فتنة «وشم» الأجساد تقترب من البيت الأبيض

«الدب الأكبر» على ساق سارة بالين وقانون أميركي لحماية المغامرين الآخرين

TT

حتى المرشحة الجمهورية لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية سارة بالين، وضعت وشماً على جسدها. فظاهرة الوشم لم تعد أمراً عابراً يمكن السكوت عنه، فإضافة إلى سلبياتها الصحية وعواقبها المستقبلية، فإن وجود وشم على جسد أي إنسان له دلالات قد لا تكون ايجابية على الإطلاق، ولعلماء النفس والاجتماع آراؤهم أيضاً التي لا تبدو مشجعة هي الأخرى. ورغم ان الموضة تكاد تصل إلى عقر دار البيت الأبيض، إلا ان وشم الجسد لا يزال يعتبر أمراً غير محترم في أميركا، وعلى هذا الأساس سيتم التعامل مع أصحاب الأجساد الموشومة لدى توظيفهم كجنود في المارينز، او تسلمهم مهمات رسمية، من الآن فصاعداً.

«يوجد وشم على ساق سارة بالين اليسرى». ظن الناس أنها مجرد إشاعة، ثم تبين أنها حقيقة، بعدما نشرت جريدة «انكردج ديلي» التي تصدر في عاصمة ولاية ألاسكا الخبر. وكما هو معروف فإن بالين هي حاكمة ألاسكا والمرأة التي اختارها المرشح الجمهوري ماكين لتكون نائبته لرئاسة الجمهورية.

كتبت الجريدة ان سارة بالين راهنت قبل ثلاث سنوات زوجها على فوزها مقابل منافسها ميركوسكي الذي كان حاكم الولاية قبلها. كان ذلك خلال الشهور الأولى من الحملة الانتخابية، واحتمال فوزها لا يزال ضعيفاً. لكن بالين فازت بحكم الولاية، ورسمت الوشم. ولو انها لم تفز، لكان على زوجها أن يشم نفسه باسم منافسها وفاء لما اتفقا عليه.

لكن ما هو الوشم الذي رسمته بالين على ساقها؟ «بنات نعش الكبرى»، ويمثل سبعة نجوم في السماء، أربعة منها على صورة نعش، وثلاثة يتبعونه، على جانبه الأيسر، وفي مقدمته النجم الذي سماه الفلكيون العرب الاوائل «القائد»، ولا يزال الفلكيون الغربيون يستعملون نفس الاسم، واسماء عربية لنجوم أخرى، غير انهم يستعملون عبارة «الدب الاكبر» بدلاً عن «بنات نعش الكبرى»، لأن النجوم الأربعة تشكل الدب، والنجوم الثلاثة ذيله.

اختارت بالين هذا الرسم، لأنه رمز لولاية ألاسكا. فقد صار واضحاً ان سارة بالين محظوظة مرتين: مرة لأنها تقدر على الافتخار بوشم هو رمز ولايتها (وليس رمزاً لشيء فاضح)، ولأنها وضعته على ساقها (وليس في مكان فاضح). لكن الأميركيين عموماً يختلفون حول فكرة الوشم، ويميلون إلى اعتباره شيئاً غير محترم، رغم انتشاره وتزايد الإقبال عليه. هذا الإقبال الذي يعتبر نتاج حضارة صارت فنون الجسد فيها جزءاً من طريقتها في التعبير.

ومع ذلك، أعلن قائد قوات المارينز خلال الاسبوع الماضي، منع أي جندي على وجهه او ذراعيه وشم واضح من حراسة أي سفارة أميركية في الخارج. وقال: «يعتمد غالبية الأجانب الذين يزورون سفاراتنا في الخارج على انطباعات شخصية يحكمون بها علينا». وقال ان قوات المارينز سوف تتشدد، في المستقبل، في تعيين جنود جدد موشومين وستدقق في نوع الوشم وحجمه ومعناه. لكن، بالنسبة لجنودها الحاليين، سوف تتشدد في تحاشي رؤية الاجانب للوشم وهم بملابسهم الرسمية.

