خير جليس في الدمام «مكتبة المتنبي»

تضم أكثر من مليون كتاب والعاملون فيها باحثون

TT

بعد حوالي نصف قرن من العطاء المعرفي، أصبحت مكتبة «المتنبي» الواقعة في مدينة الدمام (شرق السعودية) واحدة من أهم المكتبات العربية، كمكتبة مدبولي في القاهرة، ومكتبة لبنان في بيروت.

إنها تكاد تكون الوصفة السحرية التي تطلقها ألسنة المعلمين والأساتذة الجامعيين لطلابهم حال تكليفهم بإنجاز عمل بحثي أو التوسع في القراءة حول موضوع معين، وهو الأمر الذي جعل هذه المكتبة تتحول بمرور الزمن إلى شاهد على ثقافة المنطقة الشرقية، وتصبح زيارتها أشبه ما تكون بفسحة معرفية، خاصة مع إمكانية القراءة والاطلاع على كافة الكتب التي تضمها دون قيود، أو شرائها بأسعار معقولة مقارنة بالمكتبات الأخرى.

وما يشد زائر مكتبة المتنبي إليها أنها ما زالت محافظة على شكل مبناها التقليدي دون أن تسلخ جلدها تماشياً مع التطور العمراني الحديث، بحيث صار تصميمها الكلاسيكي جزءاً من الهوية الثقافية للمكتبة التي أسسها صالح الغامدي عام 1964 في وقت لم تكن فيه تجارة الكتب رائجة في الخليج. ويقول ابنه عبد الله صالح الغامدي، مدير عام المكتبة، لـ «الشرق الأوسط» بأن فكرة تأسيس المكتبة جاءت نتيجة نهم والده بالقراءة والاطلاع منذ زمن طويل.

وحول أسباب تسمية المكتبة باسم الشاعر العباسي أبو الطيب المتنبي، قال الغامدي بأنه لا يعلم سر اختيار والده لهذا الشاعر تحديداً في وقت لم تنتشر فيه أسماء الشعراء كأسماء للمكتبات.

واللافت في مكتبة المتنبي أنها لا تضم باعة كتب تقليديين، بل تجمع باحثين ومؤلفين عرباً يعملون في المكتبة ويساعدون مرتاديها على دراسة وتوفير المراجع والكتب المتوافقة مع اهتماماتهم ودراساتهم، كما هو حال أبو الفضل أحمد عز الدين، باحث وكاتب له 4 مؤلفات، الذي يعمل في المكتبة منذ أكثر من 20 سنة، ويصف علاقته بزبائن المكتبة بأنها أشبه ما تكون بـ"صداقة فكرية". ويحكي عز الدين قصة مكتبة المتنبي قائلاً: «إنها شهدت الكثير من التنقلات. وفي بدايتها كانت عبارة عن مكتبة صغيرة تقع في شارع الملك خالد حتى انتقلت لشارع المستشفى المركزي الواقع في حي البادية بالدمام واستقرت فيه بطوابقها الأربعة، ثم أخذت في التوسع مرة بعد أخرى. وهي تقوم بتجديدات وتوسيعات دورية لضم أكبر عدد من الزوار والكتب، خاصة أن العديد من الكتب الحديثة لم تعد تجد لها مكاناً بين الأرفف، وهي مصفوفة على الأرض وحول القواعد الخشبية».

وذكر عز الدين أن المكتبة تضم اليوم أكثر من مليون كتاب، وهو ما يجعلها واحدة من أهم المكتبات على مستوى الشرق الأوسط، وقد استقبلت على مدى سنوات عمرها الذي يقترب من نصف قرن الكثير من الشخصيات المهمة من المفكرين والكتاب والأدباء وأعضاء مجلس الشورى السعودي والعديد من الزوار القادمين من الخليج العربي.

وحول الهوية الثقافية للمكتبة، قال عز الدين الشهير بين زوار المكتبة بـ(أبو أحمد): «ان مكتبة المتنبي غير متخصصة، بل هي مكتبة شاملة. وتضم طوابقها الأربعة العديد من المصنفات في كافة العلوم والمعارف التي تم اختيارها وجلبها من أقطار عدة. إنها أشبه ما تكون بمنجم معرفي لا ينضب». ويعزز من قيمة مكتبة المتنبي موقعها الاستراتيجي في قلب الدمام النابض، وأمام مسجد ابن تيمية الذي يعد من أقدم مساجد المنطقة، قريباً من أحياء الدمام القديمة. وكانت الأحياء المجاورة للمكتبة قبل سنوات قريبة من أهم أحياء المنطقة الشرقية ومركزاً للتجار والمسؤولين. وقد ورد ذكر الحي الواقع بالقرب من المكتبة في رواية «العدامة» الشهيرة للدكتور تركي الحمد، وهي «إشارة لحالة من التوحد الثقافي والجغرافي والتاريخي بين المكتبة ومحيطها»، كما يقول أبو الفضل أحمد عز الدين.