العراق.. صناعة السياحة المؤجلة

يمكن أن يصبح مركزا رائدا في منطقة الشرق الأوسط

الكتاب: السياحة في العراق ـ المؤلف: د. رؤوف ـ محمد علي الأنصاري
TT

يعيدنا هذا الكتاب إلى صورة العراق النموذجية المعافاة أيام كان قبلة الأنظار والباحثين في أصول الحضارات، والحالمين بالرحيل إلى بلاد الأحلام والجمال والأساطير!

بتفاؤل واضح يشق الكتاب طريقه باحثاً ومؤشراً بين دخان الواقع واضطرابه إلى مشروع أساسي: أن يعاد بناء العراق على ما لديه من قاعدة وأسس عريقة كانت تجتذب السياح، وزوار المراقد الدينية، وإن ما لديه من ثروات طائلة يمكن أن يستثمر جانبا كافيا منها في مضمار صناعة السياحة لتظل تعطي الكثير، فثروة النفط ناضبة بينما ثروة الأرض العامرة الجميلة المجتذبة للسياح تظل تعطي الكثير للأجيال الحالية والقادمة!

يبرز الكتاب تلك المؤشرات التي تقول: إن العراق يمكن أن يصبح مركزاً سياحياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط بسبب مكانته التاريخية والحضارية والدينية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز وطبيعته الخلابة بوجود نهري دجلة والفرات والأهوار والبحيرات والبساتين والجبال والسهول الخضراء والمصايف الجميلة!

ويمضي الكتاب في بحوث موسعة تتناول أهم القضايا المتعلقة بالسياحة كصناعة حضارية جديدة برزت في العالم وجعلت الكثير من الدول في العالم تعتمد عليها في زيادة دخلها وتعزيز مكانتها الدولية والحضارية وحتى دورها السياسي! فهو في حديثه عن تاريخ السياحة في العراق يؤكد أن السياحة عرفت في العراق منذ أكثر من سبعة آلاف سنة ولكن من قبل العراقيين كسائحين أكثر من مستقبلين فهم بحكم تطورهم الحضاري ورفاهيتهم قد نشطت لديهم غريزة حب الاستطلاع والتنقل بين مدنهم بحثاً عن المعرفة أو المتعة أو للاتصال بالشعوب والأقوام الأخرى ربما لأغراض تجارية في البدء ثم صارت سياحة لذاتها!

يعتمد الكتاب في مفهومه لمعنى السياحة تعاريف عديدة، مبتدئاً بالتعريف الذي تبنته منظمة السياحة العالمية، الذي يقول ان السياحة هي مجموعة الأنشطة التي يمارسها الأشخاص المسافرون أو المقيمون في الأماكن غير المعتادة لهم طلباً للمتعة والترويح والتي لا تزيد مدة إقامتهم فيها عن عام!

ويعرف السائح على أنه أي زائر يأتي للبلد لأي غرض غير الإقامة ولا تتجاوز مدة إقامته سنة واحدة ولا تقل عن اليوم الواحد!

وفي حديثه عن أنواع السياحة يتحدث عن السياحة الثقافية، والترفيهية والرياضية والدينية. يقول عن السياحة الثقافية:«إنها رغبة في التعرف على أنماط أخرى من العلاقات الاجتماعية وثقافات وعادات وتقاليد الشعوب. إنها تساعد على تكوين الشخصية المبدعة والخلاقة وأداة تقريب المسافات بين الشعوب». من هنا، يرى المعماريون والفنانون أن السياحة والعمارة متلازمتان مع الجمال والروح وعبق التاريخ والحضارة والقيم والعادات والتقاليد». وفي هذا الحقل يشير المؤلف إلى أن العراق هو مصدر غنى سياحي ثقافي كبير، ففيه معالم ثقافية وحضارية عظيمة فهو مهد أقدم الحضارات الزاخرة بالمنجزات الثقافية التي أثرت في ثقافات العالم وفيه آثار وقبور كبار الشعراء والفقهاء والعلماء في اللغة ومختلف العلوم، لذا فإن التجول فيه هو كالتجوال في كتاب هائل كبير الأحرف ساطع المعاني!

