ثقافة التنمية تهيمن على مؤتمر الفكر العربي

الشباب فاجأوا المفكرين العرب بارتفاع نسبة التشاؤم

الأمير خالد الفيصل يتوسط المكرمين في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي («الشرق الاوسط»)
TT

تحت شعار «ثقافة التنمية»، احتشد عشرات الباحثين العرب في القاهرة ضمن مؤتمر مؤسسة الفكر العربي (فكر 7) لمناقشة القضايا المتصلة بثقافة التنمية، والمعوقات الفكرية والاقتصادية التي تعيق التنمية في العالم العربي. وعلى مدى أربعة أيام ناقش المؤتمر قضايا التنمية وحقوق الطبقات الأقل نمواً في العالم العربي للحصول على نسبة عادلة في الثروة والتعليم والمشاركة. ولكن لفت الانتباه الكم الهائل من الكلمات والأفكار التي تعبر عن (طموحات) و(آمال) حاول عدد غير قليل من المفكرين العرب تجميل الصورة العربية وإرسال إشارات متفائلة، عاكسها اتجاه صارم لعشرات الشباب العرب الذين استضافهم المؤتمر في فعاليات مقهى الشباب وعبروا في الجلسات كما في الندوات عن تشاؤم غير مسبوق، وعن صدمة للواقع الذي يعيشون فيه.

فقد أجمع أغلبهم على أن الواقع الحالي لا يشي بالتفاؤل، لا على الصعيد الاقتصادي ولا التعليمي ولا حتى لما يتطلع إليه الشباب في المسرح العالمي.

والغريب أن كلام الشباب لم يلاق صدى لدى المثقفين الذين انشغل بعضهم بإرسال إشارات خاطئة لصاحب القرار وللمهتمين بدراسة وضع التنمية العربية ودور التعليم. وكان المؤتمر قد حفل بمشاركة عدد كبير من الأكاديميين والتربويين والمعلمين ساهموا في اطلاق المناقشات حول قضايا مهمة حول مستقبل التعليم في المنطقة ودور المدرسة في هذا رسم هذا المستقبل، والعمل على التوصل إلى فهم مشترك للمعوقات والصعوبات التي تواجه التعليم في العالم العربي، كما أستمع التربويون العرب إلى خبرات عملية دولية أبرزها من فنلندا لبحث دور المدارس المحلية في التطوير التربوي على المستوى الوطني، وإثارة بعض الأسئلة والأفكار التي سيتناولها المشاركون بالنقاش وتبادل وجهات النظر حول ما قد تعنيه تلك المسائل في المناخ التربوي العربي.

وشهد المؤتمر لأول مرة إطلاق تقرير التنمية الثقافية العربية الذي أنجزته المؤسسة، كذلك أطلق المؤتمر في دورته هذه «مقهى الشباب»، الذي استضاف عشرات الشباب العرب لمناقشة «هويّة الشباب العربي». وعمل الشباب من مناطق مختلفة من العالم العربي، جنباً إلى جنب مع مثقفين ومفكرين عرب، على طرح آفاق متعدّدة وجديدة حول مفهوم «هويّة الشباب العربي المعاصر»، وذلك في محاولة لتبادل الأفكار والخبرات التي من شأنها أن تسهم في بناء جيل من الشباب العربي. كذلك تمت مناقشة قضايا التعليم من أجل النهوض بالعملية التربوية والتعليمية في العالم العربي من خلال الحوار المفتوح على نظام المقهى العالمي، وكان من بين المحاور التي ناقشها الشباب موضوع «المدرسة كمنبع للتطوير التربوي».

وساهم الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي في المناقشات داخل مقهى الشباب، حيث جلس إلى الشباب مستمعاً ومحاوراً حول القضايا والهموم التي يحملها الشباب العرب المشاركون.

* كلمة الرئيس المصري

* وكان الرئيس المصري حسني مبارك، وجه كلمة إلى المؤتمر ألقاها نيابة عنه الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي، أكد فيها أن مؤسسة الفكر العربي نجحت في تكوين نموذج ايجابي يمزج بين الفكر ورأس المال.

