«صندوق» غونتر غراس الجديد لا يتضمن أسرارا

جزء ثان من سيرته الذاتية

TT

«الصندوق» عنوان عمل روائي جديد للكاتب الالماني المعروف غونتر غراس وهذه الرواية تشكل الجزء الثاني من سيرته الذاتية «خلال تقشير البصل»، التي أثارت ضجة كبيرة حين صدورها بسبب اعتراف غراس بانضمامه الى جهاز «إس إس» النازي المعروف أيضا بـ «قوات النخبة» الذي قام بقتل وتصفية الملايين من المعارضين للنازية في المانيا من الشيوعيين واليهود والغجر.

يبدأ غراس روايته الجديدة «الصندوق» هكذا:

(كان هناك أب حين تقدم به العمر، نادى على اولاده وبناته ..الاربعة، الخمسة، الستة، الثمانية، بعد تردد طويل جاءوا وهم يجلسون الآن حول المائدة ويتحدثون).

يختار غراس في روايته الجديدة اسلوب الحكاية لعرض سيرته الذاتية فيمكن قراءة هذه الرواية كعمل مستقل أو كجزء ثان من سيرته الذاتية «خلال تقشير البصل»، ويمكن أيضا قراءة فصول الكتاب كحكاية مستقلة. إنه اسلوب غراس لاعطاء استراحة قصيرة لقارئه ومنحه شكل وطريقة القراءة أيضا. ويبدو ان الهجمة التي تعرض لها بعد اعترافاته الهائلة في الجزء الأول من سيرته الذاتية دفعته الى هذه الطريقة في الكتابة وهي تشبه إعلان هدنة ما مع القارئ.

في حين يرى بعض النقاد الألمان والمتابعين لتجربة غراس ان «الصندوق» هو رد مبطن على الذين انتقدوه في الجزء الأول من سيرته الذاتية «خلال تقشير البصل».

وكان غراس قد تعرض الى حملة منظمة ومبرجمة من الجميع: من اليمينيين واليساريين من المثقفين والسياسيين والاناس العاديين وحتى من زملائه الكتاب والشعراء والفنانين بسبب الدوي الهائل للقنبلة التي فجرها غراس، والتي أدت الى «سقوط غراس أخلاقيا»، حسب تعبير بعض مهاجميه، لأنه هو الذي كان رأس حربة في الهجوم على الذين تستروا على ماضيهم النازي.

لكن، هل كل ما يقوله غراس في «الصندوق» هي الحقيقة ام انها «الحقيقة» المصنوعة في مخيلة الكاتب. يقول غراس: مهنة الكاتب تفرض عليه الكذب، والأدب الجيد هو شكل ما من أشكال الكذب.

لا يترك غراس لقارئه الخيار، يحشره في الزاوية الصعبة ويروي له تلك الاكاذيب بطريقة لا يعرف ان كانت حقائق أو أكاذيب ويبدو ان اقلاق راحة القارئ ودفعه الى البحث عن الحقيقة هما أيضا من مهمات الكاتب العظيم كما يقول غراس بصورة غير مباشرة في كتابه «الصندوق».

في هذا الجزء من سيرته الذاتية، لا يثير غونتر غراس احدا، يقص فقط حكايات هادئة عن رجل واولاده الثمانية، وعبر تلك الحكايات يرسم غراس صورة واضحة المعالم له ولاسرته ولسنواته الثمانين.

اما أسراره، اذا ما كانت هناك اسرار اخرى غير تلك التي اعترف بها في الجزء الاول من سيرته الذاتية قبل سنتين، فربما تكون في صندوق آخر غير هذا الصندوق.