كردستان تحبو صوب السينما بمعونة فرنسية

TT

بالرغم من الجهود المتواضعة التي تبذل على مستوى غير رسمي لزرع النواة الاولى لسينما كردية، إلا أن المشوار ما زال طويلا من وجهة نظر العديد من الاكاديميين الأكراد. ويعتبر المعهد الكردي-الفرنسي الذي تأسس عام 2004 في مدينة السليمانية عاصمة الثقافة والفنون الكردية، إحدى ابرز المؤسسات الأكاديمية ان لم تكن الوحيدة المهتمة بتطوير السينما الكردية، من خلال تأهيل مخرجين ومصورين وكتاب سيناريو من الشباب الصاعد عبر دورات تدريبية مكثفة ومتواصلة لتمكينهم من البدء بالخطوة الأولى على طريق تدشين مسيرة السينما الكردية، لا سيما في مجال الافلام الوثائقة التي كانت كردستان مسرحاً غنياً لها. إذ طالما وجد صناع السينما في هذا الاقليم قصصاً تستقطب الاهتمام تستحق ترجمتها إلى أفلام.

ويقول آرام سعيد مدير المعهد الكردي– الفرنسي «ان المعهد ينظم باستمرار دورات لتعليم الطلبة والشباب الكردي اللغة الفرنسية التي يسعى قطاع كبير منهم إلى تعلمها، إلى جانب إقامة ورش عمل مستمرة لتأهيل الكوادر في مختلف المجالات المتعلقة بالسينما وإخراج الأفلام الوثائقية تحديداً». وأضاف سعيد في حديث لـ «الشرق الأوسط»: «ينظم المعهد الكردي– الفرنسي ومنظمة التردوك الفرنسية وبالتعاون مع مؤسسة (خاك) الكردية للطباعة والاعلام، ورشة عمل خاصة بإخراج الأفلام الوثائقية وتدار الورشة من قبل عدد من الأساتذة والمحاضرين في المعهد الفرنسي، والغاية منها هي تكريس المهنية في صناعة الفيلم الوثائقي وتعليم المتدربين كيفية إخراج الفيلم الوثائقي واكسابهم المهارة في استخدام الأدوات التقنية علاوة على فتح نافذة بين الكتاب والتقنيين الأكراد والفرنسيين عن طريق تبادل الخبرات وبناء العلاقات بين المراكز الفنية في فرنسا وكردستان».

ويؤكد سعيد بأن المعهد الذي ليس له فروع في بقية مدن الإقليم، تمكن عبر ورش عمل مماثلة نظمها في شهر فبراير (شباط) المنصرم من انتاج ستة أفلام وثائقية نجحت في المشاركة في ثلاثة مهرجانات عالمية، وعزا الاسباب التي كانت تحول دون مشاركة الافلام الكردية في المهرجانات العالمية في السابق إلى جملة أسباب أهمها عدم الالتزام بسلسلة من الشروط التقنية الاساسية مثل نقاء الصوت والتقطيع الصوري او المونتاج إضافة إلى التسلسل الزمني لأحداث الأفلام، وتابع يقول: «هذا المعهد متخصص في الشؤون الثقافية بمختلف جوانبها ويعمل جاهدا لمد جسور العلاقة المتينة بين الثقافتين الفرنسية والكردية»، مشيراً إلى وجود مشاريع ثقافية عديدة هي الآن قيد التنفيذ بين الجانبين، لعل أبرزها إقامة متحف كبير قرب إحدى اكبر الحدائق في قلب مدينة السليمانية وبالتعاون مع «منظمة مطر الطيور» الفرنسية التي تمكنت من الحصول على مائة لوحة لكبار الفنانين في العالم سيتم وضعها في ذلك المتحف الخاص بلوحات مشاهير الرسامين في العالم بمن فيهم الرسامون الكرد». وفي ما يتعلق بالتمويل المالي لهذا المعهد يقول سعيد «لدينا عدة مصادر تمويل في مقدمتها السفارة الفرنسية لدى بغداد التي تقدم دعماً كبيراً، ووزارة الثقافة في حكومة إقليم كردستان التي تقدم مساعدات جيدة إضافة إلى معونات من رئيس الجمهورية جلال طالباني». وأوضح سعيد بأن المعهد يستعد من الآن لتنظيم مهرجان عالمي للأفلام الوثائقية خلال شهر اكتوبر (تشرين الاول) المقبل.

من جانبه يقول بودوا كوينك، مسؤول فرع منظمة التردوك الفرنسية والشريك الرئيسي للمعهد في العديد من مشاريعه انه يعمل مع زوجته فلفوا البرتي في إقليم كردستان منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، ويقوم بانتاج أفلام وثائقية لصالح قناة (اي آر تي) الفرنسية وغيرها من القنوات، وأثناء زياراته المتكررة للأقليم، التقى بعدد من الأكاديميين المهتمين بشؤون السينما، فعرضوا عليه فكرة اقامة هذا المعهد، وهو ما تم بالفعل. وتابع كوينك الذي يعمل مدرساً للفنون السينمائية بجامعة «إكس أون بروفانس» بمدينة مرسيليا حديثه بالقول «منظمة التردوك تأسست عام 2000 وهدفها رعاية الأفلام الوثائقية المنتجة في مختلف بقاع العالم، واقامة جسور للحوار بين المهتمين بشؤون السينما في أوروبا واقرانهم في مختلف ارجاء العالم». وعن مدى تأثير أنشطة المعهد وانعكاساتها الايجابية على مستوى الافلام الوثائقية الكردية قال كوينك: «الافلام المنتجة حالياً توضح مدى ذلك التأثير الايجابي للمعهد، كما أننا نسعى وبشكل دؤوب لتأهيل الشباب الكردي في مجال كتابة وصياغة القصص وتمكينهم من الاستخدام الامثل للوسائل والتقنيات الحديثة في مجال الانتاج السينمائي، ونحاول ان نبرهن بالملموس بأن السينما هي إحدى الوسائل الفاعلة لتكريس مفاهيم الديمقراطية في المجتمع». ويؤكد كوينك بأن السينما الوثائقية في كردستان قطعت خلال السنوات القليلة الماضية أشواطاً كبيرة وحققت نجاحات باهرة والدليل على ذلك مشاركة مجموعة من الافلام الوثائقية الكردية في المهرجانات العالمية، وحصدها جوائز جيدة. وخلال السنوات الثلاث المقبلة ستتمكن السينما الوثائقية الكردية من إرساء دعائم أسس متينة لتنطلق منها نحو العالم.