تركي الحمد: صراع الغذامي والعلي ليس «حداثيا» بل صراع على الزعامة

الصراع بين جناحي «الحداثة» السعودية يستعر والضربات تحت الحزام

د. تركي الحمد
TT

تحول الصراع بين قطبين بارزين مما يمكن أن يصطلح عليه بالتيار الحداثي في السعودية، إلى سجال (شخصي) بعد ما كتب كل من محمد العلي والدكتور عبد الله الغذامي ردوداً حادة على بعضهما بعضا على صفحات الجرائد والمنتديات الأدبية. والملاحظ أن التراشق شبه اليومي بين الرجلين لم يطل المنجز الثقافي، أو الفكري لكليهما، بقدر إتيانه على السيرة الشخصية والممارسات الخاصة، ففي حين اتهم محمد العلي خصمه الدكتور الغذامي بأنه «مدع وناقد من النقاد لا أقل ولا أكثر»، ردّ الغذامي بالقول إن «حصاني مُسرج ولكن الطريدة هزيلة».

ويرى الدكتور تركي الحمد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الصراع ليست له علاقة بقضية الحداثة التي يعتبر العلي والغذامي من أبرز رموزها، إنما هو صراع له علاقة بقضية الزعامة، فالمثقف السعودي لديه هاجس الزعامة لأنه يعتقد بأن كسبها لا بد أن يكون على حساب الآخرين، أو أن الآخرين سيكسبونها على حسابه.

وكاد الصراع بين الرجلين أن ينزل إلى مدارك جديدة لولا أن الدكتور الغذامي قال بوضوح إنه لم يقصد التجريح (الطائفي) لخصمه العلي حين وصفه بـ«الشين»، وهو ما اعتبره العلي ساعتها نوعاً من التحريض، بل لم يقصد سوى الإشارة إلى الانتماء الفكري لخصمه العلي، وهي المزاعم التي تلاحق العلي مثلما تلاحق العشرات من المثقفين، خاصة الذين كانت لهم صلات في الستينات بأحزاب ومثقفين يساريين في العالم العربي.

الغذامي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فأعاد المفردات التي استخدمها في سجاله مع العلي، لكنه أضاف عليها القول إنه «من الحكمة في هذه المواقف أن يختار المرء خصومه مثلما يختار أصدقاءه، وهذا مبدأ أساسي عندي. وأظن أن من حقوق العلم ومن كرامة العلم ألا نهدره في ضروب ما يمكن أن نسميه المراهقة الثقافية»، معتبراًَ أن مذمة محمد العلي ضده «ليست بذات شأن»، معيداً القول «إن خيولي مسرجة، ولكنها ليست لملاحقة الطرائد الهزيلة». وعما إذا كان الحوار الأخير بينه وبين العلي خرج عن المألوف، قال الغذامي: «صحيح، لكن ينبغي التأكيد أن هذا ليس حوارا، فمن جهتي لم أحاور، ولا أظن أنني أمام شخص من الممكن أن أتحاور معه، لأنه ليس عنده أطروحة للحوار أصلا، هو فقط تفوه بألفاظ هي من معجمه الخاص»، مضيفاً أن العلي «لا يتوفر فيه أي شرط من شروط الخصومة العلمية المعرفية، التي هي أخلاق المعرفة، ومصداقية المعرفة، لذلك لا مجال هنا لحوار معه ولا لخصومة معه».

أما العلي، فقد رفض في اتصال مع «الشرق الأوسط» التعليق على هذا السجال. لكن ما رأي المثقفين السعوديين في كل ذلك؟

يقول المفكر والروائي السعودي الدكتور تركي الحمد لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك تيار حداثي أو ليبرالي في السعودية بالمعنى الدقيق. لقد شهدت فترتا الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ظهور مجموعة من الشباب لهم توجهات حداثية، وكانت بالتحديد حداثة أدبية، ولكن لم يكن لديهم مشروع حداثي شامل، لأن الحداثة لا تؤخذ مجزأة». ويضيف الحمد:

«اصطلح على تسمية هذه المجموعة من المثقفين والأدباء بتيار الحداثة، لكنهم في الواقع ليسوا أكثر من مجموعة أفراد يهتمون بالحداثة الأدبية فقط، إضافة إلى أنهم لا يشكلون تياراً متماسكاً له منطلقات ثابتة وأفكار ورؤية يطرحها. هناك مثقفون لهم أطروحات معينة لكنها لم تدخل في صميم الحداثة الحقيقية وإنما تعاملت مع الحداثة بجانبها الأدبي فقط، وكان تأثيرهم محدوداً، لأنهم كانوا يطرحون قضايا بعيدة عن اهتمام السواد الأعظم من المجتمع، ولم يكن إنتاجهم الأدبي يلقى رواجاً لأنهم كانوا مغرقين في الرمزية». ويشير الحمد إلى أن قضية الصراع ليست ذات علاقة بقضية الحداثة التي يعتبر العلي والغذامي من رموزها الأبرز، «إنما الصراع له علاقة بقضية الزعامة». كما يقول الحمد، الذي يشير إلى أن هذه المشكلة موجودة لدى كثير من المثقفين السعوديين؛ فالمثقف السعودي لديه هاجس الزعامة لأنه يعتقد أن كسبها لا بد أن يكون على حساب الآخرين، أو أن الآخرين سيكسبونها على حسابه. ويشدد على أن السقطة التي وقع فيها السجال الذي دار بين الغذامي والعلي، هي الشخصنة، لأنه كان يمكن لهذا السجال أن يضيف إلى الساحة الثقافية، لو تمت مناقشة الأفكار وطرح رؤى جديدة من الطرفين، إلا أن هذا الطرح تحول إلى مهاترات، عندما لجأ الخصمان إلى ماضي كليهما للبحث عما يدينه. ويرى الحمد أن هذه الحادثة أضرت برمزية المثقف وبدوره كقدوة في المجتمع. فطرفا الصراع من القامات الثقافية التي لها وزنها في الوسط الثقافي، مشيراً إلى أن صورة المثقف في المخيلة الاجتماعية اهتزت نتيجة هذا السجال الذي استدعى فيه الطرفان أدوات غير ثقافية في تعاملهما مع الخلاف الذي دار بينهما. كما أن لهذا الصراع دورا سلبيا على صورة المثقف وتأثيره في المجتمع. من جهته، يقول الناقد سعيد السريحي عن هذا السجال إنه يربأ بنفسه عن الدخول في معترك يدشنه رائدان يكن لهما كل التقدير والاحترام بهذه الطريقة التي لم يكن يجدر بأي منهما أن ينتهجها لما فيها من مخالفة لشخصه وثقافته، ولما فيها من إساءة للساحة الثقافية. ويعتقد السريحي أن الاثنين أغلقا باب الحوار في هذه المسألة التي كان يمكن لها أن تدار على نحو ثقافي يثري الساحة لا أن تتحول إلى شتائم متبادلة كنا ننكرها على آخرين ونترفع تعففاً عن أن ندخل طرفاً فيها.