حقوق التجارة تتقدم.. وحقوق الكتاب مكانك سرّ!

حماية الملكية الفكرية في السعودية

من أحد معارض الكتاب في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

يتجه السعوديون، الذين انتهوا الشهر الماضي من تنظيم أول ملتقى لمكافحة الغش التجاري والتقليد، لتشديد الرقابة على عمليات قرصنة المعلومات، وتفعيل التشريعات المحلية لحماية حقوق الملكية الفكرية، إذ تذكر التقارير أن الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال المتعلقة بالملكية الفكرية في العالم العربي تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً.

وفي حين تنشط جهات مختلفة، بينها وزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التجارة، ومصلحة الجمارك، للحد من ظاهرة الغش التجاري ومكافحة تزويد العلامات التجارية، وملاحقة البرامج المقلدة، فإن المثقفين السعوديين يصوبون أعينهم على هذه الجهات لكي تفعل أيضاً التشريعات الخاصة بمنع قرصنة الإنتاج الثقافي والفكري، الذي يشتكي ناشرون من أنه يكبدهم خسائر فادحة، في حين يقول مؤلفون سعوديون ان إعادة طباعة كتب ومنتجات ثقافية دون تصريح منهم أو ممن يملك حقوق الطبع ساهم في إتخام السوق بنسخ غير أصلية، ولا تعود بأي مردود مادي لأصحابها.

وزارة الثقافة والإعلام السعودية، أفادت «الشرق الأوسط» أن حجم المضبوطات التي تمت على يد الإدارة العامة لحقوق المؤلف خلال العام المنصرم (2007) بلغت 4.107.907 مادة مضبوطة، كان نصيب الكتاب منها 15.279، في حين كانت المواد الباقية هي 3.571.528 اسطوانات سي دي منوعة، و 134.199 مواد تسجيلية، و 362.072 أفلام فيديو، و20.000 مواد مختلفة، و2910 كروت فك التشفير، و886 لوحات فنية، و830 أجهزة فيديو، و200 أجهزة كمبيوتر.

وأشارت الوزارة إلى أن عدد الجولات الميدانية خلال العام الماضي بلغ 4300 حالة تم الوقوف خلالها على أكثر من ثمانية آلاف موقع ومنشأة، وأوضحت الوزارة أن 80 بالمائة من القرصنة تتم عن طريق شبكة الانترنت، بينما تمثل المواد المستوردة منها 10 بالمائة، ونسبة مماثلة يجري تصنيعها محلياً. وعن الدور الذي تقوم به الإدارة العامة لحقوق المؤلف بوزارة الثقافة والإعلام، في مكافحة انتهاك حقوق الملكية الفكرية أوضح لـ «الشرق الأوسط» عبد الله بن شافي العصيمي مساعد مدير عام حقوق المؤلف، أن إدارته مخولة بموجب النظام القيام بجولات ميدانية للتأكد من صحة أوضاع السوق، ومدى التقيد بنظام حماية حقوق المؤلف وذلك من خلال مبادرات ذاتية من الإدارة، أو بموجب شكوى تتلقاها الإدارة من أصحاب الحقوق. وعند وجود مخالفة يتم ضبطها وتحرير محضر ضبط يتضمن الواقعة بكامل تفاصيلها، يتخذ بعدها الإجراءات اللازمة فيما يتعلق بالتحقيق مع المخالف، وبعد استكمال الإجراءات اللازمة يتم إحالة القضية للجنة النظر في المخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام حماية حقوق المؤلف، بحيث يكون أعضاؤها لا يقلون عن ثلاثة، من بينهم مستشار شرعي وآخر قانوني، وبعد موافقة الوزير على قرار اللجنة بثبوت المخالفة تعاد المعاملة للإدارة العامة لحقوق المؤلف لتنفيذ القرار حسب النظام وتتلف المضبوطات.

ولا يجد الناشرون السعوديون أن هذه الإجراءات كافية لحماية حقوقهم الفكرية، ويقول أحمد الحمدان، رئيس اتحاد الناشرين السعوديين لـ«الشرق الأوسط»:«إن المثقف السعودي لا يزال غير محمي، لعدم وجود أنظمة قوية تحمي حقوق المؤلف من التلاعب في مؤلفاته، من ناحية طباعتها وتسجيلها وبيعها»، مشيرا الى ان الأنظمة الخاصة بحماية الأعمال الأدبية والثقافية السعودية ستكون مناسبة لو تم تشديدها، وتم وضع عقوبات صارمة. وأشار الحمدان إلى أن ازدهار ظاهرة القرصنة تتزايد يوما بعد يوم بسبب عدم وجود تعاون بين وزارة الثقافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، حيث ان الأولى تملك الأنظمة والثانية لديها الخبرات الكافية في معرفة أنواع المقرصن وطرق اكتشافه وكيفية محاربته. وقال الحمدان وهو أيضاً نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب أن القرصنة الفكرية تعتبر من اخطر أسلحة قتل روح المبدعين والمفكرين، في الوقت الذي نجد التشجيع غير المباشر من بعض المؤسسات لاقتناء المواد المقرصنة وترك النسخ الأصلية، وهو ما يؤدي لعدم التطوير والتقدم في الوصول إلى الإبداع، داعيا للتشدد في محاربة القرصنة وعدم تشجيعها ومحاربة المقرصنين وتطبيق أشد أنواع العقوبات. ويرى الحمدان أن حماية الملكية الفكرية في السعودية تستند إلى أنظمة وتشريعات جيدة، ولكنها بحاجة إلى مزيد من التفعيل، مؤكدا أن المشكلة ليست في الأنظمة والقوانين بقدر ما تكمن في عدم تطبيق هذه الأنظمة وتفعيلها ومحاربة المقرصنين والقضاء على هذه الظاهرة التي تكاد تفتك بأهم عنصر في الحضارة وهي الإبداع والابتكار. وإذا كانت الخسائر الناجمة عن القرصنة الفكرية في مجال الكتاب ما زالت محدودة رغم حجمها الكارثي بسبب محدودية سوق الكتاب نفسه بالقياس إلى الخسائر التجارية والمعلوماتية، فإن القرصنة متى تحولت إلى سلوك مسكوت عنه فإنها تساهم في تدمير النشاط الإبداعي، وعلى سبيل المثال فإن نصف البرمجيات التي يتم تداولها في العالم العربي هي نسخ مقلدة، وحسب إحصاءات عام 2006 كانت النسبة 84 بالمائة من البرامج في الجزائر مقلدة، وفي تونس بلغت النسبة 79 بالمائة، وفي المغرب بلغت 66 بالمائة، وفي لبنان كانت النسبة 73 بالمائة، وفي مصر 63 بالمائة، و61 بالمائة في الأردن.

