«جائزة غونكور» تنقل مأساة أفغانستان إلى بيوت الفرنسيين

عتيق رحيمي فاز متجاوزاً كل التحديات

TT

هل كان بالإمكان تصوّر فوز الأفغاني عتيق رحيمي بـ«جائزة الغونكور»، عن روايته «حجر الصبر» لولا الأزمة الأفغانية، ولولا دخول القوات الفرنسية المستنقع الأفغاني؟ يعترف الكاتب أنه قضى أياماً طويلة وهو مُكبّ على القواميس والمعاجم بحثاً عن معنى لكلمة ما أو صياغة ما. بمعنى أن تجربة الكتابة كانت عنده صعبة، صعوبة الوضع في أفغانستان التي لا تتخلص من حرب إلا لتلج حرباً أخرى.

يستطيع عتيق رحيمي، وهو ليس بالنكرة، إذْ سبق له أن كتب روايات قبل هذه بلغته الفارسية كما اشتغل بالهم السينمائي، أن يفتخر لكونه أطاح بالكثير من المنافسين الأقوياء، الذين لم يكن أحد يتصور أن هذا الأفغاني المنفي سيجرؤ أن يُزاحمهم في لغتهم الأم.

الأسماء كانت عديدة، وكل الملاحق الأدبية الفرنسية رشحت للغونكور غير هذا الأجنبي، أو هذا القادم من آفاق بعيدة. ابتدأ الرهان على الجائزة الفرنسية الكبيرة على الكاتب اللامع والذكي، ريجيس جوفري Régis Jauffret لكنه لم يصمد كثيراً، وتمّ تعويضه بالكاتبة والناقدة الفنية كاترين ميلي Catherine Millet ثم راحت كما راح آخرون من أهمهم أوليفير رولين Olivier Rolin وروايته المثيرة «صائد الأسود»، والجدير أن هذا الأخير فشل كثيراً من قبل في الفوز بهذه الجائزة.

ما الذي يمكن أن يضيفه فوز هذا القادم من الجحيم الأفغاني إلى الجائزة؟ ربما هو قابلية الفرنسيين، الشوفينيين حقاً، للانفتاح على الآخرين. صحيح أنهم فعلوها من قبل مع فوز الطاهر بن جلون وأمين معلوف والروسي ماكين، ولكن الشروط تختلف إذْ ان بن جلون ومعلوف كاتبان فرنكوفونيان في حين أن الروسي تجري في عروقه دماء فرنسية. هل هو تأثير انتصار باراك أوباما؟ ربما. هل هي دينامية حصول لوكليزيو على جائزة نوبل؟ هل هو انخراط الفرنسيين العسكري القوي، بعد وصول ساركوزي للرئاسة، في أفغانستان؟ هي أسباب من بين أخرى عديدة.

لم يكن ليغيب عن الأذهان تصريح برنار بيفو، وهو صاحب البرنامج الأدبي الشهير «أبوستروف»، وعضو لجنة تحكيم جائزة الغونكور، من أن الجائزة ما كان لها أن تغفل الواقع السياسي، أي حرب أفغانستان. وأضاف بأن الرواية صعبة وأن على القارئ أن يبذل جهدا خلال القراءة. وهو لا يقصد بالضرورة أسلوب ولا معجم الرواية. وإنما كيفية صمود القارئ مع ساردة (امرأة أفغانية عانت من كل أنواع الظلم) وهي تسرد اعترافاتها أمام جسد زوجها (بلا روح تقريبا). رجلٌ ميّت سريريا يحاكي بلدا في حالة موت سريري هو الآخر.

من خلال فوز عتيق رحيمي بالغونكور، أرادت لجنة الجائزة أن تقنع القارئ الفرنسي بأن سيطرة لوبي دور النشر الفرنسية الكبرى(غاليمار/سوي/غراسي) على مصير الجوائز ليس أبدياً، وذلك لتتويجها لدار النشر بول P. O. L

تصل مبيعات جائزة الغونكور في معدلها إلى رقم يتراوح ما بين 300 ألف و400 ألف، وسيكون تحدي الكاتب الأفغاني في الاقتراب من هذه الأرقام صعباً، خصوصا أن فوز فرنسا بجائزة نوبل، هذه السنة، قد خفّف من حماس الفرنسيين لهذه الجائزة الفرنسية وأفرغ بعض جيوبهم. علما أن ثمة كتّابا استطاعوا أن يحطموا هذا الرقم، كما حدث مع الأميركي جوناثان ليتل الذي باع 200 ألف نسخة قبل الإعلان عن فوزه بالجائزة ووصل الرقم بعدها إلى 700 ألف نسخة. سيكون الرهان على عتيق رحيمي ضاغطاً، لأنه أبان، للذين «يحترمون الضيافة الفرنسية»، كما هو شأن الطاهر بن جلون، مثلا، أنه لا يخشى من التصريح بأفكاره. والدليل على الأمر هو أنه عبَّر، بُعيد فوزه بالجائزة، عن انتقاده الشديد لترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم.

كما سيكون من مهام الرواية أيضاً تحسيس الفرنسيين بخطورة الوضع في أفغانستان وتهيئتهم لما هو أسوأ. وأيضا مساعدتهم على فهم تناقضات هذا البلد المضحكة والمبكية، ولعلّ آخرها استعداد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لحماية «أخيه العزيز» الملا محمد عمر (زعيم طالبان)، على الرغم من أنه مطلوبٌ حيا أو ميتا من قبل الأميركان، مقابل مبلغ 25 مليونا من الدولارات. هو الأدب حين يمتزج بالسياسة!