إبراهيم بحر: المسرح البحريني يعاني من «التجريب» العشوائي

نائب رئيس اتحاد المسرحيين في البحرين قال إن المسرحيين لم يستوعبوا هامش الحرية

إبراهيم بحر
TT

بعد نحو شهر ونصف الشهر من تأسيس اتحاد المسرحيين في البحرين، يسعى رواد الحركة المسرحية هناك لتفعيل حضورهم في المشهد الثقافي المحلي مستفيدين من حالة الانتعاش التي تمر بها البحرين منذ سنوات. ويرى الفنان المسرحي إبراهيم بحر، نائب رئيس اتحاد المسرحيين في البحرين، أن المسرح في البحرين يعاني من تأثير القنوات الفضائية، وهيمنة الدراما التلفزيونية، وكثرة الأعمال المسرحية الهابطة، التي أثرت كثيرا في ذوق الجمهور النوعي الواعي.

بحر، وهو عضو إداري لمسرح الصواري، وعضو في اللجنة العليا للفرق المسرحية لدول الخليج العربية، وعضو لجنة التحكيم للأعمال المسرحية بالبحرين، شن هجوماً على استفحال ظاهرة (التجريب) في المسرح البحريني، ورأى أن التوجه للأعمال التجريبية أثر تأثيرا مباشرا في ابتعاد الجمهور المسرحي، لأن المتفرج يبحث عن المتعة البصرية. «الشرق الأوسط» التقت بالمسرحي البحريني إبراهيم بحر في المنامة لتسليط الضوء حول تجربة المسرح في البحرين.

> يتحدث البحرينيون عن ريادة مسرحية مبكرة.. وعن حضور لافت في المهرجانات العربية، أين تقف التجربة المسرحية الآن؟.

- المسرح في البحرين يعاني مثلما تعاني الحركة المسرحية عامة في الخليج العربي وطبعا هناك مؤثرات كثيرة منها، تأثير القنوات الفضائية، وهيمنة الدراما التلفزيونية، وكثرة الأعمال المسرحية الهابطة، التي أثرت كثيرا في ذوق الجمهور النوعي الواعي.

يضاف الى هذه المعاناة، الضغوط النفسية وانشغال الجمهور بالبحث عن لقمة العيش، مما يدفعه للبحث عن الكوميديا تحديداً دون غيرها من العروض المسرحية. إضافة إلى عناصر الدعاية والإعلان التي أصبحت باهظة التكاليف، وبالتالي انحسر التواصل مع الجمهور، كما أن التوجه للأعمال التجريبية أثر تأثيرا مباشرا في ابتعاد الجمهور المسرحي، لأن المتفرج يبحث عن المتعة البصرية وان تكون الأعمال مفهومة وسهلة لكي يستطيع المتابعة، لأن المتفرج لا يريد أن يفكر ويناقش ما يطرحه العمل المسرحي، ولكنه يبحث عن الفكرة المفهومة السهلة التي تقدم بشكل فني ممتع ومسل.

> كيف تقيم الوعي المسرحي في البحرين؟

- هناك فجوة كبيرة بين الفنان المسرحي والجمهور، والمسؤول عنها هو الفنان نفسه. وهذه الفجوة بدأت في الظهور مع بداية المهرجانات المسرحية التجريبية، حيث إن الفنان يعمل لكي يشارك في تلك المهرجانات ونسي أن الجمهور بمختلف طبقاته وفئاته ومستوياته لا يبحث عن التجريب حاليا، خصوصا أن بعض الفنانين المسرحيين لا يعون ما هو التجريب وكيفية الوصول إليه.

> كيف أصبح المسرح البحريني الذي كان في السبعينات ضمير العامة، مجرد استعراضات نخبوية لا تستهوي سوى قلة من الجمهور؟

- لقد انحسر حضور الجمهور بسبب ضعف تأثير المهرجانات المسرحية، وعدم التفكير في إيجاد مواسم مسرحية موجهة للجمهور، وهذا كله جعل حضور الجمهور محدوداً بل ربما لا يتجاوز حضوره للعروض أكثر من ثلاث ليال وبأعداد قليلة جداً.

> هل يعاني المسرح البحريني من انعدام المنهجية التي تكفل له الاستمرار والتطور في ظل المستجدات الفكرية والتقنية؟

- ليست هناك منهجية واضحة لدى أغلب المشتغلين في المسرح البحريني، فهم غالباً مقلدون تقليداً عشوائيا لبعض رموز المسرح البحريني، خصوصا التجريبيين، وهذا ما يشكل كارثة مسرحية يجب الالتفات لها لأنها بالفعل قد استفحلت.

