أبوظبي.. تخطو نحو السينما

مبادرات ضخمة ومئات الملايين لتوطين السينما العالمية.. لا الوصول إليها

الفنان الإماراتي حبيب غلوم في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في دورته الأولى التي أقيمت في أبوظبي («الشرق الاوسط»)
TT

ربما تكون هوليوود جديدة تزرع نبتة جديدة لها في الشرق، وقد تكون وجهة سينمائية مختلفة تنشأ من وسط الصحراء، لكنها في كل الأحوال خطوة ثقافية جادة خطتها العاصمة الاماراتية أبوظبي، ليس للوصول إلى السينما العالمية، كما عجز العرب عقودا طويلة عن بلوغها، بل من أجل توطين تلك السينما والقدوم بها إلى قلب الصحراء.. فهل تنجح أبوظبي في استراتيجية الفن السابع؟

يبدو أن الإعلان الأخير لشركة ابو ظبي للاعلام بتخصيصها لمبلغ مليار دولار لانتاج افلام عربية وعالمية من خلال شركة «ايماجيناشين» التي اسست لهذا الغرض، هو بداية توجه أبوظبي نحو وضع قدم لها في مساحات السينما العالمية الرحبة، غير أن البدايات «الظبيانية» أتت قبل هذا الموعد بفترة ليست بالقصيرة.

فالإمارة الخليجية لم ترغب في اقتحام مجال الدراما والإنتاج السينمائي، إلا في إطار سعيها المتواصل لتنويع قاعدة اقتصادها بخلاف ثروتها النفطية، وتركيز الإنفاق على الخدمات، والسياحة، والتصنيع، والآن الإنتاج السينمائي العالمي.

ويقول محمد خلف المزروعي المدير العام لهيئة الثقافة والتراث في أبوظبي ان أبوظبي تسير اليوم بوتيرة متسارعة نحو تحقيق طموحها بأن تصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً لإنتاج وصناعة الفيلم، وتطوير الخبرات المحلية في هذا المجال، وتحفيز كبار المنتجين العالميين لجذب نشاطهم للمنطقة، والاستفادة من البنية التحتية المتينة التي تتمتع بها أبوظبي.

ويضيف المزروعي:«في هذا الإطار تمّ الإعلان اخيراً عن استثمار مليار دولار في تأسيس شركة «ايماجينيشن» التي ستنتج أفلاماً روائية طويلة بالتعاون مع أبرز شركات الإنتاج السينمائي الأميركية والعالمية، ومع منتجي وصانعي أفلام محليين، مما يساهم في تحويل أبوظبي لمركز عالمي مهم في مجال الصناعة السينمائية، ويتوازى مع استراتيجية أبوظبي ومهرجانها السينمائي.

ويمكن القول ان مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي كان خطوة مهمة في المشروع السينمائي الثقافي المتكامل لأبوظبي، حيث تميز منذ دورته الأولى بكونه يضم مقومات السينما الناجحة من النواحي الفنية والتمويلية والتسويقية، خاصة مع تنظيم مؤتمر «ذا سيركل»، المبادرة الوحيدة والأولى من نوعها في المنطقة، التي تهتم بإنتاج وتمويل الأفلام وتشجيع المواهب السينمائية في الشرق الأوسط.

ويعتبر مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، الذي تستعد أبوظبي لتنظيم النسخة الثانية منه في هذا الشهر فرصة للاحتفاء بالسينما، وهو مخصص لعرض الأفلام الدولية من الشرق الأوسط، وبوليوود الهندية وغيرهما لجمهور المشاهدين في أبوظبي، بالإضافة إلى إطلاع صناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم على موارد المنطقة في هذا المجال.

ويهدف المهرجان إلى رعاية المواهب وتعزيز العلاقات وتوفير الفرص لأولئك الذين يتطلعون إلى الاستثمار في مستقبل السينما. ويقول المسؤولون في أبوظبي ان الامارة هي المكان الأمثل لتحقيق ذلك بفضل قدرتها المعروفة لدى الجميع على التطور والنمو استجابة للسوق العالمية.

ويستضيف المهرجان مؤتمر تمويل الأفلام الذي أصبح مؤتمراً سنوياً مهماً يعنى بقضايا الإنتاج العالمي المشترك، كما يقدم المهرجان جوائز «اللؤلؤة السوداء» القيمة التي يتنافس فيها صناع الأفلام على جوائز لجنة التحكيم في فئات أفلام الخيال والأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة. ويشير المزروعي إلى أن أبوظبي حرصت على توفير جميع العناصر التنظيمية والسينمائية التي تستقطب صناع الفيلم والمنتجين من كافة أنحاء العالم، وأن الدورة المقبلة سوف تشهد تحقيق المزيد من التطور للمهرجان. وتمكن مهرجان الشرق الأوسط من استقطاب العديد من أهم الأفلام المنتجة لعام 2008 سواء الروائية أو القصيرة أو الوثائقية منها.

