلها بكونسرتو من الاوركسترا وآلة الناي. وهي تجربة صعبة. سمعت الكثير من هذا الدمج مع العود كالكونسرتو التي قدمها الموسيقار العراقي سلمان شكر رحمه الله. بيد ان هذه كانت أول مرة اسمع فيها الناي يتحدى النحاسيات والطبول العملاقة الغربية. كان التباين شاسعاً وغريباً على الأذن الشرقية، لكنه كان بارعاً وذكياً. أطلق بنيامين الين اسم «تفاهم» على هذه المقطوعة. تفاهم بين الشرق والغرب متمثل بالتفاهم بين الناي والترمبون. انه لقاء الحضارات وحوار الشمال والجنوب.

كان ذلك فاتحة للاندماج الاوركستري بين الآلات الشرقية والغربية، قدم فيها لؤي الحناوي عزفاً رقيقاً على الناي في أنغام صوفية عاشت على الناي وتغذت به عبر العصور. وأخيراً لم يستطع المستمعون غير ان ينفجروا حماساً بالتصفيق والهتاف بعد سماع الأنغام العربية التقليدية تنطلق من مجموع الآلات المندمجة في ذلك الانسجام المحكم من الهارموني.