ورأى الرئيس المصري أن من حسن طالع الجيل الشاب في العالم العربي أن يكون مشاركاً في بواكير هذا التوجه نحو النهضة، مشيراً إلى أن ذلك هو كل ما تحتاج إليه الأمة العربية في المرحلة الراهنة والمستقبل القريب فثقافة التنمية أصبحت أكثر مقومات النهضة إلحاحاً، وأسمى الغايات التي تسعى بلادنا، حكومات وشعوباً إلى تحقيقها.

* خالد الفيصل: فجوة علمية

* بين العرب وغيرهم

* من جانبه قال الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة «الفكر العربي» إنه ليس من المبالغة القول إن مؤتمر «فكر7» يتعرض لأخطر هذه التحديات المتمثلة في فجوة العلم بيننا نحن العرب وبين غيرنا ممن عرف طريقه إلى التقدم، هذه الفجوة التي نشأت، كما يؤكد ذوو الاختصاص، بفعل التناقض الحاد بين ثقافة التنمية على الجانبين. فكل مواطن وكل مسؤول تقريباً في تلك المجتمعات المتقدمة يعتبر نفسه شريكاً أصيلاً في صناعة المشروع التنموي والحفاظ على مقوماته بينما الفكر الغالب عندنا أن يلقي كل بالمسؤولية على عاتق الآخرين. وبذلك تصبح «ثقافة التنمية»، عنوان مؤتمركم هذا، هي لب المشكلة العربية، التي يتطلب حلها إحداث تغيير في المفهوم السائد وتتضافر الجهود بين أفراد المجتمع ومؤسساته للقضاء على تعثر التنمية وقصورها والانطلاق بها إلى آفاق الشمولية والتوازن والاستدامة على قادة الشراكة الجماعية في إطار المؤسسة الدائم بقطاع الشباب لكونهم الأكثر تعداداً في مجتمعاتنا والمعول عليهم في تحمل مسؤولية المستقبل.

* فتحي سرور: العدالة والتنمية

* الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري، قال إن تحقيق التنمية لا يتحقق بمجرد إعلاء قيم المعرفة التي ينطلق منها أي مشروع عربي للتنمية والنهضة، بل يتعين قبل ذلك توفير المقومات الاستراتيجية الأساسية التي تعتمد عليها التنمية بكافة مجالاتها. وأشار إلى أن النظام الإقليمي العربي الفعال يعتبر هو الإطار المؤسسي الذي من دونه تبدو مقومات العمل التنموي محدودة الأثر، وأكد أنه لا يمكن إقامة النظام الإقليمي العربي بمجرد الإدارة السياسية أو النيات الحسنة، بل لا بد أن يعتمد على كتلة ضرورية من الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية على مستوى القطر العربي في كل دولة على حدة.

ودعا سرور إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي معتبرًا أن عدم تحقيق ذلك من شأنه أن يقلل من أهمية الدور الاقتصادي للدول العربية وتأثيره على القرار في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، مشيراً إلى أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية الإنسانية ما لم تقترن بالعدالة الاجتماعية وهو ما يتفق بوجه خاص مع الوجه الإنساني للثقافة العربية.

وأكد سرور أن ثقافة التنمية لا بد أن تعتمد ابتداء على مرجعية سياسية واقتصادية معاصرة تقوم على الوعي والإيمان بمجموعة من الحقائق التي تفرضها المعاصرة والواقع العربي ومجموعة التقاليد والعادات والقيم التي تنبع من التراث العربي، لافتا إلى أنه إذا ما اعتمدت الثقافة على قيم التنمية القائمة على الحكم الرشيد أدى ذلك إلى انتشار ثقافة محاربة الفساد وارتفاع ثقافة الشفافية والمساءلة. وأضاف: «أن الآثار السلبية للفساد تؤثر على معدلات التنمية بما في ذلك مستوى الخدمات العامة التي تقدم للجمهور وسوء توزيع الدخول في المجتمع، إلى جانب انتشار الفقر بسبب سوء استخدام الموارد أو انحسار الاستثمار وغير ذلك من الآثار التي تعود سلباً على التنمية المستدامة، مما يؤدي إلى خلق ثقافة استغلال النفوذ أو إساءة استعمال السلطة أو ثقافة البيروقراطية أو ثقافة المحسوبية، وكلها ثقافات رديئة لا تطردها غير ثقافة التنمية التي تتوقف على الحكم الرشيد وإعلاء قيم هذه المبادئ ونشرها في ربوع المجتمع».