والاسبوع الماضي، نشرت جريدة «واشنطن بوست» تقريراً عن ما اسمته «الوشم الرياضي»، وهو وضع شعار فريق لكرة القدم او كرة السلة على جسم الشخص. وهذا وشم ينتشر وسط الرجال اكثر منه وسط النساء. ووضع مشجعون لفريق «ريد سكنز» (الهنود الحمر) لكرة القدم في واشنطن رمز الفريق، وهو هندي أحمر يحمل حربة. في ما وشم مشجعو فريق «دالاس كاوبوي» (في ولاية تكساس) أنفسهم بنجمة عملاقة هي رمز الفريق.

وفي الشهر الماضي، نشرت مجلة «باريد» الأسبوعية ان الموضة الجديدة هي وشم لصورة قريب أو صديق توفي. وقال أحدهم وهو يشير الى صورة والدته التي وشم بها ذراعه الأيمن: «أراها في كل لحظة، وأقبلها، وأدعو الله ان يرحمها». هل هذا وشم محترم؟ لكن، ماذا عن البنت التي رسمت صورة خطيبها الذي توفي في حادث قبل أيام من الزواج؟ وهل سيتقبل هذا الوشم رجل جديد يحبها في المستقبل؟

والوشم ليس تقليعة جديدة، وإن أخذ في صيغته المعاصرة دلالات مختلفة. فربما لا تخلو مومياء لامرأة فرعونية من وشم على وجهها، أو ذراعيها. ومن أنواع الوشم الفرعونية: عنخ، وايزيس، وعين حورس، ولوتس، وهورس. ومن أنواع الوشم التي عرفت في بابل: ختم عشتار، وختم شماش، وختم أرحوت. ومن أنواع وشم الإمبراطورية الرومانية رؤوس الآلهة: منيرفا، وزيوس، وهيرا. ومن أنواع وشم الإمبراطورية اليونانية رؤوس الآلهة: أبولو، وأفرودايت، وأثينا. ومع انتشار المسيحية في أوروبا، صار الصليب هو الوشم المفضل، ثم وجه العذراء، وفضل اليهود حينها وشم نجمة سليمان الموجودة اليوم على العلم الإسرائيلي. لكنهم في الوقت الحاضر، يتحاشون أي وشم، بعد عقدة نفسية وتاريخية تسببت بها المانيا الهتلرية التي كانت تفرض على كل يهودي وشمه لتمييزه عن الآخرين. غير ان أغلبية علماء المسلمين يحرمون الوشم، اعتماداً على آية سورة النساء: «بمعنى أن الشيطان يأمرهم بأن يغيروا ما خلق الله ...» واعتماداً على حديث شريف يقول: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة».

لكن، هناك فرقاً بين الوشم الحقيقي، عندما تغرس الإبرة في الجسد غرساً عميقا، ثم يصبغ الجرح بالألوان التي تخترقه، والزينة، مثل الحناء. ويتحاشى المسلمون الوشم الديني، مثل هلال ونجمة، وآية قرآنية، لكنهم يقبلون على رسوم من نوع آخر، كتقليد لما يسري في الغرب. وفي الوقت الحالي، تمتلئ مواقع الإنترنت بأنواع وأشكال من الوشم مثل كلمات وحروف باللغة العربية، مرسومة رسماً فنياً، او خطاً كوفياً، او خط رقعة.

وهناك صلة وثيقة بين الوشم والاشكال الفنية، مثل التي يستعملها صاغة الذهب او الفضة.

قبل أربعة شهور، صدر كتاب: «أنواع الوشم: أحسنها، وأقبحها، وأكثرها إثارة، وأكثرها سخفاً»، وكتب صاحبه مقدمة عن الموضوع جاء فيها: يعود اصل كلمة «تاتو» (وشم) الى سنة 1769، عندما عاد إلى بريطانيا جيمس كوك، مكتشف المحيطات، وكتب عن وشم قبائل بدائية في جزر تاهيتي والفليبين ونيوزيلندا. وقال انهم يسمونه «تاتاو». وحتى اليوم، يعتبر وشم قبيلة الماروي في نيوزيلندا أكثر أنواع الوشم أصالة. وهناك وشم القبائل الأفريقية، حيث لكل قبيلة وشم معين على الوجه، يرسم أو يغرز، أو شفاه تضخم، أو أنف يخرق، أو رموش تصبغ.

