لماذا أخفق المثقفون في قيادة مؤسساتهم؟

المؤسسات الثقافية السعودية بعد عامين من تغيير هيكلتها

جانب من جمهور إحدى الأمسيات الثقافية («الشرق الاوسط»)
TT

على مدى سنوات، كان قسم كبير من المثقفين السعوديين يكيل الاتهام للمؤسسات الثقافية خاصة الأندية الأدبية بأنها تدار بعقلية (نمطية) عفا عليها الزمان، وأنها لا تستجيب لحاجات المجتمع وتطلعات نخبه المثقفة، وغير فاعلة في تجديد آلياتها الثقافية، أو فتح الأبواب لمزيد من الطاقات الإبداعية الشبابية والنسائية. لكن، منذ سنتين، قامت وزارة الثقافة والإعلام في السعودية برمي الكرة في ملعب المثقفين، وإعادة هيكلة الأندية الأدبية وبعض المؤسسات الثقافية، واستحدثت جمعيات وهيئات ثقافية، وأعطت للمثقفين من خليط متنوع، فرصة قيادة العمل الثقافي في البلاد. ولكن النتيجة كانت، لحد الآن، محدودة وقليلة التأثير.

وكانت تصريحات نسبت لوكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز السبيل اتهم فيها بعض المثقفين بالفشل في تحمل مسؤولية ادارة مؤسساتهم الثقافية، وعدم نجاح بعض المثقفين في إدارة الأندية الأدبية، معتبراً أن هناك «العديد لديهم إمكانات ثقافية وأدبية لكـنهم يفتقدون إلى الإمكانات الإدارية». ويوجد في السعودية 16 نادياً أدبياً، وبحسب اللائحة الخاصة بالاندية، فإن مجلس الإدارة في الأندية، خلال الدورة الأولى ومدتها 4 سنوات، «يتكون من عشرة أعضاء، يكون تعيينهم عن طريق التشاور مع الجهات المختصة، من امارة المنطقة والتربية وجهات عدة، ويكون الـــرأي الأول والأخير لوزارة الثقافة». التحقيق التالي يناقش، فعالية التغييرات الثقافية، وإنجازاتها وتقييم المثقفين لأداء هذه المؤسسات بعد عامين من اعادة تشكيلها.

* المحيميد: جيل خبت جذوته!

* ويشير المحيميد إلى أن المؤسسة الثقافية تحولت إلى مؤسسة رقابية على المنتج الثقافي والأدبي خصوصاً، ويضيف:«إن هذا المأزق الرقابي في النشر الذي قسم أعضاء مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي مثلاً إلى قسمين، هو اختبار حقيقي لكل فريق تجاه الشعور بالمسؤولية، فهناك فريق يقوم بدور رقابي وظيفي نمطي، وفريق يضطر إلى ضرورة حماية حق التعبير والكتابة، هكذا كان علي أن أتوقف في الحلم والطموح. أعرف أن هناك من يقول يجب العمل ضمن حدود المتاح، لكن علينا أيضاً ألا نتوقف عن محاولة غير المتاح، ومشاغبته أحيانا».

وعن دور المؤسسة في تحريك المشهد الثقافي، يقول:«إن نادياً، كنادي حائل الأدبي، حاول أن يحفز على النقاشات الجادة، مما جعله في عين العاصفة، لكن تمت محاصرة تلك المحاولات من قبل تيارات متشددة.

ويعتقد المحيميد أن المشهد الثقافي أصبح أكثر حيوية وديناميكية بعد التشكيلات الجديدة، والدليل على ذلك، أن وسائل الإعلام لا تكف عن الكتابة عن أخبار وأنشطة الأندية، وانتقادها من جانب آخر، وهذا يعني أنها موجودة وفاعلة، خلافاً لما كان في السابق.

* عيد الخميسي : تغيير في الوجوه!

