أبناء نوح في قرن الانقراض

رئيس مشروع الطاقة النظيفة يحذر أميركا في كتابه الجديد

TT

الكائنات التي أنقذها فلك نوح من الطوفان مهددة اليوم بالموت. ولئلا ينقرض واحد من كل زوج من الكائنات البرية في القرن الـ 21، قرن الانقراض، يتوجب على أميركا أن تكف عن تلويث البيئة وأن تخصص بلايين الدولارات كل سنة من أجل تطوير تكنولوجيا مصادر الطاقة النظيفة. القيام بعمل من أجل استقرار البيئة يبدأ بالسياسة وانتخاب ممثلي الشعب في المجالس والبرلمان والبيت الأبيض. حكومة الولايات المتحدة يجب أن تلعب سريعاً دوراً في خلق هذا التوازن. بالسياسة وعشق كائنات هذه المعمورة يكون الطريق لحماية الكائنات من الانقراض، بالإضافة إلى تثقيف الإنسان حول دوره في الحفاظ على البيئة وسلامة الطبيعة. هذه هي الثيمة الأساسية التي يبشر بها ويحارب من أجلها البروفيسور في الاقتصاد، الأميركي «إبان غودستين» في مؤلفه الجديد الذي يحمل عنوانا رئيسياً «النضال من أجل الحب في قرن الانقراض» وعنواناً فرعياً «كيف يمكن بالسياسة والغيرة أن نوقف الترفع الحروري العالمي». ومن المعلوم أن غودستين له سلسلة من الكتب التي تعنى بالبيئة والاقتصاد، بالإضافة إلى كونه رئيسا لمشروع الطاقة ـ النظيفة ومشهودا له بدفاعه الغيور على سلامة الأرض ومخلوقاتها التي نزحت أزواجاً منذ طوفان نوح لتبحث عن هذه الأرض وفيها تحط رحالها وتواصل الخلق والإنجاب.

في هذا الكتاب الذي يتوزع ما بين التجربة العلمية والمشاهدات العيانية والميدانية نقف إزاء حقائق صادمة في ما يخص عمر هذه الكرة وسكانها، بما فيها من دببة وحشرات وغابات وجبال جليدية. في الكتاب نجد أن أميركا مسؤولة عن مستقبل المعمورة وعن الهواء الذي يتنفسه البشر. ولكن العلماني والملحد والمتدين يمكنهم أيضاً أن يجتمعوا حول هدف واحد وهو الحفاظ على سلامة البيئة، ومهما تباينت معتقداتهم وتوجهاتهم الروحية.

تقع تفاصيل الكتاب في سبعة فصول تم عرضها في 164 صفحة من القطع المتوسط وهي: قرن الانقراض ـ الثروة ـ المعرفة ـ الروح ـ السياسة ـ الحلول ـ النضال من أجل الحب.

للطبيعة سحرها ومعجمها الخاص. لبعض الكائنات الحية أساطيرها التي يعجز الخيال عن تصورها وتفسيرها، وقلما نعرف عن تلك الحيوات شيئا وكلما توصلنا إلى مملكة حيوانية ننذهل أمام سحر هذا العالم ونشعر بتواضع معرفتنا. وليست رحلة أسماك السلمون المعروفة إلا مثالاً على أسطورة الخلق. فدورة الحياة القاسية التي تواجهها هذه الكائنات وهي تسافر آلاف الأميال عكس التيار كي تضع بيوضها وترعى بعد ذلك. هناك أمثلة مذهلة أخرى نقرأ عنها في الكتاب ونشاهدها في هذا العقد الأخير، حيث ازداد الاهتمام بالبيئة والتطرق إليها سياسياً وإبداعيا وإخراجاً سينمائياً. أفلام حازت جوائز تقديرية لما تحمله من نداءات للحد من خراب المعمورة. ومن الأمثلة على ذلك فيلم وثائقي جميل يعرض صراع طائر البطريق من أجل البقاء باسم «مسيرة البطريق»، وهو قطعة جمالية مذهلة يصور دورة حياة وتكاثر هذه الكائنات الجميلة. ولكن، هل يلزمنا بقاء البطريق والبعوض والحيتان والغابات وكل هذه الكائنات التي لا نعرف أسماءها وتعيش بعيدة عنا ملايين الأميال! نعم يبدو أن البقاء رهن عمل الأفراد والجماعات ومن هنا كان ابتكار قانون أخلاقي للتصرف مع الطبيعة وكائناتها. ومن هنا وجدت أخيراً أحزاب سياسية «خضراء» تقارع من أجل الوصول إلى السلطة والعمل على تنفيذ أجندة بيئية متطورة.

يرى الباحث أيضاً أن ما نملكه من معرفة متطورة ومن ثروة وتقدم تكنولوجي يجب أن يكرس لإطالة عمر الأرض وكائناتها وكل رقعة فيها من ماء أو يابسة وبما تحتويه في أعماقها من حيوات سرية ومعروفة. وهذا لا يتحقق إلا بتربية النفوس والأجيال الجديدة على احترام البيئة في كل خطوة ومشروع.

في الصفحة 122، يختم المؤلف كتابه بفصل الشغف بالحياة وحمايتها بالعودة إلى كلمة شهيرة قالتها القائدة العمالية والناشطة الاجتماعية الإصلاحية الشهيرة في ذاك الوقت «الأم ـ ماري جونز» في حادث مقتل امرأة عاملة «احزنوا على الموتى، ولكن قاتلوا حتى الجحيم من أجل الأحياء» ويقول غودستين: «نحن هنا نعيش صراعنا الخاص من أجل الأحياء، وهذا بحد ذاته معنى وجودنا».

يحاورنا الكاتب بشغف وحكمة وأرقام، مستخدماً قوته التعبيرية الشفيفة التأملية، قناعاته الروحانية ومقدراته العلمية، تاريخه الشخصي في العمل والتدريس في هذا الحقل، ويترك بين أيدينا خلاصة فكره وحلوله المقترحة لإنقاذ هذه الأرض من جريمة ترتكب بحقها.

* شاعرة وكاتبة سورية

مقيمة في كندا

* مقطع من الكتاب

* عندما أمشي قرب الجبال القريبة من بيتي، أدرك بأن هذا الجوار سوف يختفي، المائة سنة من الترفع الحروري سوف تقضي على جبال الجليد، الأسماك، الحيوانات، الأنهار والمستنقعات، وسوف تحرق عشرات الغابات التي تغطي المستنقعات، ورغم ذلك كل يوم أشعر بأن الحياة من حولي قد أصبحت أثمن، وأغنى في محتواها وما تكشفه من أسرار هذا الكون، وتعدنا بأشياء ثمينة في المستقبل. ولأنني أشعر بهذا فأنا ممتن لمقدرتي على النضال من أجل هذا الحب، ولكوني فرداً في هذه الحركة التي تعمل على إيقاف الترفع الحروري العالمي. العقد الجديد من هذا القرن سيكون أكثر إنسانية من كل ما فات. نحن نقف الآن في لحظة تاريخية، نحمل عالياً في أيدينا هدية حقيقية لأحفادنا وأولادهم. هدايا مضيئة من الرمل والمرجان، هدايا من طبقات الجليد والثلوج بحجم القارات، هدايا من الدببة القطبية والفقمات وأسماك السلمون، ومن الغابات العتيقة. يا لها من هدايا رائعة. يا له من زمن للعيش! ص 12.