الموسيقى المعاصرة والديانة المسيحية

المهرجان السنوي للأغنية الأميركية وزع جوائزه

TT

عقد أخيراً، المهرجان السنوي للأغنية الأميركية، ووزعت فيه جوائز لأحسن الأغاني، وأنجح الألبومات، وألمع الفنانين والفنانات، في مختلف انواع الموسيقى الأميركية.

تابع الحفل الذي نقله التلفزيون الأميركي أربعون مليون شخص، وعدد آخر يصعب حصره من المشاهدين، تابعوا المهرجان عبر محطات أخرى نقلت الحدث، بالاضافة إلى أفلام فيديو عن المهرجان ستعرض في دول خارجية في وقت لاحق. فالأغنية الأميركية التي تعبر عن شعبها وآلامه وأحلامه باتت على أفواه العالم أجمع، ولم تعد حكراً على الأميركيين وحدهم، فما الذي تقوله هذه الأغنيات؟ وما هي خلفياتها؟ وما الذي يردده شبابنا في لحظات نشوتهم الموسيقية؟

صار واضحاً من خلال ما عكسه المهرجان السنوي أن الأغنية الأميركية باتت من أركان العولمة. وفي كتاب «أشهر خمسمائة أغنية في العالم»، كان أكثر من ثلثي الأغاني أميركية. وعلى قائمة أشهر عشر أغنيات في العالم، كانت كلها أميركية او بريطانية: بوب ديلان، ورولنغ ستون، وجون لينون، ومارفين غاي، واريثا فرانكلين، وبيتش بويز، وشك باري، والخنافس، ونيرافا، وراي شارلز. ماذا تقول كلمات هذه الاغاني؟ وماذا يردد عشرات الملايين من الناس، في اميركا وفي كل أنحاء العالم؟

في المهرجان الأخير للأغنية فاز بجائزة أحسن مغني «روك آند رول» كريس براون، عمره 18 سنة. يسمى «الفيس الاسود»، لأن الفيس بريسلي، ملك الروك أند رول، بدأ يغني في المناسبات العامة وكان في السن نفسها. كان ذلك قبل اكثر من خمسين سنة.

وفازت بجائزة أحسن مغنية «روك اند رول» الشهيرة ماريا كاري. عمرها يقارب الأربعين، ومن الجيل القديم في هذا المجال. أغانيها «رومانسية صاخبة»، مع وجود اختلاف طبيعي بين كريس براون (الرجل) وهو يطمئن حبيبته، بينما تتظلم ماريا كاري (المرأة) من حبيبها، لكنها تريد ان تغفر له، وتفتح صفحة جديدة معه. فازت اغنيتها «آي ليف ان لف» (أعيش في الحب) التي تقول: «أموت في أعماقي لأنني لا أقدر على الصبر، لا أقدر على الخصام يوماً والصلح يوماً. أعمل كل ما أستطيع ليستمر حبناً يا حبيبي. إذا لم تعرفني حتى الآن، متى ستعرفني؟ لن تعرفني ابداً! أريد منك ان تحبني بدون اي شرط. أريد منك الا تتركني. أريدك ان تعود. أريد أن أغفر لك كلما أخطأت في حقي». لا يوجد اختلاف كبير بين أغاني «روك آند رول» واغاني الـ«بوب». لكن ربما كانت أغاني الـ«بوب» (اختصار لكلمة بوبيولار) اكثر شعبية، ويعود تاريخها إلى القرن السابع عشر عندما أنتج الايطاليون اول أوبرا شعبية، لأن الاوبرا كانت، ولا تزال، «أرستقراطية».

وفي القرن الماضي، ظهرت فرقة «بوب» أميركية مثل «كاليفورنيا غيرلز» (بنات كليفورنيا)، و«وندي». وفي الوقت الحاضر، أكثر الأغاني شعبية هي أغاني الـ«بوب»، وتاريخها الحديث مرتبط بفرقة «ابا» السويدية التي نشرت، في كل العالم، أغنيات كلماتها بسيطة، ولغتها واضحة، وعواطفها متوازنة.

وفي المهرجان الأخير، فازت ريحانة بجائزة أحسن مغنية «بوب»، وهي سوداء من جزيرة بربادوس (في البحر الكاريبي)، متأثرة بالمغني الكاريبي الاسود بوب مارلي، عمرها عشرون سنة. وفازت اغنيتها «ريهاب» (اعادة تأهيل) التي تقول: «أنت حبيبي، وأنت صديقي، وأنت عشيقي. كلهم في واحد، في علبة، مغلقة، ملفوفة ومربوطة. لكنك، فجأة، تركتني، كانك قتلتني برصاصة عمداً. لهذا، أحس أن قلبي خرج من جسدي. أحس انني خاوية. أنت سبب دخولي مستشفى اعادة التأهيل ...».