وفي بحثه عن السياحة الترفيهية، يتحدث الأنصاري عن أنواعها البينية، والمحلية وسياحة المصايف في كردستان، وعن السياحة النهرية والبحرية والصحراوية والسياحة في الأهوار، مبرزاً غنى العراق بكل مستلزمات هذه السياحة، وملاءمة مناخه المتعدد المستويات لجعل السياحة فيها قائمة نشيطة على مدى فصول السنة. ويولي الكتاب اهتماماً خاصاً للسياحة الدينية في العراق، مشيراً إلى أن العراق يحتضن معالم حضارية إسلامية بارزة، ومراقد أئمة لهم ملايين الأتباع في العالم، إضافة لشواهد دينية بارزة لأتباع الديانات الأخرى!

فهو يحتضن العديد من مراقد الأنبياء، إبراهيم ،ونوح ويونس أو (ذو النون) وجرجيس وهود وصالح وذو الكفل. ومراقد الأئمة: علي بن أبي طالب في النجف، والحسين وأخيه العباس في كربلاء، ومرقدي موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد في الكاظمية، وعلي الهادي والحسن العسكري في سامراء، وفي بغداد مرقدي الإمام أبي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الكيلاني، بالإضافة إلى مراقد شيوخ الطرق الصوفية في مختلف أنحاء العراق. ويؤكد الكتاب على أهمية العناية بهذه المواقع المقدسة الكثيرة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية المحيطة بها لاستقبال أكبر قدر من الزوار الذي سينشطون الحركة الاقتصادية في البلاد ويخلقون حراكا اجتماعياً يسهم في تحسين العلاقات بين الأفراد والشعوب. إن مستقبلاً كبيراً ينتظر السياحة الدينية في العراق، كما يعتقد المؤلف، مما سيجعلها ذات أهمية بالغة في صناعة السياحة في العراق، ومصدراً هائلاً للدخل القومي!

لكنه يؤكد على ضرورة تنفيذ تصور استراتيجي من أجل السياحة في العراق يتمثل في: تشكيل مجلس وطني أعلى للسياحة، إعادة هيكلة المؤسسات والقطاعات السياحية، الاستفادة من الطاقات والكفاءات السياحية، التعاون مع المنظمات والمؤسسات السياحية، والهيئات الأكاديمية العربية والعالمية والاهتمام بالتدريب السياحي والفندقي والاهتمام بتطوير المطارات ومراكز النقل البري والمائي وربط العراق بالدول المجاورة والإقليمية بسكك الحديد، وتمشية القطارات الحديثة والمريحة، وتبني شراكة بين القطاعين العام والخاص ودعم وتشجيع الاستثمار السياحي، وتطوير الدعاية والترويج السياحي، وتوظيف الصناعات والحرف اليدوية في المجال السياحي. يكرس الكتاب أكثر من مئتي صفحة للتعريف بمدن العراق السياحية خاصة بغداد والبصرة، وبابل ونينوى، والنجف وكربلاء، والسليمانية وأربيل لما فيها من معالم وآثار ومصايف سياحية وبحيرات مثل الحبانية والرزازة وساوه ودوكان ودربندخان وخانقين والثرثار.

وينبه المؤلف إلى أهمية الأهوار من الناحية السياحية، بعد الاهتمام برعايتها من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والإنسانية، وكذلك ضرورة النهوض بكل العراق كوطن وكمجتمع أولاً إذ من غير المعقول أن يأتي السائح العربي أو الأجنبي إلى العراق ليتفرج على معالمه السياحية ويرى التناقض الصارخ بين واقع الناس المزري والمعالم السياحية المزوقة والجذابة!

عن المؤلف

* يحمل شهادة دكتوراه بفنون العمارة الإسلامية من جامعة ويلز في انجلترا، وعمل مستشاراً في مجال الهندسة المعمارية في العراق وفي أبو ظبي، وفي غيرها من البلدان، ولديه العديد من المؤلفات والدراسات في القضايا المعمارية. ويعمل الآن رئيساً لتحرير مجلة السياحة الإسلامية، ومستشاراً لهيئة السياحة في العراق.