الإسلام والمسلمون.. والمسيحية والمسيحيون.. علاقات متشابكة

TT

كتاب «مسلمون في مواجهة الإسلام.. مسيحيون في مواجهة المسيحية

للدكتور أحمد بسام ساعي هو، كما يقدم له الناشر، «حصيلة خبرة علمية طويلة للمؤلف عاش الجزء الأول منها في الجامعات السورية، والجزء الثاني والأكبر في بريطانيا حيث عايش من خلال عمله الطويل رئيساً لأكاديمية أوكسفورد للدراسات العليا تجارب غنيّة في البحث العلمي وفي نظام الإشراف العربي ـ البريطاني المشترك الذي استنّته الأكاديميّة لطلابها في مختلف العلوم الإنسانية المتعلقة بالشرق الأوسط».

والكتاب محاولة عمليّة لتطبيق لغة خطابٍ موضوعيّةٍ ومعتدلةٍ للبحث العلميّ بين الإسلام والغرب، ينطلق منها المؤلّف لدراسة علاقات الشرق الإسلامي والغرب بشكلٍ عام، والإسلام والمسيحيّة بشكلٍ خاصّ، ويسلّط الضوء على هذه العلاقات، منطلقاً من التنظير لقواعد قراءتنا للآخر، فيدعو إلى ما يسميه «القراءة الفراغية» للنصوص التي تتمّ بـ«استحضار الغائب واستبعاد الحاضر»، فنتخلّص من تأثير الدائرة الثقافية للزمن الحاضر علينا، ونستحضر الدائرة الثقافية الغائبة للنص الذي نقرأه، سواء كان نصا تراثيا أو دينيا، أو نصا ينتمي إلى ثقافة أخرى.

واستناداً إلى هذا المبدأ يسلّط الكتاب الضوء في الباب الثاني على لغة الخطاب للبحث العلمي في الجامعات العربية والغربية، فيدرس كلاّ من الخطاب الإسلامي ـ الإسلامي، والخطاب الإسلاميّ – المسيحيّ، والخطاب الإسلاميّ – الغربيّ.

وينال الباب الثالث الحظّ الأوفر من المؤلّف، فيحلّل، من خلال حديثه عن العلاقات بين المسلمين والغرب، مجموعة من العلاقات أو المواجهات فيما بين النصوص من ناحية، وفيما بينها وبين التطبيق من ناحيةٍ أخرى: كالمواجهة بين المسلم والنصّ الإسلاميّ، وبين المسيحيّ والنصّ المسيحيّ، وكذلك بين كلّ من النصّ الإسلاميّ والمسيحيّ واليهوديّ، ويربط كلّ ذلك بالصورة المشوّهة للإسلام في الأصول الثقافيّة للغرب، وأثر المسلمين أنفسهم، وكذلك أثر الترجمات غير الأمينة للقرآن الكريم، في تكوين هذه الصورة.

وفي هذا الباب يخصّص المؤلف فصلاً للدفاع عن صورة (الإله) الإسلامي الذي ارتبط عند الغرب بالقسوة والتعذيب وجهنّم من دون الرحمة والمغفرة والجنّة، وفصلاً للدفاع عن صورة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكيف أسهمت خلفيات الغرب الثقافية وكتاباته عن الحروب الصليبية في الإساءة إلى هذه الصورة، وكيف كانت ردود الفعل الإسلامية على الأغلب عاطفية وغير موضوعية، بل غير إسلاميّة، كما حدث في موقف الشارع الإسلاميّ من الأزمة الأخيرة للرسوم الكارتونيّة في الدنمارك.

ويناقش في الفصل الرابع من هذا الباب مبدأ الحركيّة والثبات في الإسلام، فيما يبدو كمحاولةً علميّةً للردّ على خطاب البابا بنديكت بألمانيا في سبتمبر 2006 واتهامه للإسلام باللاعقلانيّة والعنف، فيجري المؤلف مقارنة بين اللغة العقليّة في كلّ من القرآن والإنجيل والتوراة. ويرى المؤلّف في الكتب الثلاثة معادلا موضوعياً لكلّ من الحركات الأدبيّة الثلاث التي تغطّي الحقب الثقافيّة للتراث العالمي: الكلاسيّة والرومانسية والواقعية، ويقدّم البراهين العديدة من القرآن والحديث النبوي على واقعيّة الإسلام الذي جاء ليمسك العصا من الوسط، بين كلاسّية اليهودية المفعمة بالقواعد والممنوعات والمحرّمات، وبين رومانسية المسيحية المتسامحة إلى أبعد حدود التسامح والتي تختصر العلاقة بين الإله والإنسان بكلمتها الفريدة (الله المحبّة).

وعلى هذا المنوال نفسه يحلّل في الفصول الأربعة الأخيرة صورة التربية الدينية في النصوص الإسلاميّة والمسيحيّة بين الاعتدال والتطرّف، وكذلك صورة الجهاد بين المناهج والإرهاب، وصورة الإنسان بين الالتزام والحرّية، وصورة المرأة بين تكاملها مع الرجل ومساواتها معه.

ويختتم الكتاب بمحاكمةٍ يجريها القرن الواحد والعشرون لمسلمي القرن العشرين، يعرض فيها المؤلّف فيما أسماه أخطاء الشعوب العربية والإسلاميّة «جنباً إلى جنب مع أخطاء حكوماتهم، وينتهي إلى القول: «إنّ أيّ حديثٍ عن الوفاق الإسلاميّ ـ الغربيّ، أو الحوار بين الشرق والغرب، سيكون لهواً وعبثاً إذا أخفقنا في إقامة هذا الحوار هنا في بيتنا، مبتدئين بالخليّة الصغرى في بنائنا العضويّ: الأسرة، ثمّ ما ينداح حول هذه الخليّة من دوائر اجتماعيّة أوسع: بين الجار وجاره، بين زميل العمل وزميله، بين العامل أو الموظّف ومسؤوله، بين المسلم والمسلم، بين المسلم وغير المسلم، بين المحكوم والحاكم، ثم بين الحاكم والحاكم..».

والدكتور ساعي هو أحد مؤسسي جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا وعضو في مجلسها الاستشاري.