سفينة المسرح في البحرين: 80 عاماً في البحث عن شاطئ

المسرح في جزيرة المليون نخلة «شاخ» وجمهوره تناهبته الفنون الأخرى

مشهد من أحد العروض المسرحية («الشرق الاوسط»)
TT

أكثر من 80 عاماً ومسرح البحرين يصارع الموج، يتمطى كما الماء فوق كثبان الرمال، ما أن ينتشر حتى تتشربه الأرض وتروي عطشها ويضمحل في داخلها. ثمانون عاماً والمسرح الذي أصبح جزءا من الهوية الثقافية لبلاد النخيل، واحد وسائل التعبير، يفتش له عن مجرد (صالة) للعرض تحتضنه بعد أن تعب من التشرد على قارعة الطرق وفي أجواء المجمعات التجارية، أو لاجئاً على مسارح الفنادق والمؤسسات.

مسرح البحرين الذي مرت فوق جسده كل القضايا والحكايات، أصبح في زمن شيخوخته مجرد حكاية، لأسطورة المبدعين الشباب الذين حملوا هموماً أكبر من قدرتهم على تحملها، وصنعوا مسرحاً يضج بالقضايا لكنه في آخر النهار، وجد نفسه يتيماً لا أحد يلتفت لقضيته.

كل الرموز التاريخية، وكل أساطير التراث المحلي، وكل القضايا القومية والوطنية، وكل سجالات الصراع الطبقي، وأحابيل السياسة والفكر والغواية، مرورا على خشبة عرضٍ بالية، أو فوق رصيفٍ مترع بالذكريات، وجدت لها جواز مرور عبر المسرح البحريني الأكثر أصالة بين المسارح الخليجية. فالمسرح الذي احتضن تجارب اللاهثين خلف التغيير، والساعين نحو إرساء قيم الجمال والتعبير، الذي استوطن الجزيرة البحرينية بحماس قلّ نظيره، جعل الرواد الأوائل يحملون شعلته جيلاً بعد جيل، ما زال يصارع البقاء في عصر هيمنة التلفزيون، حتى غدا (أبو الفنون) مجرد ضيف ثقيل الظل داخل المشهد الثقافي.

ولم يكن هذا الاهتمام بالقضية الاجتماعية محصوراً في المسرح البحريني بالرغم من تميزه فيها، فعلى رأي الدكتور إبراهيم غلوم، أستاذ النقد الحديث وعميد كلية الآداب بجامعة البحرين، فإن المسرح الخليجي احتفى أكثر من غيره بقضية التغيير الاجتماعي، ويقول غلوم في كتابه «المسرح والتغير الاجتماعي في الخليج العربي، دراسة في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الكويت والبحرين»، إنه «لم تحتف حركة مسرحية في الوطن العربي بالتغير الاجتماعي كما احتفت به المسرحية في مجتمع الخليج العربي، لأن المجتمعات العربية الأخرى لم تواجه ظواهر الانقسام والتوتر والصراع والقلق وعدم التوازن التي أوجدها ظهور النفط وانقلاب نمط الإنتاج في فترة وجيزة من الزمن».

المسرح البحريني، الذي بدأ في عشرينات القرن الماضي مدرسياً، تطور سريعاً حين دخلت الأندية في الاربعينات من القرن نفسه على خط احتضان التجربة المسرحية الوليدة. وفي ظل الأندية تمكنت الفرق المسرحية من التفاعل مبكراً مع التحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية في المنطقة والانفتاح على التجارب الشعرية والأدبية في العالم العربي وفي الغرب. وكانت فترة السبعينات الأكثر نشاطاً في حركة المسرح في البحرين، لكن هذه التجربة بدأت بالخمول رغم تسجيلها انتصارات على صعيد الجوائز الخليجية، وتسجيلها حضوراً مميزاً. بدأ ذلك في حقبة الثمانينات التي صعد فيها المسرح التجاري في الخليج، ولم يتمكن المسرح في البحرين من مجاراة حركة التسويق المسرحي التي انطلقت في الكويت، فانكفأ المسرح البحريني وأخذ يخسر رصيده الجماهيري شيئاً فشيئاً ويتحول الى النخبوية.

ويرى مسرحيون بحرينيون، أن تجربتهم بحاجة إلى تجديد شبابها، وإعادة إنتاج طاقاتها الإبداعية، خاصة فيما يتعلق بالخامات الفنية التي تحفل بها، وبالتراث الثقافي الذي تتكئ عليه، وبالصناعة المسرحية التي توطنت فيها. وأول ما ينتظره المسرحيون لتجديد شباب تجربتهم أن تبادر وزارة الإعلام والثقافة بالعمل على تنفيذ وعود حكومية ببناء صالات للمسرح، حيث وعد المسرحيون منذ زمن ببناء خمس صالات تتوزع على المحافظات البحرينية، وتم الحديث عن مشروع تبلغ تكلفته 40 مليون دولار لتشييد مسارح قادرة على استيعاب نحو ألف متفرج لكل مسرح وإمكانات تقنية حديثة، وأعطيت فسحة نهايتها منتصف العام المقبل كموعد نهائي لتنفيذ المشروع الذي يقول مسرحيون بحرينيون إنه ما زال حلماً يداعب خيالهم، ولا شيء على الأرض يوحي بقرب تحقيقه.