وبلغت نسبة قرصنة البرمجيات في الكويت 64 بالمائة، تلتها سلطنة عمان حيث بلغت 62 بالمائة، والبحرين 60 بالمائة، في قطر 58 بالمائة، وفي السعودية 52 بالمائة، وكانت الإمارات العربية المتحدة الأدنى في حجم البرامج المقرصنة حيث بلغت 35 بالمائة.

وكانت دراسات أشارت إلى أن الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال المتعلقة بالملكية الفكرية في العالم العربي تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً، ولا ينقص الدول العربية وجود التشريعات الكفيلة بحماية الملكية الفكرية، ويقتضي الانضمام لمنظمة التجارة العالمية تفعيل التشريعات المحلية لحماية هذه الحقوق، كما يتوجب على الدول التوقيع على اتفاقية (تريبس) التي وضعتها الدول المتقدمة من أجل حماية بضائعها من التزوير والتقليد.

وفي الشهر الماضي أقيم في جدة بالسعودية أول ملتقى لمكافحة الغش التجاري والتقليد بالتعاون بين جامعة الدول العربية والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة وتنظيم كل من الجمارك السعودية وشركة حماية العالمية.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور خالد بن عقيل العقيل المشرف على الإدارة العامة للملكية الصناعية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أن المدينة تساهم بدعم المخترعين عن طريق مجموعة مبادرات مثل دعم البحوث المعروف بمشروع (برنامج دعم الأفكار الابتكارية والإبداعية)، وكذلك عن طريق المركز الوطني للتطوير التقني الذي يعتبر الداعم الوطني الأول في السعودية لتطوير المشاريع التقنية المعتمدة على الأفكار الإبداعية منذ نشوء الفكرة حتى الوصول إلى المنتج النهائي.

وحتى نهاية العام الماضي، أشار الدكتور خالد بن عقيل العقيل، في حديث لـ «الشرق الأوسط»، الى أن عدد براءات الاختراع التي منحتها الإدارة منذ افتتاحها لحد الآن هو 1918 براءة اختراع فقط، من أصل 13.231 طلبا مودعا لمخترعين من مختلف الفئات العمرية، عدد الطلبات المنتهية والمستوفية للشروط منها 9605 طلبات.

وقال العقيل: «الصعوبات التي تواجه الإدارة العامة لحقوق الملكية الصناعية، تتمثل في عدم فهم بعض المتقدمين للحصول على براءة اختراع لآلية إجراءات منح البراءة مثل إجراءات الفحص الشكلي والموضوعي والتي تتطلب وقتا كما هو الحال في جميع مكاتب براءات الاختراع التي تقوم بالفحص الموضوعي للطلبات، بالإضافة إلى عدم صياغة الطلب بالطرق النظامية الخاصة بذلك عند التقديم بالرغم من تزويد الإدارة بالشروط العملية للمتقدمين».

من جانبه أكد المحامي جاسم بن محمد العطية نائب رئيس اللجنة الوطنية التجارية بمجلس الغرف السعودية، عضو مجلس إدارة الجمعية العربية للاقتصاد العربي، عضو لجنة المحامين أن حماية الملكية الفكرية أصبحت تحظى باهتمام متزايد من الحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في الآونة الأخيرة، وذلك لما لها من أهمية وتأثير بشكل مباشر وغير مباشر على اقتصاديات الدول والمجتمعات الاقتصادية.

وقال إن كلا من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الثقافة والإعلام قامتا بمجهود للتعريف بقوانين الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين وأصحاب حقوق الملكية، والسبل الكفيلة بحماية حقوقهم من الانتهاك كحقوق المؤلف، والمصنفات الأدبية والفنية، والأسماء والعلامات التجارية وبراءات الاختراع، وبرامج الحاسب الآلي.

في حين أضاف ماجد عبد الله الهديان مدير عام الشؤون القانونية بغرفة الرياض أن دور الغرف التجارية الصناعية السعودية في ما يتعلق بحفظ حقوق الملكية ينحصر بتوعية رجال وسيدات الأعمال بضرورة توخي الحذر وعدم الوقوع في فخ التجارة والصناعة المغشوشة أو التي تنتهج من القرصنة وسيلة لتسويق منتجاتها، حتى لا يقعوا فريسة في شبكة التجارة بالبضائع المقلدة أو المغشوشة.