هل أعلنت أميركا الحرب على نفسها؟

جين ماير الصحافية في «نيويوركر» تكتب عن مؤامرة ضد الدستور

TT

* لا يمكن اعتبار كتاب جين ماير كتابا اخلاقيا. إنه تحليل سياسي واستراتيجي، وفيه اهتمام كثير بتأثير حرب الإرهاب

* على المبادئ الأميركية

* صدر أخيراً كتاب «الجانب المظلم: القصة الحقيقية عن كيف تحولت الحرب ضد الإرهاب الى حرب ضد المبادئ الاميركية». لجين ماير، وهي صحافية في مجلة «نيويوركر» الشهرية.

د. اندرو باكيفتش، استاذ تاريخ وعلاقات دولية في جامعة بوسطن، ومن اوائل الذين عارضوا التدخل في العراق، وكتب كتاب «حدود القوة: نهاية التميز الاميركي»، وصف الكتاب الجديد بأنه يؤكد «ان اميركا اعلنت الحرب على نفسها، وخلقت ارخبيلا اميركيا»، وهي اشارة الى رواية «ارخبيل الغولاق» للروائي الروسي سولزنتسين، والذي كشف فيه فساد وظلم وقباحة العهد الشيوعي في روسيا.

لم تسم جين ماير كتابها «مؤامرة»، لكنها قالت ان هناك «مؤامرة»، وركزت عليها، وربما جاء كل الكتاب عنها، بل قالت ان ما حدث لم يكن قانونا ناقشه الكونغرس، وقع عليه الرئيس بوش، لكنه كان «خطة مجموعة سرية صغيرة تريد احتقار الدستور الأميركي».

ليست في الكتاب اسرار جديدة، ولا معلومات مثيرة، ولا تصريحات تهز الارض. لكن صور الكتاب الاحداث، منذ هجمات 11 سبتمبر سنة 2001، في صورة هجمات على المبادئ الاميركية.

من هذه الهجمات: عدم الالتزام بقانون جنيف عن اسرى الحرب، واعتقال اشخاص، منهم مواطنون اميركيون، من دون تقديمهم للمحاكمة. وتعذيب معتقلين، واحتقارهم، والاساءة اليهم، والى ثقافاتهم واديانهم وعقائدهم، وارسال متهمين الى دول اجنبية لتعذيبهم.وقال الكتاب: «سموه تحقيقا متطورا، لكنهم، في الحقيقة، جعلوا التعذيب جزءا من القانون الاميركي».

وخوفا من اتهامها بانها ليبرالية، وانها اعتمدت على مصادر ليبرالية، اعتمدت جين ماير على عسكريين، بعضهم لا يزالون في وظائفهم، وبعضهم تقاعدوا، وعلى مسؤولين في ادارة بوش قالت انهم لم يكونوا جزءا من «المؤامرة».

تقول جين ماير في المقدمة: «عمت الولايات المتحدة موجة من الخوف بعد هجوم 11 سبتمبر. واستغل بعض الناس ذلك لزيادة الخوف، ولخدمة اهداف خاصة بهم».

وركزت على انتقاد سياسات بوش الداخلية اكثر من الخارجية، وعلى خرق حكم القانون الذي قالت انه الاساس الذي بنيت عليه الولايات المتحدة. ولكنها تعود، بين صفحة وأخرى، إلى نظرية المؤامرة. تقول: «في البيت الابيض، خلال ادارة بوش، اتخذت قرارات كثيرة لها صلة بحرب الارهاب بواسطة عدد محدود من المستشارين السياسيين الذين يؤمنون ايمانا قويا بأن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات لا حدود لها». هؤلاء، حسب رأيها، اعتقدوا ان الكونغرس، والمحاكم، والبيروقراطيين، والصحافيين، غير قادرين على نقض قرارات رئيس الجمهورية، خاصة اذا كانت البلاد في حالة حرب، وآمنوا «ان تهديد الوطن يعلو فوق كل شئ». واشارت جين ماير الى «مجلس الحرب»، خاصة الى ثلاثة اشخاص فيه: الاول: ديفيد ادنغتون، كبير موظفي نائب الرئيس شيني (في الأيام القليلة الماضية، تشاجر مع اعضاء في الكونغرس انتقدوه خلال جلسة تحقيق). الثاني: البرتو غونزاليز، مستشار الرئيس بوش في ذلك الوقت، ووزير العدل في وقت سابق (في وقت لاحق استقال بعد ان هدد الكونغرس بعزله). الثالث: جون يو، مساعد وزير العدل، ومستشار الشؤون القانونية في ذلك الوقت (في وقت لاحق استقال أيضاً تحت ضغط الكونغرس).