وأكد سرور أنه إذا ما اعتمدت الثقافة على قيم التنمية القائمة على الحكم الرشيد فإن ذلك يؤدي إلى انتشار ثقافة محاربة الفساد والبيروقراطية وثقافة المحسوبية التي تؤثر على معدلات التنمية. وأعتبر أن أهمية الثقافة أنها تنبع من ضرورة الوعي للنهوض والتغيير، كما أكد أهمية البعد الإقليمي العربي لقضية التنمية وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي كعامل للاستقرار والتنمية وصولا إلى تنمية اجتماعية ترتكز على العدالة الاجتماعية.

وأضاف أنه لا يمكن أن نفصل التنمية عن سياقها الإنساني بوصفها أحد حقوق الإنسان، فالثقافة العربية للتنمية لا بد أن تبدأ من توحدنا الإقليمي العربي على ذاتيتنا الحضارية الإنسانية وتراثنا المشترك.

* من أين نبدأ؟

* ثم عقدت جلسة بعنوان «ثقافة التنمية من أين تبدأ؟» شارك فيها الدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، والباحث المصري السيد ياسين، والكاتب السوري هاشم صالح وأدارها الباحث المغربي علي أومليل.

في مداخلته، أكد الدكتور أبو المجد أن قضية المستقبل ستظل هي الثقافة، بالرغم من اختلاف تقييم الأجيال لها، وقال ان تجربتنا في مجال حقوق الإنسان أكدت أننا لا نستطيع أن نتقدم بها بسبب سجلنا في مجال حقوق الإنسان.

من جانبه أرجع السيد ياسين ثقافة التنمية في عصر المجتمع الصناعي إلى ثلاث قيم أساسية، الفردية وهي محاولة استخلاص الفرد من البنى الشمولية والتي كانت سائدة في المجتمع الزراعي، والعقلانية التي كانت محك الحكم على الأشياء، والحرية التي تلخصت في سياسة التفكير والتعبير والتنظيم، وهذه القيم السائدة أساسية على مستوى النظرية وأيضا التطبيق.

وقال: «هناك إشكاليات لا حدود لها في تعريفات العولمة ما بين أهل اليمين وما بين أهل اليسار ولا بد أن نعتمد على تعريف للعولمة التي أراها في سرعة تدفق الأفكار والسلع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر بغير حدود أو قيود، خصوصاً مع وجود قيود على الهجرة ومحاولة لطرد المهاجرين على أساس أنهم فشلوا في التكيف مع المجتمعات الغربية».

وأشار السيد ياسين إلى أنه لا يوجد مجتمع معلومات من دون ديموقراطية أو شفافية أو حرية أو تداول في المعلومات لكل مواطن، وأن هذه الأمور لم تتحقق إلى الآن في العالم العربي «ليس هناك مجتمع معرفة بغير اقتصاد وإبداع وإنتاج وتسببت الأمية التي تبلغ 40% في الوطن العربي في عدد من هذه المشاكل».

وتساءل هاشم صالح: كيف يمكن أن تحدث التنمية في بلد عربي أو إسلامي إذا كان مهدداً باضطرابات أو حروب أهلية، وضرب أمثلة بما يحدث في العراق ولبنان والصومال وأفغانستان وباكستان وغيرها، وطرح سؤالاً عن كيفية حدوث تنمية ونصف المجتمع مشلول، فالمرأة لا تأخذ حقها في الانخراط في العمل والوظائف والتعليم، كما لا يمكن منافسة المجتمعات الأخرى في مجتمعات عربية تغلب على النظام التعليمي فيها سياسة التلقين والحفظ عن ظهر قلب مقارنة بالبلدان المتقدمة التي يتبعون فيها منهجا آخر يعوّد الطالب على التفكير الحر وإيجاد حلول بنفسه.

أما الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري فقال: «ان هناك مفهوما خاطئا في العالم العربي هو انه عندما نتحدث عن التنمية نتحدث عنها باعتبارها عملية اقتصادية، والأمر نفسه بالنسبة للحديث عن عملية الثقافة التي نتعامل معها على أنها معرفة خاصة يستأثر بها بعض الناس دون غيرهم. أما الواقع فيؤكد على أن مفهوم التنمية هو مفهوم أوسع من ذلك بحيث يشمل كافة نواحي التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية فيما يمتد مفهوم الثقافة ليمتد ليشمل كافة النواحي الحياتية، ومن منطلق فهمنا الصحيح لهذين المعنيين يمكننا التعامل مع بواطن الإيجابيات والسلبيات في الثقافة العربية السائدة في عالمنا العربي».

