رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون: نوظف الخبرات ليس بسبب انتمائها إلى الغرب أو الشرق وإنما لكفاءتها

الشيخ ماجد بن محمد لـ «الشرق الأوسط»: دبي ستضع بصمتها على الخريطة الثقافية للعالم

الشيخ ماجد بن محمد (الشرق الأوسط)
TT

لا يرضى أهل دبي بأن يبقى تطور مدينتهم مرتبطا فقط بالأبراج الشاهقة والمشاريع العقارية الضخمة والجزر العملاقة. أرادوا أن يعرف العالم أن هناك، بالإضافة إلى التطور العمراني، ثقافة وتراثاً وفنوناً وأبوابا أخرى غير مفتوحة في تاريخ دبي. في السنوات الأخيرة، وبعد أن أصبحت وجهة سياحية اقتصادية، التفتت دبي لتلتقط خيط ما يمكن تسميته إصلاحات ثقافية، فتوالى اهتمام العاصمة الاقتصادية للامارات العربية المتحدة بالثقافة وفنونها المتعددة. وتوجت دبي توجهها الثقافي بإعلانها تأسيس هيئة دبي للثقافة والفنون، وعين حاكم الامارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ابنه الشيخ ماجد رئيسا لهذه الهيئة، في دلالة على الرغبة في التركيز على الوجه الثقافي لدبي.

«الشرق الأوسط» التقت مع الشيخ ماجد بن محمد آل مكتوم، رئيس هيئة الثقافة والفنون في دبي، الذي قال إن مشروع خور دبي، ليس منافسا لجزيرة السعديات الثقافية في أبوظبي، «فالمنافسة كلمة لا وجود لها حين يتعلق الأمر بالثقافة والفنون». وتحدث كذلك في الحوار معه عن استقطاب الهيئة الثقافية لخبرات من الجنسيات الغربية، مشيراً الى أن استراتيجية الهيئة واضحة وتكمن في وضع دبي على الخريطة الثقافية والفنية العالمية، وان توظف الخبرات ليس بسبب انتمائها إلى الغرب أو الشرق وإنما بحسب قدرتها على تقديم الأفضل. هنا نص الحوار:

> بداية، نريد أن نعرف شيئاً عن الإستراتيجية الثقافية التي تسيرون عليها؟

ـ لقد تم تأسيس هيئة دبي للثقافة والفنون بهدف توفير تنسيق وتحفيز النهضة الثقافية لدبي في القرن الواحد والعشرين. وقد نجحت الإمارة بالفعل في العديد من القطاعات مما أكسبها سمعة مرموقة في المحافل الدولية. وتسعى الهيئة إلى ترسيخ مكانة متميزة لدبي بصفتها مقراً رائداً ووجهة عالمية رئيسية للثقافة والفنون.

وتقضي استراتيجية الهيئة بتنفيذ أهدافها من خلال الاستفادة من النمو الثقافي الطبيعي والمتزامن مع النمو المطرد للمبادرات الثقافية والفنية الدولية والإقليمية الرامية إلى تلبية الحاجة الملحة للثقافة والفنون في مجتمعنا.

ويأتي إطلاق هيئة دبي للثقافة والفنون في إطار خطة دبي الاستراتيجية 2015 التي وضع خطوطها العريضة الوالد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تهدف إلى وضع دبي على الخريطة الثقافية والفنية والتراثية العالمية، ودعم القطاع الثقافي والفني الذي يمثل محوراً أساسياً في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، كما تهدف الهيئة إلى تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي يساهم في تشكيل وتطوير المناخ الثقافي والفني والتراثي في المنطقة والعالم، والعمل على دعم النهضة الثقافية والفنية وتفعيل الحراك الثقافي والفني في دبي، وتطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والفنون.