> إلى أي حد يعاني المسرح في البحرين من انعدام هامش الحرية؟

- نحن ننعم بهامش كبير من الحرية، ولكن المسرحيين إلى هذه اللحظة لم يستوعبوا النقلة التي تعيشها البحرين في ظل المشروع الإصلاحي، فليست هناك خطوط حمراء في ظل الديمقراطية، لكن يبدو أن الفنان المسرحي لا يزال يعيش ما قبل الديمقراطية، فالرقابة الذاتية التي عاش في ظلها فترة زمنية طويلة.

> هل أثر تراجع حركة النقد في تطور هذه التجربة؟

- شهدت فترة الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات العصر الذهبي للحركة المسرحية البحرينية، وكان الجمهور يسأل دائما عن مخرج العرض المسرحي وليس عن الممثلين، وكان الجمهور واعيا، وفي تلك الفترة كان هناك مسرحان فقط هما: (فرقة مسرح أوال)، و(فرقة مسرح الجزيرة)، وكان لكل فرقة جمهورها الخاص ونقادها، ومما لا شك فيه أن الحركة النقدية أثرت في تطور التجربة المسرحية، لكن في الوقت الحالي لم يعد هناك نقاد بل آراء وانطباعات خجولة، لا تكاد تفصح عن نفسها، ربما لأن معظم العروض المسرحية أصبحت تندرج تحت مسمى التجريب.

> هل أنتم في الاتحاد معنيون بالتصدي للمسرح التجاري؟

- نحن في اتحاد المسرحيين في البحرين معنيون بمحاولة تطوير الأعمال المسرحية التي تقدم من خلال الفرق المسرحية التي تعمل تحت مظلة قطاع الثقافة، من خلال إقامة ورش مسرحية تسهم في تطوير الممثل والمخرج والتقني، كذلك نحاول عمل مهرجان مسرحي داخلي تحت مسمى (أيام البحرين المسرحية) بالتعاون وبإشراف قطاع الثقافة وبمشاركة جميع الفرق المسرحية، ولا بد أن تكون له شروط ومعايير محددة تسهم في إرجاع الجمهور وإعادة ثقته بالأعمال المسرحية البحرينية.. أما المسارح التجارية خاصة القادمة من الخارج، فلا بد للاتحاد أن يكون رقيبا على نصوصها ويفضل أن يكون العرض مصورا لكي يسهم في رفع الذوق العام للمتفرج ويرفع من قيمة الأعمال المسرحية التي تصل من الخارج، لأنه من صميم أهداف الاتحاد.

> هل أصبح الحافز الذي يدفع المسرحي للعمل رغم المعاناة مفقوداً، بحيث يسأل المسرحيون اليوم كم يمكن أن نكسب من هذا العرض أو ذاك؟

- الأعمال المسرحية التي تقدم حاليا على خشبة المسرح البحريني كلها من إنتاج الفرق المسرحية الأهلية والمدعومة من قطاع الثقافة، وكل تلك الأعمال يقوم بها المخرجون والممثلون تطوعا خدمة لمسرحهم الذي ينتمون إليه وكلها تقدم للجمهور بالمجان، ولا توجد هناك عروض تجارية إلا في المناسبات كالأعياد فقط.

> حالياً وفي ظل السينما، ماذا يمثل المسرح للمواطن البحريني؟

- هناك نزوح كبير، خصوصا للعنصر النسائي للإنتاج التلفزيوني الى خارج البحرين. أما الإنتاج التلفزيوني المحلي فهو نادر جدا - وكما تعلمون - لموسم رمضان فقط، وبمستوى عمل واحد فقط.

> كيف تقيم وضع الفرق المسرحية الأهلية؟ وهل تحظى بدعم المؤسسات الرسمية؟

- الفرق المسرحية الأهلية لها دعم سنوي من قطاع الثقافة، ونحن كاتحاد مسرحيين نقوم بمحاولة رفع ذلك الدعم وهناك استجابة مبدئية حاليا نتمنى أن تتحقق لكي تستطيع الفرق المسرحية أن تبحث عن نصوص جادة وجماهيرية.

> في أكثر من مناسبة بدا أن شقة الخلاف بين الفرق المسرحية البحرينية عصية على الترقيع، ترى ما أصل هذه الخلافات؟

- كل الفرق المسرحية متعاونة ومتحابة ونعمل دائما مع بعض، سواء من خلال مهرجان (أوال) المسرحي أو مهرجان (الصواري)، ما عدا فرقة واحدة نتمنى وبجهود اتحاد المسرحيين الوليد أن تعود إلى صفوف الحركة المسرحية، والاتحاد سوف يقوم بتذليل كل العقبات لتلك الفرقة التي طبعت في ذاكرة المسرح البحريني بأعمالها المتميزة.