وأضاف: «لقد ورثت الأمة العربية حضارات مختلفة وديانات قديمة، ويمكننا القول بأن ما ورثته الأمة العربية من ركام حضاري أثقل كاهلها، وفي أحيان كثيرة يكون هذا الركام الحضاري أزمة كما هو الحال بالنسبة للهند على سبيل المثال والتي نرى فيها الناس يموتون جوعاً بينما الأبقار تسد الشوارع».

إننا كعرب ماضويون إلى حد كبير ونلوك تاريخنا ونستعيده، لكننا لا نعيش الواقع، وأصبحنا نعيش في حالة اتكالية حتى أصبحنا عالة على العصر، نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول، ونتهم الغرب بالازدواجية بينما نعاني نحن من تلك الاتكالية، وفي مصر على سبيل المثال تحدثنا عن ثورة صناعية وثورة خضراء وثورة فضائية، لكننا للأسف بدأنا دون أن ننهي ما بدأناه.

وتساءل الفقي: «لماذا نحن متهمون بالتخلف رغم أن ديننا يحثنا على التفكير والاستماع إلى الرأي والرأي الآخر؟ السبب هو أننا متقولبون في جحور دون الانطلاق منها، وفي سبتمبر 2001 تم اجتياحنا سياسياً وثقافياً واقتصادياً، والأميركيون يهدمون البيت علينا ويطالبوننا بأن ندفع نحن ثمن الهدم».

ويرى الفقي أن الحل يتلخص في تطوير العقل العربي بحيث يمتلك الجدية والاستمرار إضافة إلى توفر الإرادة السياسية بما يؤدي إلى إحداث تغيير في العالم العربي يبدأ من الرأس.

وأشار الباحث عامر التميمي إلى وجود ثلاثة معوقات اقتصادية للتنمية الاقتصادية - اجتمعت على مدى السنوات الستين الماضية وهي احتلال فلسطين في عام 1948 وحقبة النفط والانقلابات العسكرية، وكلها عناصر عطلت التنمية المتدرجة سياسياً واقتصادياً وعطلت دور القطاع الخاص وركزت على دور الحكومات وساعدت على هروب رأس المال من مختلف البلدان العربية وكرست لدور الدولة بشكل أكبر مما أدى إلى تعطيل دور القطاع الخاص بشكل كبير، بل وهناك بعض الدول العربية التي تمتلك فيها الدولة مؤسسات من المفترض أنها مسؤولية القطاع الخاص، كما أن هناك دولاً تعاني حالياً من إعادة هيمنة الدولة على مؤسساتها في الوقت الذي تزيد فيه المطالبات بالخصخصة، ومما يزيد من ذلك ما نعانيه في عالمنا العربي من الجمود الفكري من مختلف التيارات السياسية بما في ذلك التيارات الإسلامية إضافة إلى ما يفترضه العالم العربي من أن العالم يتآمر عليه.

وبرأي التميمي فإن الحل يستدعي تطوير القدرات الاقتصادية والثروات والإمكانات وتحسين سبل الرقابة والشفافية لمواجهة تحديات التنمية في القرن الواحد والعشرين مع التأكيد على أنه لا يمكن الانعزال عن العالم في ظل ما يشهده حالياً من انكشاف اقتصادي.

وتحدث الدكتور عبد الرحمن الزيان، عن دور الإعلام في التنمية الثقافية، مشيراً لوجود عناصر إيجابية تتمثل في التاريخ المشترك والجغرافيا المشتركة إضافة إلى العوامل الطبيعية والبشرية، فيما تتمثل العناصر السلبية في ازدراء العمل اليدوي وتهميش دور المرأة في العالم العربي والانقسام الوجداني بين العرب حسب جنسياتهم، ورأى أن الحل يأتي من خلال التخلص من «حالة التشرذم والتفكك التي نعاني منها اليوم وأن نتوحد وجدانياً وأن نحترم بعضنا بعضاً حتى نكون قوة واحدة أمام القبائل العالمية التي نراها اليوم».