> لكن ما الذي تطمحون للوصول إليه ثقافياً؟

ـ تعمل الهيئة على مسارات عدة بشكل متوازٍ، بما في ذلك إقامة بنية تحتية فنية وثقافية عالمية المستوى، وتطوير وتنفيذ البرامج الثقافية البارزة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك دعم المواهب الوطنية الناشئة، بالإضافة إلى جذب كبار الفنانين العالميين وتصدير ثقافة وفنون دبي إلى المحافل العالمية، والأكثر أهميةً هو دمج الأنشطة الثقافية والفنية في الحياة اليومية لدبي.

ولقد بدأنا حملتنا في دبي بإطلاق متحف الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذلك في أعقاب إطلاق كل من مشروع خور دبي الثقافي ومشروع المتاحف العالمية الذي يمثل شراكة مع ثلاثة من كبار المتاحف الألمانية. وفي الآونة الأخيرة أقامت الهيئة معرضاً بعنوان «دبي قادمة» وذلك ضمن معرض الفن بمدينة بازل الألمانية.

وعلاوة على ذلك، فإننا سنعزز أهداف وأنشطة الهيئات والمنظمات القائمة بالفعل والتي تعمل من أجل تحقيق نفس الهدف، ولن ندخر جهداً من أجل توفير قيمة إضافية لأنشطتها وتقديم الدعم لتحقيق أهدافها.

> بعد إنشاء هيئة دبي للثقافة والفنون كهيئة عامة، ووجود قيادات غربية في إدارتها، والإعلان عن خطة دبي الإستراتيجية 2015 التي تهدف إلى وضع دبي على الخريطة الثقافية العالمية، ما هي ملامح الإستراتيجية التي خططتم وتخططون لها، وما هي وسائل دعم القطاع الثقافي.. هل ستصبح هذه الهيئة إطارا جديدا لعولمة الثقافة؟

ـ استراتيجيتنا واضحة وتكمن في وضع دبي على الخريطة الثقافية والفنية العالمية. ونحن نوظف الخبرات ليس بسبب انتمائها إلى الغرب أو الشرق وإنما بحسب قدرتها على تقديم الأفضل. فقد تعلمنا من الوالد الشيخ محمد بن راشد أن يجري تقييم العمل وفقاً لمستوى الأداء والتميز، وربما تعد ثقافة التميز هذه إحدى أهم أسباب المكانة الرفيعة التي تتمتع بها دبي على الخريطة العالمية الآن. وبدون شك سوف تستفيد الهيئة من الخبرات الغنية لأعضاء مجلس الإدارة بما يعزز مستوى الأداء ويسهم في اختصار الوقت لتحقيق الأهداف المنشودة.

> هنا يمكن القول أنكم تسعون لتشكيل هوية ثقافية لدبي. ما هي هذه الهوية التي تودون الوصول إليها؟

ـ تتمثل إحدى مهام هيئة دبي للثقافة والفنون في تسليط الضوء على الجوانب الثقافية والفنية القائمة بالفعل في دبي. فدبي تتسم بالثراء الثقافي والفني. وهذا هو السبب في أننا نؤكد باستمرار على أن أهم دور من أدوار الهيئة هو التأكيد على الثقافة القائمة بالفعل. فدبي هي إحدى أكثر مدن العالم من حيث تعدد الثقافات وهى مدينة عالمية وموطن لأكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وتحتوي على ما يقارب الـ 200 جنسية قدموا إليها من جميع قارات العالم. وعلاوة على ذلك، فإن الملايين من السياح يزوروننا سنوياً. وستعمل الهيئة على التأكيد على هذه الهوية مع ضمان أن تدعم نموها المستمر. إن دبي مدينة عالمية، ولهذا السبب فإن تطورها، بطبيعة الحال، يستقطب الاهتمام في جميع أرجاء العالم.

