بوش.. وسجل الشرق الأوسط

المحلل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يدعو إلى استراتيجية جديدة

طريق للخروج من الصحراء: استراتيجية أميركية كبرى تجاه الشرق الأوسط المؤلف: كينيث إم. بولاك
TT

خلال الأيام الأخيرة، توجهت أنظار الكثير من المعلقين من معسكري اليمين واليسار إلى جهود السيناتور «باراك أوباما» لإقرار أكبر قدر ممكن من السياسات التي ينتهجها الرئيس «جورج دبليو. بوش» أملاً في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني)، بل وبلغ الأمر ببعض المعلقين إلى إطلاق اسم «باراك حسين بوش» على المرشح الديمقراطي.

يكشف الكتاب الذي وضعه «كينيث إم. بولاك»، ان «أوباما» ليس الوحيد الساعي لإقرار جوانب جوهرية من السياسات الداخلية والخارجية التي يتبعها «بوش»، حيث يدرك عدد كبير من القيادات النخبوية داخل الحزب الديمقراطي، ربما تشكل الغالبية داخل الحزب، أن التنديد بـ«بوش» لا يمكن أن يشكل أساساً جاداً لسياسات إدارة مستقبلية.

يذكر أن «بولاك» سبق أن عمل محللاً لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وكان من بين أعضاء إدارة «كلينتون». ويصف «بولاك» نفسه بأنه يتبع تيار الليبراليين الجدد الدوليين، وهي فئة تضعه في الطرف المقابل للمحافظين الجدد.

ويخصص «بولاك» جزءا كبيرا من كتابه لاستعراض سجل إدارة «بوش» داخل منطقة الشرق الأوسط، لكنه ينتهي إلى إقرار «عقيدة بوش» التي تربط بين الأمن القومي الأميركي ونشر الديمقراطية بالمنطقة. أما الذي يثير غضب «بولاك» فهو إخفاق «بوش» المزعوم في تطبيق العقيدة التي تحمل اسمه. وكتب «بولاك» يقول:«ليس بمقدورنا كأمة التخلي عن هذا التوجه لمجرد أن إدارة بوش هي التي تزعمته على الصعيد الخطابي. فرغم أن جورج دبليو. بوش قال إنه الإجراء الأمثل الذي يتعين القيام به، فإنه بالفعل يعد الإجراء الأمثل».

وفي ثنايا الكتاب، يعرب «بولاك» أيضاً عن تأييده موقف «بوش» تجاه العراق. وفي محاولة لتجنب التعرض لانتقادات من قبل أقرانه الديمقراطيين، حرص «بولاك» على التنديد بالحرب في العراق، مستخدماً تعبيرات «المستنقع» و«الفوضى» و«الكارثة» في وصف الأوضاع هناك. وقد وجد «بولاك» نفسه مضطراً إلى القيام بذلك لأنه، منذ أربع سنوات ماضية، سبق وأن كان من بين أقوى المؤيدين لشن حرب استباقية ضد «صدام حسين». والآن، يقول «بولاك» إنه ما زال يؤمن بان الولايات المتحدة كان ينبغي عليها تحرير العراق، لكن فقط بعد القيام بالكثير من المهام الأخرى، بينها إنزال الهزيمة الكاملة بالإرهاب وتحديث اقتصاديات المنطقة وتسوية القضية الفلسطينية والقضاء على الفقر، بمعنى أنه لم يكن ينبغي غزو العراق خلال حياته!

يذكر أن الكتاب تم وضعه قبل اتضاح الصورة الكاملة للتداعيات المترتبة على قرار زيادة أعداد القوات الأميركية داخل العراق الذي تزعمه الجنرال «دافيد بيتريوس» وتمكنها من إقناع غالبية الديمقراطيين بأن الحرب في العراق لم تتم «خسارتها»، مثلما زعم زعيم الأغلبية الديمقراطية داخل مجلس الشيوخ، «هاري ريد»، منذ ما يزيد على العام. ومع ذلك، يعلن «بولاك» في ثناياه رفضه لسياسة الضرب والفر سريعاً من العراق، واعترف بأنه بتحرير أفغانستان والعراق، وطرد السوريين من لبنان، والنجاح في إخضاع وكبح جماح العقيد «معمر القذافي» في ليبيا، بزغت بشائر نظام جديد في المنطقة.

وكتب يقول:«ليس بمقدورنا الانسحاب من النظام الذي قمنا ببنائه لأنه ساعد الكثير من الدول الأخرى، ولأن الانسحاب ربما يسفر عن انهياره، الأمر الذي قد يهدد تنميتنا الاقتصادية، بل وأمننا المادي».