> هل تتواصل التجربة المسرحية البحرينية مع شقيقاتها الخليجيات؟ وهل لها تماس بالحركة المسرحية في العالم العربي والعالم؟

- الفرق المسرحية، خصوصا (أوال) و(الجزيرة) و(الصواري) لها علاقات متميزة بالفرق المسرحية الخليجية، بل ان هناك اتفاقيات تعاون مشترك (توأمة) مع بعض الفرق الخليجية، كما تشارك هذه الفرق أيضا في المهرجانات الخليجية، ومهرجان المسرح التجريبي، وكذلك المهرجانات الخاصة سواء في الأردن أو المغرب أو غيرها.

> الذهاب الى الشارع.. المجمعات.. الغرف الضيقة.. ماذا أضاف للتجربة البحرينية؟، هل هي تعبير عن الاحتجاج أم خيار جمالي؟

- لعدم وجود صالة عرض مسرحي متاحة للفرق المسرحية توجه المسرحيون للأماكن الضيقة، مثل المسارح، والمجمعات التجارية، والمقاهي، والجمعيات ذات النفع العام، ويتم تقديم عروض تقتصر بطبيعة الحال على أعداد قليلة من الممثلين، لعدم توفر مكان للعرض المسرحي، خصوصا أن هناك شروطاً صعبة جدا لحجز الصالة الثقافية الوحيدة بالبحرين ومن ضمنها أن لا تحجز هذه الصالة لأكثر من أسبوع واحد وأن تكون العروض مجانية.. ويسعى الاتحاد لإلغاء تلك الشروط.

> بلد المليون نخلة ما زال أهله يتحدثون عن غياب صالات العرض، قرار من هذا؟

- نسمع من الكثير من المسؤولين تصريحات بإنشاء صالة عرض وهناك من المسؤولين من يقول إن ثمة مخططا جاهزا لإنشاء صالة عرض مسرحي لكل محافظة ولا شيء غير الحلم يجعلنا ننتظر.

> ما تأثير السياسة على اتجاهات المسرح بالبحرين.. وهل صحيح ان الفرق توازعتها اهواء سياسية معينة؟.

- الفرق المسرحية بعيدة كل البعد عن الجمعيات السياسية أو الاتجاهات السياسية الأخرى.

* المسرحي عبد الله ملك: المسرح تراجع والمسرحيون أغرقوا في التجريب

* المسرحي البحريني الفنان، عبد الله ملك، قال لـ «الشرق الأوسط»، أشعر أن هناك فجوة كبيرة بين الجمهور والمسرح، هذه الفجوة هي نتيجة تراكمات أصابت الفنان بسبب الإحباط وعدم الدعم عبر السنين، والجمهور في البحرين يلجأ إلى دور العرض السينمائي بعد أن أصبحت إمكانات العرض المسرحي معدومة. الفنان والمخرج المسرحي عبد الله ملك، ترأس مسرح (أوال) أبرز المسارح الأهلية في البحرين، وهو حاصل على بكالوريوس تمثيل وإخراج مسرحي من المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت عام 1981، اخرج العديد من الأعمال المسرحية، بالإضافة للعديد من المسلسلات الإذاعية والبرامج التلفزيونية، وعمل اختصاصيا مسرحيا بوزارة التربية والتعليم بالبحرين. وفي رده على سؤال حول افتقاد الحركة المسرحية في البحرين للقضية التي تناضل من أجلها، بعد أن كانت ناشطة خلال السبعينات، قال ملك، إن حقبة السبعينات كانت فيها الحركة المسرحية البحرينية في أوج عطائها. وكانت العروض تهتم كثيراً بالشأن الاجتماعي الذي لا يخلو من الموضوع السياسي، وكان معظم كتاب النصوص من الخبرات البحرينية، وقد تراجعت هذه التجربة في حقبة الثمانينات وأندفع الوعي السياسي والثقافي للخلف مع محاولة نقل التجارب المسرحية الخليجية، فخسرنا عدداً من الجمهور. وقال ملك، إن الاسراف في نقل التجارب الأكاديمية، خاصة تطبيق المسرح التجريبي في التسعينات، أحدث انفصاماً في التجربة المسرحية، أدت إلى التقيد بالشكل التجريبي دون المضمون مما وسع الفجوة مع الجمهور المسرحي، هذا الانفصام جعل من المفارقة الإغراق في الرمزية والتجريب على حساب المضمون والمحتوى.

ويقول ملك، في الوقت الحاضر نحاول تجميع شتات الحركة المسرحية، بين الشعبي، والتجريبي، والرمزي، ولكن غالباً فإن المهتمين بالمسرح أصبحوا يقدمون عروضاً لأنفسهم وليس لإمتاع الجمهور، فأصبحت العروض نخبوية.