ومن أبرز الفعاليات المهمة للمهرجان برنامج خاص لأفلام البيئة، يهدف لجذب وتحفيز صناع السينما لتوظيف لغة الفن السابع ضمن استراتيجيات الحفاظ على البيئة، والتأكيد على خطط التنمية المستدامة.

وتجدر الإشارة إلى المنظمين يحرصون على مشاركة العديد من الفنانين الإماراتيين المتميزين في مهرجان أبوظبي وفي أهم المهرجانات السينمائية الدولية، وذلك بهدف توفير الخبرة اللازمة لهم. ويتمنى المزروعي من الشباب الاماراتي ذي الطموح السينمائي أن يستغل المناسبات السينمائية التي تنظم في أبوظبي لتطوير إمكاناته من خلال متابعة العروض السينمائية، والندوات والمؤتمرات المُصاحبة، والاحتكاك بضيوف المهرجان من نجوم السينما وأبرز صناعها.

وضمن استراتيجية أبوظبي في تأسيس قاعدة صلبة للسينما، تم تأسيس أول أكاديمية للسينما معتمدة في منطقة الشرق الأوسط ، وهي أكاديمية نيويورك ـ أبوظبي، والتي يمكن أن تكون قاعدة جيدة تنطلق منها عملية دعم المواهب الشابة وتطوير صناعة أفلام مزدهرة في المنطقة يكون مركزها في أبوظبي. ويعتبر هذا التعاون بين هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وأكاديمية نيويورك للسينما المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة. وتعد أكاديمية نيويورك للأفلام، كما هو معروف، أكبر مدرسة للسينما فضلاً عن كونها مركزاً دولياً للتدريب السينمائي في العالم. وتزخر هذه الأكاديمية بمركزين رئيسيين أحدهما في نيويورك والآخر في لوس انجليس إلى جانب العديد من مراكز التدريب في مختلف أنحاء العالم. وقد تم تأسيس أكاديمية نيويورك للأفلام في عام 1992 كبديل عملي للتعليم الفني الذي كان يعتمد على الغرف الدراسية التقليدية. وتم إنشاء هذه الأكاديمية من منطلق أن التعليم الجيد في مجال صناعة الأفلام يجب أن يكون متاحاً لكل من لديه الدافع والطموح للدخول في مجال صناعة الأفلام.

ويتعلم طلاب أكاديمية نيويورك للأفلام في أبوظبي مختلف أوجه صناعة الأفلام على المستوى الإبداعي والفني. وتشمل الدروس دورات في صناعة الأفلام والتمثيل وكتابة السيناريو والرسوم ثلاثية الأبعاد والإنتاج وصناعة الأفلام الوثائقية. من جهة أخرى، تتسم صفوف التدريس بحجمها المحدود بهدف تعزيز التفاعل بين الطلاب والمدرسين، علاوة على زيارات مشاهير السينما التي من شأنها أن تجلب واقعية عالم السينما إلى قاعة التدريس.

ووفقا لمسؤولي هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، فإن هذا التعاون بين هيئة الإمارات للثقافة والتراث وأكاديمية نيويورك للأفلام، من شأنه أن يلعب دوراً محورياً في تطوير مهارات صناعة الأفلام وإثراء الحياة الثقافية في منطقة الخليج والشرق الأوسط على امتداد السنوات المقبلة.

وحتى لا تكون هذه الخطوات السينمائية محصورة على المحترفين فقط، أطلقت أبوظبي مسابقة «أفلام من الإمارات» لتشجيع صناعة الأفلام والإنتاج السينمائي المحلي مع التركيز على الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية وأفلام الخيال والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد.

وتمكن هذه المسابقة طلاب دولة الإمارات العربية المتحدة في كافة المدارس والكليات والجامعات من عرض أفلامهم والتنافس على جوائز قيمة. ومن مبادئ المسابقة عرض هذه الأفلام بالموازاة مع أفلام إقليمية ودولية أخرى في إطار برنامج يقدم أفضل الأفلام القصيرة والطويلة العربية والعالمية. وتشكل المحاضرات والحلقات منتديات مهمة لطرح النقاشات المتعمقة حول فن صناعة السينما.