تجب ملاحظة ان «المؤامرة» التي تحدثت عنها جين ماير ليست هي «المؤامرة الاخرى» التي اشترك فيها مسؤولون ينتمون الى «النيوكون» (المحافظين الجدد)، وأشهرهم ثلاثة:

الاول: بول ولفووتس، الذي كان نائب وزير الدفاع، ثم رئيس البنك الدولى (اجبر على الاستقالة في المرتين).

الثاني: سكوتر ليبي، مستشار نائب الرئيس شيني (في وقت لاحق اجبر على الاستقالة، وحوكم بالسجن، وعفا عنه الرئيس بوش). الثالث: دوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع (في وقت لاحق اجبر على الاستقالة). وقد اثرت يهودية هؤلاء الثلاثة، في تقييم الناس لهم، لأنهم لم يخفوا تأييدهم المتطرف لاسرائيل.

لكن جين ماير تهتم في كتابها الجديد هذا بما أسمته خرق المبادئ الاميركية اكثر من اهتمامها بالجانب الخارجي لحرب الارهاب، سواء في افغانستان او العراق.

ولهذا كتبت: «داخل مجلس الحرب، كان القانون الاميركي عبئا، وكانت نقاشات الكونغرس مجرد كلام، وكانت المحاكم خارج الدائرة».

الخطأ الاساسي والأول في حرب الارهاب، في اعتقاد جين ماير، هو تسميتها «حرب ارهاب». وتنقل عن مساعد سابق لمستشارة الامن القومي في البيت الابيض سابقاً قوله «ان قرار اعتبار هجوم 11 سبتمبر حربا على اميركا، لهذا، يجب الرد عليه بحرب عالمية، لم يضع اعتبارات للنتائج المعقدة، وطويلة المدى، لتسميتها حربا».

وتعلق المؤلفة على ذلك بقولها: لقد غير هذا القرار الاساسي ردود فعلنا الخارجية، وغير تمسكنا بقوانينيا الدستورية الداخلية».

لم تركز جين ماير على الرئيس بوش كثيرا، لكنها ركزت على «مجلس الحرب»، خاصة رئيسه ادنغتون. وقالت ان بوش وافق على اعلان «الحرب» بعد هجوم 11 سبتمبر لاسباب اخرى غير تأييده لها. لأن الحرب تجعله، أولاً، بطلا، وثانيا تعفيه من الالتزام بقوانين الكونغرس. وأخيراً تسهل عليه عدم الالتزام بالتفاصيل القانونية.

لكن، في النهاية، حملت جين ماير الرئيس بوش المسؤولية، وحملته تصديق معلومات استخباراتية كان واضحا انها غير صحيحة.

وقالت: «لم يحدث في تاريخنا الطويل ان فشلت معلومات استخباراتنا كما فشلت هذه المرة. ولم يحدث في تاريخنا الطويل ان ارتكبت مثل هذه الاخطاء ولم يفصل الرئيس مسؤولا واحدا».

لا يمكن اعتبار كتاب جين ماير كتابا اخلاقيا. انه تحليل سياسي واستراتيجي، وفيه اهتمام كثير بتأثير حرب الارهاب في المبادئ الاميركية. لكنها كتبت: « ليست السياسة سياسة فقط، وليست قانونا فقط. السياسة ايضا اخلاق، وحق، وحكمة، وذكاء». ولخصت كتابها بأنه صراع بين ذلك، وبين «قوة رئيس الجمهورية». وطبعا، مالت نحو الرأي الاول الذي يقول ان ما حدث كان خطأ، وإنه كان ظالما، ومظلما.