* أما الشاعر عيد الخميسي فيقول:«في اعتقادي ان التغييرات رغم أهميتها إلا أنها لم تمس جوهر الفعل الثقافي وجوهر إدارته وصناعته، فما حدث هو تغييرات في الوجوه الإدارية التي تعمل بالأندية والجمعيات، مع بقاء معظم ظروف الفعل ذاتها دون تغيير. كنا نتوقع أن تغيير الإدارات سيكون جزءاً من استراتيجية جديدة تنظر بها وزارة الثقافة والإعلام لدورها ولدور هذه المؤسسات، غير أن ما حدث بعد ذلك أكد أن تغيير الإدارات كان كل هذه الاستراتيجية التي تقترحها الوزارة».

وعن ما إذا كانت هذه المؤسسات قد أثرت المشهد الثقافي، يقول الخميسي:«إن الذي حدث حسب وجهة نظري هو اجتهادات من إدارات هذه الأندية والمؤسسات (بعضها لا يزال دون مقر)، وهذه الاجتهادات لا تزال تصدر نتيجة لتوافقات مجلس الإدارة (المعين) وصراعاته وتوافقاته، وبالتالي فيمكننا القول إننا لا نزال ننتظر تبنياً حقيقياً لصناعة الثقافة في وطننا توازي ما يتوفر من إمكانات وقدرات، توازي ما يتوفر حولنا في العالم، وفي أكثر من بلد عربي، كهيئة وطنية للكتاب بإمكانات تتناسب مع ما يتمتع به الوطن من أهمية وقدرة وحجم».

* المليحان: هناك انجازات

* لكن رئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي، جبير المليحان يعتقد أن المؤسسات الثقافية بشكل عام وعلى رأسها الأندية الأدبية قد استقطبت بعد التغيير فئتين مهمتين في المجتمع، كانتا تعانيان من الإقصاء والتهميش، وهما فئة الشباب والنساء ؛ فقد فتحت الأبواب كاملة أمامهما الآن للمشاركة الأدبية والثقافية الفاعلة. ويقول المليحان:«إن أغلب الأندية الأدبية يتحرك الآن بأفق ثقافي ومعرفي أوسع قياساً بالفترة السابقة. فتجد أن هناك نوادي تهتم بالمسرح، والسينما، وأخرى بنقاشات وندوات حول حقوق الإنسان، والحوار وتعدد الآراء، وثقافة الطفل، ومساهمة المرأة السعودية في مسيرة التنمية وغيرها من المناشط التي لا تركز على نوع معين من المثقفين أو شريحة من شرائح المجتمع المختلفة».

ويرى المليحان أن البداية طيبة وذلك بعد مرور عامين على التشكيلات الجديدة للأندية الأدبية، التي يمكن أن تتسع لتضم فئات أخرى من المجتمع، وتقترح موضوعات حوارية تؤصل مبدأ تعدد الآراء واختلافها مما يعكس ـ بشكل أكبر ـ ما يدور في المجتمع السعودي من مخاضات، وحوارات تتعلق بالقضايا الفكرية والأدبية والثقافية». ويعتقد المليحان أن دفع الواقع الثقافي والمعرفي والأدبي، وتطويره إلى آفاق أرحب ليس مقصورا على وزارة الثقافة والإعلام التي، كما يقول، قامت بدورها كاملا في التغيير، والدعم والمساندة الكبيرة لإدارات الأندية الأدبية. فثمة جهات أساسية يحدد موقفها مدى هذا الدفع والتطوير ويقول:«خذ ـ مثلا ـ وزارة المالية.. هل تمنح هذه الوزارة الشأن الثقافي ما يستحقه من إمكانات مادية مناسبة للأندية الأدبية، ومن بنية أساسية لمشروع وطني متكامل للثقافة والمعرفة»؟

ووزارة التخطيط أيضا.. هل تضع بالاعتبار في خططها التنموية الخمسية ما يطمح إليه الكثيرون من المثقفين على مستوى المملكة؟

* القحطاني: الخروج من إلاطار الأدبي إلى الثقافي

* أما الدكتور عبد المحسن القحطاني رئيس نادي جدة الأدبي، فيقول:«نحن نؤدي واجبنا في إشاعة الوعي الثقافي. فحين نعرض فيلماً أو مسرحية فإنه يعقبهما دراسة علمية، فالنادي لا يقدم هذه الأعمال للتسلية فقط، وإنما لإبراز مكامن الجودة، وموطئ السلبيات، إضافة إلى أن النادي يستقطب بذلك فئات جديدة في المجتمع كانت الأندية الأدبية غير معنية بها. والاهتمام بهذه الأشكال الثقافية والمعرفية والفنية لم يأت على حساب الجماعات الأخرى، إضافة إلى المحاضرات الفكرية والأدبية. النادي يسعى دوما ليحقق ثنائية الأدبي الثقافي».