ويوجد اختلاف واضح بين عواطف المرأة وهي تشتكي، وعواطف الرجل وهو يطمئن. مثل أغنية «اوول سمر لونغ» (كل الصيف) التي يغنيها ريد روك، وعمره أربعون سنة، وفاز بجائزة أحسن أغنية «بوب» التي تقول: «سنة 1989، كنت أصغر، وكان شعرى أطول. كان عمري سبع عشرة سنة. كنا على بلاج شمال ولاية ميشيغان، نسبح نهاراً، ونشعل معسكرات النار بالليل. كان ضوء القمر ينعكس على شعرك. شربنا كل شيء، واكلنا كل شيء، وفعلنا كل شيء ...».

وكما في بلاد أخرى يوجد في أميركا اختلاف واضح بين أغاني المدن وأغاني الريف التي يسميها الأميركيون: «كونتري»، وتنتشر في ولايات الجنوب، الأكثر تقليدية، وأكثر تديناً ومحافظة، وربما كانت هذه هي أساس كل الأغاني، وموسيقاها من أقدم أنواع الموسيقى، خليط من أغاني رعاة البقر ومزارعي القطن والتبغ. وفي الوقت الحاضر، صارت ناشفيل (ولاية تنيسي) عاصمة لها، ومن نجومها: جوني كاش، وشارلي رتش. ومثل أغاني الـ«بوب»، كلماتها أكثر بساطة، ومعانيها أكثر وضوحاً، لكنها بطيئة، وهادئة، وقصصية.

وفي مهرجان الأغنية فاز بالجائزة السنوية عن أغاني «كونتري» برادي بيسلي، وعمره أربعون سنة تقريباً.غنى «ستارت باند» (تأسيس فرقة موسيقية). وهي أغنية قصصية تروي حكاية تأسيس فرقة موسيقية على النحو التالي: «لم أكن جاداً في حياتي، لم أكن تلميذاً نجيباً. لم يعطف علي مدرس أو مدرسة. لم أكن رياضياً ناجحاً. كنت ساحتاج عشرين سنة لأنال شهادة في القانون. لهذا، جلست مع والدي ووالدتي. كانت نصائحهما مثالية أكثر مما يجب. كنت أعرف انني لن أقدر على تنفيذها. لكن، كانت أحسن نصيحة من صديق شقيقتي الذي قال لي: اشتر قيثارة، وتعلم كيف تغني، والبس جينزاً مخروقاً، وملابس غير مهندمة، وابحث عن اسم غريب لفرقتك مثل «ستارت ايه باند». كانت كل البنات ترفضن الاقتراب مني، ناهيك عن الحديث معي، وممارسة الحب. لكنهن، الآن، يقفن طوابير طويلة أمام المسرح في انتظار خروجي...». بنفس النهج القصصي جاءت أغنية «لاف ستوري» (قصة حب) للمغنية تايلور سويفت، عمرها تسع عشرة سنة، وفازت بجائزة أحسن مغنية «كونتري».

الـ«هيب هوب» تعتبر من أحدث أنواع الأغاني، وتسمى أيضا «راب». ظهرت في سبعينات القرن الماضي، في حي هارلم (حي الزنوج) في نيويورك. وهي كلمات أكثر مما هي موسيقى، ورقص سريع مثير فهي أكثر منها رقص رومانسي بطيء.

وهي نوعان: الاول، «ترايدشنال» (تقليدي) والثاني، «غانغستار» (عنيف).

الحقيقة هي أن أغلبيتها ليست عنيفة، بل انسانية واجتماعية، عن قضايا الجريمة والمخدرات والظلم، خاصة ظلم البيض للسود، منذ أيام تجارة الرقيق، وحتى الوقت الحاضر وإن لم تكن علنية. بعض أغاني الـ«هيب هوب» هذه فيها كلمات بذيئة، مثل: «نيغر» (عبد) لوصف السود، و«بيتش» (كلبة) لوصف البنات، و«ديفيل» (شيطان) لوصف البيض، و«تارغيت» (هدف) لوصف رجال الشرطة. خلال السنوات العشر الماضية، اشتهر بهذا النوع من الـ«هيب هوب» مغنون مثل «آيس تي» و«نيغر اتيتيود» (زنجي مناكف). وفي المهرجان الأخير، فاز المغني الاسود، كانيا ويست (ثلاثون سنة) بجائزة أحسن مغني «هيب هوب». ولا توجد جائزة لأحسن مغنية، وربما يمكن فهم السبب. لكن، أخيراً، ظهرت مغنيات يغنين لظلم الرجل للمرأة، وربما يوماً ما ستكون هناك جائزة لهن، وستكون هذه حركة إصلاحية في هذا المجال لأنه، بصورة عامة، مجال رجالي أكثر مما يجب، غوغائي ومناكف.

في السنة الماضية، قال كتاب «لماذا يحب البيض أغاني السود؟» ان الأولاد والبنات الذي يحبون هذه الأغاني ولا يفكرون كثيرأ في معاني كلماتها، ولا يتفلسفون في تحليلها. انها فقط كلمات للغناء والرقص. تقول بعض كلمات أغنية «هارتلس» (من دون قلب) التي فاز صاحبها كانيا ويست في المهرجان: «عندما هب إعصار كاترينا على نيواورلينز، لم يهتم الرئيس بوش بالسود.