وفي سنة 1991، على جبال جليدية بين النمسا وإيطاليا، اكتشف «اوتزي»، أقدم رجل جليد، وعلى ذراعيه وشم (بقي الوشم لأن الرجل كان تحت الجليد منذ ثلاثة آلاف سنة ق.م). ويعتقد ان للوشم صلة بالشجاعة.

وحقيقة، كما قال كتاب «أنواع الوشم»، كثير من الوشم على أيدي وصدور الرجال يدل على الشجاعة، بصورة أو أخرى. وكثير منه على وجوه النساء يقصد منه زيادة الجمال، ولفتاً لأنظار الرجال.

وقال الكتاب ان وشم بعض نساء قبائل البربر والأمازيغ في شمال أفريقيا يدل على ان المرأة خصبة، وكأنها تقول للرجال انها مستعدة لإنجاب أولاد وبنات لهم. في الجانب الآخر، هناك وشم سلبي الدلالة، مثل ذاك الذي يدل على ان الشخص عبد أو عبدة، او مسجون، او منبوذ، او يهودي (في المانيا الهتلرية).

والسنة الماضية، بعد شكاوى من ان بعض عمليات الوشم (بغرس الإبر) كانت سبب تسمم ووفيات، وان بعض أنواع الحبر والألوان المستوردة لم تخضع لرقابة الحكومة، أصدرت إدارة الطعام والدواء الاميركية (افي دي ايه) «قانون الوشم والتزيين الدائم». وقد فرق القانون بين الوشم الدائم (غرس إبر وضخ حبر) والوشم المؤقت (رسوم على الجسد، او ملصقات). وقال بيان صحافي ان الإدارة لا تقدر على منع الرجال والنساء من وشم أي مكان من أجسادهم وأجسادهن. لكنها تريد التأكد من ان العملية والمواد صحية. وانها تعرف ان بعض الوشم يعالج تشوهات طبيعية او نتيجة حوادث.

وأشار القانون إلى أن محلات التجميل تحتاج إلى تراخيص حكومية، وان ذلك يشمل الوشم. ولم تشجع على عمليات الوشم التي تجرى في المنازل ودون رخصة طبية. وقال بيان الادارة الصحافي: «أوضحت التقارير التي وصلت الينا أن من مشاكل الوشم هو ان بعض الذين يرسمونه يريدون، في وقت لاحق، إزالته، إما لأنهم غيروا رأيهم في سبب رسم الوشم، أو لأن اجسامهم، مع كبر سنهم، تتغير.» والتدخل الحكومي في قضايا الوشم يعكس ما تتسبب به هذه الظاهرة من مشكلات قد تبدو في البداية غير منظورة، هذا غير تقليعات مجنونة بدأت تدخل على خط هذه الموضة البدائية التي أخذت وجهاً عصرياً. فأخيراً نشرت صور لرجل كندي من تورنتو يدعى «باولي يونستوبابل» وهو يخضع لعملية وشم داخل عينه لتغيير لون البياض من الأبيض إلى الأزرق. وهي عملية تتطلب حقن العين بالأصباغ أربعين مرة، وتعتبر خطيرة وغير مأمونة العواقب رغم ان صاحبها التزم باستعمال مضاد للالتهابات. وقد أجريت العملية بإشراف متخصصين، ونتائجها لا تزال قيد الدرس، لكن نجاحها قد يدفع بالبشرية إلى مزيد من المخاطرة، في سبيل تغيير المظهر أو التمرد على العادي والسائد، وهو ما سيجعل الشركات التي تدفع بهذه الموضه صوب أماكن أخرى، قادرة على كسب مبالغ طائلة من جيوب المجانين والمهوَّسين. فقد تبين من دراسة علمية أميركية، ان غالبية قد لا يستهان بها وصلت إلى 73% من الموشومين يعانون من اضطرابات نفسية! وكشفت الدراسة، التي نشرت في مجلة «الشخصية والصحة العقلية» تزايداً في احتمال أن يكون الأشخاص الذين لديهم أوشام سبق وعانوا من استغلال جنسي أو تعاطوا المخدرات أو حاولوا الانتحار.