> برأيكم هل ثمة سمات لـ«الثقافة العالمية»؟ ما هي هذه الثقافة، وكيف تنسجم مع الخصوصية المحلية؟

ـ تلك مسألة معقدة للغاية. وباختصار، فإن الثقافة والفنون ليست مادة جامدة أو صلبة. وليس بالضرورة أن يكون لها حدود وملامح صارمة، ولكن هناك مميزات يمكن التعرف عليها تمثل الخصوصية لكل ثقافة وفن وهناك أيضا خصائص عالمية لجميع الثقافات. فالفن على سبيل المثال هو شيء يجمع الخصوصيات معاً ويتيح للجمهور اختبار واقع مختلف. ونحن لا نعتبر ذلك اندماجاً في الهوية الوطنية، بل نراه وسيلة تسمح للناس بالتواصل عبر وسيلة تتجاوز اللغة بما يعزز الهوية الوطنية.

> لمن يتجه النشاط الثقافي في دبي، خاصة أن السكان الإماراتيين لا يزيدون على 15 بالمائة.. ألا تخشون أن يجري (تعويم) الثقافة أو (عولمتها)؟

ـ دبي مدينة إماراتية الهوية وستبقى كذلك، والعولمة بالأساس هي وصف للانفتاح الاقتصادي والتكامل مع اقتصاديات العالم. ودبي منذ مئات السنين منفتحة على العالم وبالتالي لا يوجد مكان للخشية لدى الفكر الإماراتي، فلو خشينا من العولمة لكنا ظللنا قرية صغيرة على ضفاف خليج كبير. وعلاوة على ذلك، فقد كرست هيئة دبي للثقافة والفنون موارد ضخمة لضمان بقاء ونمو التراث الإماراتي. وهناك العديد من البرامج التي سيتم الإعلان عنها قريباً، فعلى سبيل المثال، قام عدد من فنانينا الموهوبين في يونيو 2008 بعرض أعمالهم أمام جمهور دولي في معرض الفن في بازل.

> هل يمكن القول ان دبي تقود مشروع (حداثة) على الصعيد الثقافي في الخليج؟

ـ دبي ستعمل ضمن مشروع ثقافي وفني واضح المعالم ليس لي أن أطلق عليه أي صفة محددة سواء الحداثة أو غير ذلك. سيكون هذا إن شاء الله منوطاً بالأجيال القادمة.

> بصراحة.. هل يتقبل المواطنون الإماراتيون هذه الجرعة من المشاريع والأنشطة الثقافية؟

ـ نعم، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الهيئة قد تأسست بمرسوم أصدره الوالد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فرؤيته واضحة جداً بالنسبة لدبي، ونحن نعتقد أن سكان الإمارات سيرحبون بأذرع مفتوحة بالازدهار الثقافي والفني في دبي.

وفي غضون ذلك، فإن دبي تحتفظ دائماً بتراثها وتقاليدها الوطنية في كل نشاط تقوم به ولن يكون هناك شيء مختلف في هذا الصدد. فهيئة دبي للثقافة والفنون تستخدم الفنون لخلق التناغم بين مختلف الثقافات في دبي ولتعزيز الهوية الثقافية الفريدة لجميع المقيمين على أرضها عبر تفعيل الحوار والتفاهم بين الثقافات، فضلاً عن إشراك كل الثقافات من الخارج والداخل.

> ما سر هذا النجاح في دبي، خاصة أن المسؤولين عن الأنشطة الثقافية في بلدان أخرى يتخوفون، أو يتعللون بالخوف، من ما يسمونه صدمة الجمهور؟

ـ لا صدمة في الثقافة أو الفنون، فالثقافة هي شيء ملازم لكل واحد منا، سواء كنا عرباً أو لا. واستخدام الثقافة لإبداع الفن يعد فرصة كبيرة بالنسبة لنا، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار أننا نتمتع بمكانة فريدة كبلد عربي يفتخر بوجود مثل هذا الزخم الثقافي والفني الثري على أراضيه.

