توظيف الخيال العلمي لإدانة الإرهاب

مسرحية «فئران الاختبار» لماجد الخطيب

TT

يعالج ماجد الخطيب في مسرحيته الجديدة هذه، بعد مسرحيتي «الوسام» و«عاشق الظلام» ماهية الإرهاب وتأثيراته في النفس البشرية، ويأخذ بتشريح العوامل السياسية والاجتماعية، وبالتأكيد النفسية، التي تمسخ بعض أفراد من مجتمعاتنا، وهم بشر عاديون مثلنا، ليصبحوا وحوشا ضارية. والمسرحية من نمط الخيال العلمي ومكتوبة بلغة ونوع الكوميديا السوداء.

تبدأ المسرحية بداية مثيرة وأخاذة حيث نجد أنفسنا وسط حدث بوليسي بحت: عملية اختطاف رهينة وحصار وعنف مسلح، ثم هجوم قوات الأمن. واختار المؤلف هذه اللحظة لينتقل بنا، عبر عملية استرجاع الذاكرة «فلاش باك» الى مشاهد توضح كيف وصلت شخصيات المسرحية الى أحداث المشهد الأول. وسلسلة هذه المشاهد هي في الحقيقة البناء الدرامي للمسرحية كما هي ساحة صراع وبناء وتشريح شخصيات المسرحية (رئيسية كانت أو ثانوية) عبر تفاعلات مباشرة (بمعنى ان الكاتب لا يلجأ الى الشرح الموازي عن طريق الشخصيات الأخرى) مما يقوي الحدث الدرامي.

في هذه المشاهد يأخذنا المؤلف في رحلة مثيرة مركبة الأحداث، وبإيقاع لاهث ومتصاعد، ليحدثنا عن تجربة تجريها «المؤسسة» لتخليص الأفراد من العنف والعدوانية باستخدام عقار معين (أطلق عليه المؤلف اسم باسيفين) اخترعه «البروفسور» لهذا الغرض.

ولا يكتفي ماجد الخطيب في مسرحيته بطرح الأسئلة خاصة عن كيفية تحول ناس عاديين الى ارهابيين، لأنه يشخص طوال سطور المسرحية، العلة التي تتمثل بالسيطرة النفسية والتلاعب النفسي بالشخصية الانسانية MANUPILATION وغسيل الأدمغة الذي تمارسه الأحزاب والحركات الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى وبالتقابل والتضاد، أنظمة الدول السياسية التي تمارس نفس المنهج والعملية بتأثير أكبر بكثير، تأثير جماهيري، يتناسب وامكانياتها الهائلة. وتتكشف ذروة العمل عن مفاجآت وتطورات تمس عصب صناعة الإرهاب وتستند، من جديد، إلى أسس علمية مختبرية تبررها. فالمسرحية إدانة صريحة للإرهاب، لكنها أيضا إدانة لعنف المؤسسة واللاعدالة في التعامل السياسي.

من أهم مشاهد العمل المشهد الذي يصور الإرهابيين الأول والثاني وهما ينصبان حزاما ناسفا حول الإرهابي الثالث الذي يتناقش مع أمير الجماعة حول «الجهاد»، وكيف يحاول «الأمير» اقناع انتحاريه بعدالة ما يفعلون. ولا ننسى هنا الجانب العلمي الدقيق الذي استند عليه المؤلف لتمرير أفكاره بشكل مسرحية خيال علمي تحمل بدورها مصداقية كبيرة، وكما عهدناه في أعماله السابقة، يوظف الكاتب نظريات علمية، لتمتين بنية العمل العلمية وتوفير قناعة المشاهد بما يحدث.

ونلاحظ من تحديد عدد شخصيات المسرحية تركيز الحوار من جهة وجودة التصاعد الدرامي من جهة أخرى النضج الفني والتقني اللذين اكتسبهما المؤلف وراكمه في التوليف الدرامي. على المستوى الشخصي ذكرني عمل ماجد الخطيب هذا بالفيلم الممتاز «شارلي» اخراج رالف نلسن والذي اخذ عليه الممثل كلف روبرتسون اوسكار افضل ممثل للعام 1968.

يتحدث الفيلم عن تجربة جراحية جديدة تمارس على فأر يدعى الجيرون (الفيلم مأخوذ عن رواية دانيل كيس زهور لالجيرون) يتولى بعد هذه العملية لسوبر فأر يتفوق على جميع اقرانه ذكاء وابداعا. يأتي بعدها دور شارلي شاب متخلف عقليا لتمارس عليه نفس التجربة ليصبح بعدها عبقريا متطورا ولكن دون ان يصاحب ذلك أحاسيسه ومشاعره.

ولكن مثل فئران ماجد الخطيب ينتهي تلاعب البروفسور والمؤسسة عندما يعود الفأر وشارلي الى حالتهما الاصليتين، يموت الفأر بتأثير التجربة وينشغل بعدها شارلي بالبحث عن عقار آخر ينقذه. ويتوصل شارلي في نهاية الفيلم إلى إنقاذ حياته، لكنه يستعيد غباءه السابق أيضا.

من يدري قد يصل قريبا اليوم الذي يتنبأ به الخطيب، الذي توظف به الحكومات المختلفة الوسائل العلمية والدوائية ـ زرق الامصال بمياه الشرب مثلا ـ لتوجيه افكارنا وخياراتنا كما تريد. والطامة الكبرى ان يكون ذلك ليس بالضرورة لغرض التلاعب بشخصياتنا وتوجيهنا لتنفيذ محطات معينة ـ عمليات ارهابية او تفجير مناطق سكانية آمنة، بل كي نصوت نحن بأنفسنا وبشكل ديمقراطي بالموافقة على استخدام القوانين التي تسمح باستخدام هذه المواد وزرقها بمياه الشرب...مثلا.

صدرت المسرحية بالقطع المتوسط عن دار «الدار» بمصر بـ 94 صفحة من القطع المتوسط. والغلاف من أعمال الفنان العراقي المعروف فيصل لعيبي.