بل ويعترف «بولاك» أن «بوش»، الذي تعرض لانتقادات هائلة، ربما يكون قد عمل على حماية الولايات المتحدة من الإرهاب بصورة أفضل من سابقه. وكتب:«إننا بالفعل نقدم مستوى أداء أفضل عما كان عليه الحال قبل 11 سبتمبر (أيلول)، وهو أمر تستحق إدارة بوش الثناء عليه»، وأضاف أنه:«رغم محاولاتهم الدؤوبة، لم يتمكن الإرهابيون من شن هجوم آخر ضد الأميركيين داخل الولايات المتحدة». من بين الأسباب وراء ذلك التي لم يذكرها «بولاك» أن «بوش» قرر السعي وراء الإرهاب ومحاربته داخل أراضيه بدلاً من الانتظار حتى يأتي الإرهابيون إلى الولايات المتحدة ويحولونها إلى ميدان معركة.

ومن الواضح أن «بولاك» وضع هذا الكتاب على أمل أن تفوز السيناتور «هيلاري كلينتون» بترشيح الحزب الديمقراطي لها في الانتخابات الرئاسية وأن تصبح الرئيس القادم للبلاد، حيث يعكس جزء كبير من تحليلات «بولاك» وجهات نظر «كلينتون» التي كانت دائماً أقرب إلى «بوش» منها إلى «أوباما» قبل تحول الأخير الواضح بعد انتخابات ولاية إلينوي إلى إتباع «عقيدة بوش».

بيد أنه من بين العناصر التي يستحق «بولاك» الإشادة عليها اعترافه بأنه ليس هناك ضمانات بأنه حال تولي إدارة ديمقراطية مقاليد السلطة فإنها لن تقترف أية أخطاء في التعامل مع المشكلات المعقدة المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط التي تنطوي على أخطار كبرى وأهمية حيوية في الوقت ذاته. وكتب يقول:«نظراً لضآلة مستوى معلوماتنا عن الشرق الأوسط، فإننا حتماً سنعمل على تجريب أمور لا تنجح»، مشدداً على أنه من المهم تذكر أن الوقوف في حالة لا حراك لا يعد خياراً. وبذلك، استعادت السياسات النشطة والتفاعلية التي انتهجها «بوش» مكانتها المفقودة، رغم تلميحات «بولاك» إلى أنه حال وجد رئيس ديمقراطي فإنه كان سينفذ هذه السياسات بفعالية أكبر.

وعلى امتداد صفحات الكتاب، يثير «بولاك» رغبتنا في الاستمرار في قراءة الكتاب بتكراره الوعود بالكشف عن لب استراتيجيته الكبرى، لكن ذلك لم يحدث قط، فبخلاف تكرار ذكر الأسس التي تقوم عليها «عقيدة بوش»، وهو الأمر الذي قام به «بولاك» بكفاءة تفوق ما فعله أعضاء إدارة «بوش» على مدار السنوات السبع الماضية، لم يعرض «بولاك» سوى عدد ضئيل من الإجراءات الملموسة من اقتراحه هو. ومن بين هذه المقترحات إقرار زيادة بقيمة تتراوح بين 5 و10 مليارات دولار في المساعدات السنوية المقدمة إلى مصر والأردن والمغرب وتونس والسودان والبحرين. إلا أن «بولاك» لم يخبرنا ما هي المشكلات المحددة التي ستساعد هذه الزيادة على حلها. ومن بين المقترحات الأخرى التي يعرضها «بولاك» تعزيز الأسواق الحرة والحكم الرشيد والتعددية والانتخابات الحرة. وفيما وراء ذلك، يقترح «بولاك» تنفيذ برامج لتدريس اللغة الانجليزية ومهارات الحاسب الآلي للشباب العربي وتوفير ضمانات قروض للشركات التجارية الصغيرة. ويقترح أيضاً توزيع المواد الغذائية بين العرب الذين يعانون من الجوع، وإنشاء مراكز رعاية صحية. ومن الواضح أن الفكرة التي تقوم عليها مقترحات «بولاك» أن الأفراد القادرين على التحدث باللغة الانجليزية وتصفح شبكة الانترنت ويتمتعون بصحة جيدة سيكونون أقل ميلاً لقتل الأميركيين.

وفي بعض الأحيان، يبدو «بولاك» منغمساً في أحلام اليقظة، حيث يقول:«لو تمكنا بصورة ما من القضاء على جميع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل الشرق الأوسط المسلم، لكم أن تتخيلوا التأثير الذي سيخلفه ذلك على التهديدات التي نواجهها من قبل الإرهاب السلفي». ويعرب «بولاك» عن اعتقاده بأن المشكلة الكبرى داخل الشرق الأوسط تحمل طابعاً اقتصادياً، وهو ما نختلف معه، ذلك أن المشكلة الكبرى بالمنطقة، والتي تتسم بجانب اقتصادي، تتركز في غياب الحرية السياسية وحكم القانون. وليس بإمكان أي قدر من المساعدات الأميركية، مهما بلغ، حل مشكلات اقتصادية خلقتها أنظمة فاسدة تحرم شعوبها من أن يكون لها كلمتها في إدارة شؤونها.

ويهزأ المؤلف من الآراء القائلة بأن الإسلام كدين غير متوافق مع الديمقراطية، منوهاً بان بعض الدول المسلمة، خاصة ماليزيا وبنجلاديش وتركيا، نجحت جميعها في بناء أنظمة ديمقراطية.