> هل ما تقومون به هو جزء من صورة المدينة الاقتصادية، بمعنى: هل تمثل الثقافة جانبا من الاستثمار التجاري، أو هي جزء من تجميل الصورة لمدينة اقتصادية؟

ـ لا هذا ولا ذاك. الثقافة والفنون هي تعبير عن حضارة هذا البلد، فأي مدينة عالمية تتسم بعدة أوجه، والثقافة جزء لا يتجزأ منها. ولكي تصبح دبي مدينة عالمية فهي بحاجة لزيادة معروضها الثقافي والفني. وفي هذه الأثناء، فإن الفنون، لا سيما الفنون الجميلة، توفر فرصاً واعدة لأصحاب المشاريع التجارية للاستثمار فيها بحكمة.

> أواخر مارس 2008 أعلن عن مشروع خور دبي كأحد روافد التنمية الثقافية، ما هو الحجم الكامل لهذا المشروع ومتى يستكمل، وماذا يستهدف، وما هي الرؤية من إقامته؟

ـ في نهاية مارس 2008 تم الإعلان عن مشروع خور دبي باعتباره أحد المشاريع الرائدة لنشر الثقافة والفنون في دبي. ويشمل المشروع دار الأوبرا، وأكثر من 10 متاحف و14 مسرحاً و11 مركزاً للمعارض، و9 مكتبات عامة، و72 مشروعاً ثقافياً أيقونياً.

لقد أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مشروع خور دبي الثقافي الذي يهدف إلى أن تكون دبي مركزاً ثقافياً وفنياً عالمياً وجعل دولة الإمارات ملتقى عالمياً للحوار الثقافي. ويعكس إطلاق مشروع خور دبي رؤية الخطة الاستراتيجية لدبي عام 2015، فمشروع خور دبي الممتد على طول 27 كيلومتراً، بدءاً من الشندغه أقدم أحياء دبي عند مصب الخور وصولاً إلى الخليج التجاري، أحدث الضواحي التجارية فى دبي، سيحتل وسط الخور ليكون قلب المدينة النابض بالثقافة والفنون. ونتطلع أن يصبح خور دبي أضخم مقصد ثقافي وفني في العالم جنباً إلى جنب مع أكبر المراكز المالية والتجارية الدولية.

وسيمثل هذا المشروع احتفاءًً بالتنوع وتعدد الثقافات الذي يجعل من دبي إحدى المدن الفريدة من نوعها بين المدن العالمية. وسيضم خور دبي تاريخ وتقاليد دبي الغنية والعريقة، وحاضرها القوى ومستقبلها المشرق. وسيضم المشروع الجوهر الحقيقي لساحة دبي الثقافية والفنية.

> بصراحة مرة أخرى.. هناك من يتحدث عن سعى دبي لمنافسة جزيرة السعديات الثقافية في أبو ظبي؟

ـ المنافسة كلمة لا وجود لها حين يتعلق الأمر بالثقافة والفنون. فالثقافة مزيج من الأفكار والرؤى والمعاني المختلفة. ولن يسفر الحد من التطلعات الثقافية لأي جهة سوى عن إنتاج كيان تجاري فحسب من دون أن تكون له صبغة وطنية. ونحن نأمل أن تصبح دولة الإمارات أهم مركز ثقافي وفني في المنطقة. وننظر إلى أي نشاط فني أو ثقافي تقوم به أي من إمارات الدولة على أنه يثري الحركة الثقافية في عموم أنحاء الوطن.

> ـ أخيرا.. هل تتواصل الأنشطة الثقافية في دبي مع مثيلاتها في الإمارات الأخرى وبقية دول الخليج؟

ـ نعم فنحن نتواصل مع مختلف الجهات المعنية في الوقت الحاضر وسنواصل القيام بذلك. أما على الصعيد العالمي، فإن المنظمات الثقافية والمتاحف ومراكز الفنون والمدارس تتعاون معنا في مشاريع مختلفة لإثراء ما تقدمه كل منها. ونأمل أن تتراكم لدينا الدراية الفنية والمعلومات والثروات الثقافية كي نتمكن من ضمان تلبية حاجة كل مواطن إماراتي وكافة سكان دبي على حد سواء.