سورية تكرم بدوي الجيل بعد ربع قرن على رحيله

أدونيس: اختتم تاريخا شعريا كاملا

بدوي الجبل
TT

جاء تكريم الشاعر السوري بدوي الجبل متأخراً جداً رغم المكانة الكبيرة التي يتمتع بها لدى مواطنيه. ففي دورته الرابعة أراد «مهرجان جبلة الثقافي»، الذي تنظمه «جمعية العاديات» بمدينة جبلة تكريم بدوي الجبل بعد أكثر من ربع قرن على رحيله، مستعينة ببعض الشعراء والنقاد في مقدمتهم الشاعر والمفكر السوري أدونيس.

في البداية أشار أدونيس إلى العلاقة الوثيقة التي تربطه ببدوي الجبل، سواء من حيث صلة الرحم أو القرابة الشعرية، مبينا أنه لن يقدم تحليلا نقديا لشعر بدوي الجبل أو «استقصاء لشعريته العالية، وإنما أقدم شهادة له واعترافاً بمكانه ومكانته في نفسي». وأضاف أدونيس:«كان الوقت آنذاك بالنسبة إلي كمثل برزخ بين واقع يضيّق علي حدود القدرة على الحركة والمعرفة، وتطلُّع يكتنز الإباء والتمرد على هذه الحدود، هكذا كنت فيما أقرأ شعره أحس كأنني أتقدم في أفق يربط بين عالمين، واحد ينزل في النفس نزول القهر وآخر ينزل فيها نزول السحر». ورأى أدونيس إن بدوي الجبل كان مأخوذا باللغة العربية ومفرداتها كما كان حاله أيضا مع النزعة القومية التي تتبدى جليّا في شعره الذي حمّله رؤيته النهضوية. وبدوي الجبل في رأي أدونيس يشكل امتداداً لأجمل ما عرفته الكلاسيكية الشعرية العربية، ويبدو في ذات الوقت تتويجاً لها، وهو «يختتم تاريخاً شعرياً بكامله وفي الوقت نفسه وبالقوة ذاتها، يرسم للشعر العربي منعطفا لكي يبدأ بنبض آخر تاريخاً شعرياً آخر». «أما غياب المبدع فهو نوع آخر من الحضور»، ذلك أنه يُغيّب الخلافات والحُجب ويتيح لنا أن نرى ما كان محجوبا بفعل العادة أو الغيرة أو التنافس أو بفعل تلك الآفة البائسة، آفة التمذهب السياسي». والآن بحسب أدونيس:«يتيسر لنا أن نرى الشاعر فيما يتجاوز الجزئي والمرحلي إلى الكلي المطلق، أي إلى النسغ الذي تحتضنه الديمومة، فندخل إلى عالم الشفافية الكاملة بين الشاعر والشعر، بينه وبين التاريخ، بينه وبين الجوهري».

وفي معرض حديثه عن الخصائص الشعرية لبدوي الجبل قال الباحث وفيق سليطين إن ما يميز شعر بدوي الجبل هو أنه يتجاوز القاموس والمفردات تغدو لديه أكبر من قيمتها القاموسية وأقل استقرارا. وأضاف:«في الوقت الذي يحضر فيه المؤثر التراثي قوياً في شعر البدوي، يُلاحظ تجاوز النزع الكلاسيكي ورفده بقيم التحول الفني في صياغات أسلوبية مختلفة يُحققها البدوي في سبيكة شعرية خاصة، تتفاعل في داخلها المؤثرات والرؤى الكلاسيكية والرومانسية والبرناسية».

فيما أشار الناقد رضوان قضماني في حديثه عن الفكر النهضوي في أدب بدوي الجبل إلى أن إبداع البدوي بدأ من العشرينات التي هيمنت عليها مدرسة محمد كرد علي، مؤكداً ارتباطه بوالده الذي كان إماماً واسع المعرفة بالأدب القديم والدراسات اللغوية وعضواً في مجمع اللغة العربية. وأضاف:«كانت أغلب قصائده الأولى ذات قيمة وطنية، على الرغم من أن السياسة طغت في مرحلة ما على كتاباته، فتواضعت مقولات النهضة أمام مقولات السياسة المتمثلة في الثورة والتحرير والوحدة القومية، وبهذا دخلت حياة البدوي الإبداعية في صراع طرفه الأول أن حياته كانت دائمة الارتباط بالمغامرة السياسية وطرفه الثاني فكره النهضوي الإحيائي بما انعكس منه على شعره». وقال عنه قضماني أنه ـ كالجواهري ـ لا يكتفي بمحاكاة الشعر القديم، بل ينتمي إلى القديم في التراث الشعري، ففيه نقاء الأسلوب وقوة النسيج ومتانة اللغة، مما يجعله ألمع الإحيائيين السوريين فيما وصل إليه من مضارعة القديم، من دون أن يغترب عن جوعه الطامح إلى تحقيق الذات».

وأضاف:«كان آخر الإحيائيين النهضويين السوريين، بما تميزت به لغته، فهي جديدة قديمة في آن معا، والصورة عنده أصيلة طازجة وغير مستهلكة، وكلتاهما: اللغة والصورة تتصفان بالحيوية والقدرة على التأثير».