وقد اتفقت مسابقة أفلام من الإمارات اخيراً مع مؤسسة إماراتية لتقديم منح دراسية، وذلك لدعم صناع الأفلام المحليين في إنتاج الأفلام الطويلة، ومن المخطط أن يتم عرض هذه الأخيرة خلال الدورات المقبلة للمسابقة.

آخر المبادرات السينمائية التي أطلقت في أبوظبي، ركزت هذه المرة على برنامج لتشجيع صانعي الأفلام الإماراتيين، عبر برنامج «عدسة»، وهو أحد البرامج المتميزة التي تهتم «ذي سيركل» بالعمل على تنميتها وتطويرها في الدولة. ويهدف برنامج «عدسة» (ورشة أفلام ذي سيركل) الذي يستمر على مدار السنة، إلى تطوير مهارات عشرة من صناع الأفلام الإماراتيين من خلال عقد العديد من ورش العمل التي تركز على هيكل القصة وصياغة النصوص الأصلية لسيناريوهات الأفلام بشكل احترافي وجلسات خاصة مع مستشارين مبدعين، إضافة إلى مناقشات جماعية تتضمن جميع المشاركين في ورش العمل لدعم وإلهام المخرجين أثناء العملية المكثفة لتطوير السيناريو. ويقول عيسى المزروعي مدير المشاريع في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث إن «عدسة» يقدم الفرصة المثالية للحفاظ على خصوصية الثقافة الاماراتية والعادات والتقاليد الفريدة التي تتميز بها وذلك من خلال تشجيع الابداعات الوطنية على ابتكار قصص يمكن تحويلها إلى أفلام وعرضها في جميع أنحاء العالم.

أما إدريان بريجز مديرة «ذي سيركل» فتقول ان البرنامج انطلق بمشاركة ستة من صانعي الأفلام الإماراتيين من الشباب الطموح وهم عليا الشامسي وعبد الله البستكي وفاضل المهيري وخديجة البلوشي وخالد الصبيحي ولميا قرقاش، انضموا إلى ورش عمل صيفية لصناعة الأفلام عقدت في مدينة لوس انجليس الأميركية شهر أغسطس الماضي، قدمت للمشاركين لمحة عامة عن عملية صناعة الأفلام مع التركيز على إعداد قالب القصة.

وتذكر بريجز أن المشاركين حضروا صفوفاً متقدمة تعلموا من خلالها تقنيات ومهارات مختلفة في كتابة السيناريو، بحيث يتعين عليهم مع نهاية الجولة إنجاز هيكل لنصهم الطويل، ويشمل برنامج ورش العمل أيضا القيام بجولة عبر استوديوهات التصوير وغرف الكاميرات وغيرها من مرافق مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج.

تقول عليا الشامسي، إحدى المشاركات في برنامج «عدسة»:«أنا أعمل حالياً على سيناريو فيلم يدور حول قصة امرأة إماراتية تضطر لمواجهة المعوقات الاجتماعية عندما تدخل إلى سوق العمل، بهدف تحقيق حلمها في أن تصبح مهندسة معمارية». وتستند علياء الشامسي في بنائها الدرامي إضافة إلى تدريبها الذي تلقته من خلال مبادرة «ذي سيركل» إلى خلفية جيدة اكتسبتها من خلال عملها ودراستها في مجال تقنيات الاتصال. أما فاضل المهيري، أحد المخرجين السينمائيين البارزين في أبوظبي، فيقول ان رحلة لوس انجليس افادته كثيراً من حيث طموحه في الحصول على الوِجهة والطريقة المناسبة للكتابة، وتوسيع آفاق معارفه في صناعة السينما، مشيراً الى أنه يعمل حالياً على فيلم تاريخي عن الغزو البرتغالي للمنطقة في أوائل القرن السادس عشر الميلادي.

أيا كانت أهداف أبوظبي في إطلاق مبادراتها السينمائية العالمية، فلا يمكن إلا القول انها وضعت أقدامها على طريق طويل وشائك في تأسيس صناعة سينما عالمية، فالمنافسون كثر والتحديات أكثر، غير ان جلب هذه الصناعة العالمية إلى قلب الصحراء وتغيير نمط فكر المجتمع الذي يشارك في هذا الحراك، سيؤديان بالتأكيد للوصول إلى نتيجة، ستتضح معالم نجاحها من عدمها خلال السنوات القليلة المقبلة. فهل تفعلها أبوظبي؟