تركهم جثثاً سوداء تطفو على سطح الماء. بوش لا يحب السود، والرئيس ريغان لم يكن يحب السود أيضاً. هذه موسيقى مخدرات أيها العبد (نيغر). هذه موسيقى السود أيها العبد. نشروا المخدرات في أحياء العبيد. استثمر البيض في المخدرات مثلما استثمروا في بنك «ميريل لنش» يعلقوننا من فروع الاشجار. في الماضي، والآن. وهكذا، صارت الموسيقى هي سلوانا، هي صلاتنا، هي علاجنا. عن البيت غاب الأب، وغابت الام في العمل. نعيش في سجن اسمه البيت. يرسلون لنا المخدرات لنظل مدمنين طوال حياتنا، لا نزعجهم، ولا نخيفهم. ريغان باع لنا المخدرات، وبوش تركنا نغرق. من أعطى صدام حسين الانثراكس؟ اسألوا بوش ...».

هناك جائزة «اولترنيتف روك» (الروك البديل). وكما هو واضح من اسمها، تكافىء أغاني الموجة الجديدة التي بدأت خلال ستينات القرن الماضي، في سنوات المظاهرت ضد التدخل الامريكي في فيتنام، وضد التفرقة العنصرية، ومن أجل مساواة المرأة بالرجل. هي أغنيات يسارية متطرفة، ويعتقد انها بدأت في بريطانيا، ومنها كانت أغنية «إعلان الحرب على اميركا». وفي المهرجان، فازت عن هذه الفئة فرقة «لنكون بارك» عن أغنيتها «وات أي هاف دن» (ماذا فعلت؟) والتي تقول: «كيف أصل إلى الحقيقة وأمامي ألف كذاب. لا مخرج سوى الرحمة لنفسي. رحمة تغسلني، وتنظفني، وتطهرني. سأغسل جسمي بيدي، حتى أصير نظيفاً وطاهراً. لكن، يديّ ليستا متأكدتين مما تفعلان...».

رغم أغاني التطرف، والغضب، والإباحية، والثورة، تزدهر أغاني «كونتمبوراري» (الحديثة المعاصرة). تعود جذورها إلى أوروبا الرومانسية، قبل قرنين، وإلى وصف البنات البريئات، وخدودهن الوردية، وتخيل الزواج والاولاد. في أميركا، بعد الحرب العالمية الثانية، صارت هذه الأغاني حديثة ومعاصرة، صارت كلاسيكية جديدة، عاطفية رومانسية. صار فرانك سيناترا، ربما أشهر من غنى هذا النوع من الاغاني، لا ومغني واحدة من أشهر الأغاني في التاريخ: «سترينجرز ان ذا نايت» (غريبان في الليل).

ومن الفائزات بهذه الفئة جوردين سباركز، عمرها عشرون سنة، والدها لاعب كرة قدم مشهور، ووالدتها ممرضة بيضاء، تلبس خاتم العذرية، وهو تقليد وسط بنات أميركا يعني رفض ممارسة الجنس قبل الزواج. وقد فازت عن أغنيتها «ون ستيب أت تايم» (خطوة، خطوة). ومن الفائزين فرقة «ثيرد داي» (اليوم الثالث). نالت الجائزة عن أغاني «سبريتشواليزم» أو الروحانيات. اشتهرت الفرقة بأغانيها في فيلم «باشون اوف كرايست» (حب المسيح). والأغاني الدينية هي أقدم الأغاني الاميركية. جاء بها المهاجرون الاوئل، قبل خمسمائة سنة تقريبا، وغنوها وهم الهاربون من الكبت الديني في أوروبا، وغنوها وهم يستمتعون بالحرية في أميركا.

ربما يبدو غريباً أن توزع جوائز لأغنيات دينية في مهرجان وزعت فيه جوائز لأغاني العنف، والجنس، والتطرف، والثورة. لكن، حسب استفتاء من السنة الماضية أجرته مؤسسة «بيو»، يؤمن اكثر من تسعين في المائة من الأميركيين بالله. ويذهب أكثر من سبعين في المائة إلى الكنائس بصورة غير منتظمة، وأكثر من ستين في المائة بصورة منتظمة.

لهذا، فان الأغنية المسيحية هي أساس الأغاني الأميركية، مثلما ان الفكر المسيحي هو أساس الفكر الأميركي، والثقافة المسيحية هي الأساس الذي تقوم عليه الثقافة الأميركية. تقول بعض كلمات أغنية «ماونتين اوف جود» (جبل الله): الدينية التي فازت في المهرجان: «كنت وحيداً، خائفاً، فاشلاً، وأنا أسير في الوادي، لكنك كنت معي، نعم لقد كنت معي. لم أكن أعرف انني فقدت طريقي، لكنك كنت معي، نعم لقد كنت معي. رغم ان الرحلة طويلة، والطريق وعر، والوادي موحش، لكنك أمامي، وخلفي، وفوقي. الآن عرفت الحقيقة. سأسير في الوادي، حتى أصل إلى جبل الله».