* السويلم: تحول بطيء

* وعلى صعيد التغييرات الإدارية وأثرها في تغيير الأداء والمنهج، يرى الدكتور حمد عبد العزيز السويلم نائب رئيس نادي القصيم الأدبي، أن الحكم على أداء هذه المجالس الجديدة سابق لأوانه، لأن الحركة الثقافية والتحولات الأدبية تخضعان لقانون التحول البطيء، مشيرا إلى أن مقارنة ما أنجزته المجالس الجديدة في عامين بما أنجزه السابقون في ثلاثة عقود أمر لا يخلو من الحيف، مقترحا أن تشكل الوزارة لجنة تراقب أداء الأندية، وتقيمها بشكل مستمر، مع ملاحظة كل العوامل التي تمثل مؤشرات على فاعلية هذه الأندية.

وقال السويلم:«إن الناظر لمسيرة الأندية خلال العامين المنصرمين بعد التغييرات التي أجرتها وزارة الثقافة والإعلام على هياكلها الإدارية يلاحظ أن الأندية الأدبية بدأت تقترب من المجتمع وتتحسس نبضه الثقافي لكي تشارك فيه وتفعّله، فنظمت ملتقيات فكرية وأدبية لإبراز منجزاتها. إن نادي مكة المكرمة، مثلاً، ينظم مؤتمرا لرصد الخطاب الثقافي المحلي، في الوقت الّذي يكرس فيه نادي جدة ملتقاه لقراءة النص الأدبي، ونادي الرياض يتجه لقراءة الخطاب النقدي، ونادي المدينة المنورة ينظم ملتقى العقيق بصفة دورية لمعالجة بعض الظواهر الفنية، وكذلك نادي الباحة الذي يقدم ندوات حول الرواية المحلية. وهذه المناشط برأيي تجعل هذه الأندية أكثر فاعلية وتواصلاً مع المجتمع المحيط بها.

* الملا: تقدم واضح

* من جانبه يقول عبد الرحمن الملا رئيس نادي الاحساء الأدبي (سابقاً):«إن هناك بعض الأندية من يحاول تطوير أدائه في حدود الإمكانات المتاحة، مشيرا إلى أن وضعها اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه في الماضي ولعل مرد ذلك وضع قياداتها في أيدي الشباب وإتاحة الفرصة للعنصر النسائي ليؤدي دوره في خدمة الثقافة والفكر بكل ما يحملون من دماء جديدة وانفتاح على كافة الأفكار والتيارات الثقافية والأطياف».

ويرى الملا أن أهم تحدٍ للأندية الأدبية يكمن في كيفية تطويع قدراتها في تقديم كل جديد للمجتمع وأن تنمي روح الانتماء للهوية الثقافية ومحاولة الجمع بين الأصالة والتجديد في كل ما تقدمه من فعاليات.

* العطاس : قلة الموارد المالية

* وبحسب الدكتور عبد الله العطاس نائب رئيس نادي مكة الأدبي، فإنه على مدى أكثر من ثلاثة عقود على قيام الأندية الأدبية كانت تتمتع بوهج خاص، مرجعيته أن القائمين عليها كانوا من الرواد وقتها، غير أنها مع مرور السنوات بدأت تشيخ رويدا رويدا، «ربما لأن دفتها كانت في أيدي من دخلوا مرحلة الشيخوخة كما يرى البعض».

ويرى العطاس أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأندية الأدبية، والشأن الثقافي بشكل عام يتمثل في قلة الموارد المالية وممارسة المباشرة والنخبوية، داعيا إلى تنفيذ برامج شبابية يمكن أن تساهم في تنمية الكثير من المواهب الواعدة.