حمى «كتب أوباما» تجتاح الأميركيين

ظاهرة رئيس مثقف يقرأ بعد «رئيس لا يقرأ»

TT

خلال الحملة الانتخابية، عندما كان الرئيس المنتخب باراك اوباما يردد شعار (تغيير)، كان يقصد به تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية.  الانسحاب من العراق، وإغلاق معتقل غوانتانامو، ووقف تعذيب المتهمين بالإرهاب، واغلاق سجون وكالة الاستخبارات السرية، وتأسيس برنامج حكومي للعلاج، ومواجهة الكارثة الاقتصادية الحالية.

لم يكن يعرف ان التغيير سيشمل تشجيع الاميركيين ليقرأوا مزيدا من الكتب.

في الشهر الماضي، في مقابلة تلفزيونية مع زوجته ميشيل، قالت ان زوجها يقرأ كتبا كثيرة، بداية من كتب السياسة الى قصص الاطفال.

وفي مقابلة اخرى مع الاثنين، قال اوباما انه يقرأ كتاب «المائة يوم الاولى للرئيس روزفلت»، وهو الذي واجه الكارثة الاقتصادية سنة 1929، اكبر كارثة اقتصادية تمر بها اميركا حتى اليوم.

وقال اوباما: «اريد من الذين يعملون معى ان يقرأوا الكتاب، ليس لان فيه حل كل المشاكل. ولكن لان فيه روح المسؤولية، والثقة، والحرص على حل المشاكل حتى بدون ضمان حلها».

وبين يوم وليلة زادت مبيعات كتاب: «اف دي آر» (فرانكلين ديلاوير روزفلت). وسارع الصحافيون يجرون مقابلات مع د. جين سميث، استاذ متقاعد في جامعة مارشال (ولاية اللينوي)، ومؤلف الكتاب.

كان الرجل قد الف اكثر من عشرة كتب عن التاريخ الاميركي، وهذا مجال تخصصه. ولم تكن كتبا مشهورة بالنسبة للمواطن الاميركي العادي. لكن، يوم قال اوباما انه يقرأ الكتاب، هرع الناس ليشتروه. وبين يوم وليلة، قفزت مبيعات الكتاب في موقع «امازون» لبيع الكتب في الانترنت.

في الحقيقة، عندما أشار اوباما الى الكتاب في المقابلة التلفزيونية، لم يقل اسم الكتاب بالكامل، ولم يقل اسم المؤلف. وخلال اليومين التاليين، رنت اجراس التلفونات، وأرسلت رسائل الانترنت بين عشرات من اساتذة الجامعات والكتاب الاميركيين الذين كتبوا عن روزفلت. كل واحد يسأل: «هل يقصد كتابي؟ هل يقصد كتابي؟»

وحاصرت الاتصالات التلفونية والانترنتية المتحدث الصحافي باسم اوباما. وأوضح ان الكتاب هو كتاب البروفسور المتقاعد في جامعة مارشال: جين سميث.

لكن، لم يستقر بال البروفسورات والمؤرخين، لأن اوباما قال انه يقرأ كتابا عن «المائة يوم الاولى لروزفلت». لم يقل اي كتاب عن روزفلت، بل قال كتابا عن «المائة يوم الاولى». واسم الكتاب السابق ليست فيه عبارة «المائة يوم الاولى».

ومرة اخرى، رنت اجراس التلفونات وانهمرت رسائل الانترنت.

هذه المرة، ظهر اسم كتاب «روزفلت: المائة يوم الاولى». ولأن اوباما كان قد قال عبارة «مائة يوم الاولى»، اعتقد كثير من الناس انه يقصد هذا الكتاب، وليس كتاب بروفسور جامعة مارشال.

صاحب الكتاب الثاني هو انتوني بادجر، استاذ تاريخ في جامعة كمبردج، الذي ذكر انه تلقى رسائل كثيرة من صحافيين ليجروا معه مقابلات عن كتابه الذي يقرأه اوباما.

ثم ظهر ادام كوهين، مؤلف كتاب «لا شيء يخيف: روزفلت والمائة يوم الاولى». وهو ايضا قال ان اوباما استعمل عبارة «مائة يوم الاولى».

ولم يحتج الصحافي جوناثان التر، الذي يكتب في مجلة «نيوزويك»، ان يجرى معه صحافي اخر مقابلة عن كتابه: «اول مائة يوم لروزفلت»، مثله مثل صحافي اخر هو فريد زكريا، رئيس تحرير مجلة «نيوزويك» الذي ألف كتاب «ما بعد العصر الاميركي».

لم تنته بعد زوبعة الكتب عن الرئيس روزفلت. ولم تتراجع بعد حمى البحث عن كتب عن الرئيس لنكلون (محرر العبيد).

وكان اوباما قد قال، خلال مقابلة صحافية قبل فوزه برئاسة الجمهورية، انه يقرأ كتابا عن الرئيس لنكولن.

اعتقد كثير من الناس انه يقصد كتاب «وزارة لنكولن الاولى»، وذلك لأن اوباما كان يخطط لتشكيل وزارته بعد ان فاز في الانتخابات. وقال آخرون ان اوباما يقصد كتاب «لنكولن وتحرير الرقيق»، ربما لأنه يريد ان يستفيد منه تاريخيا.

لكن، في الاسبوع الماضي، كان اوباما يزور منزل صديق له في شيكاغو. وكالعادة، تجمع الصحافيون والمصورون امام المنزل، والتقطوا صورا لأوباما وهو يخرج. واوضحت واحدة من الصور اوباما وهو يحمل كتابا في يده. وكان واضحا اسم الكتاب: «لنكولن».

هل هذا، حقيقة، الكتاب الذي يقصده اوباما؟

دقق صحافيون ومصورون في الصورة، وعرفوا ان اسم الكتاب بالكامل هو: «لنكلون: قصة حياة كاتب». وان مؤلفه هو فرد كابلان. وانه عن ثقافة لنكولن، وكيف علم نفسه بنفسه، واستفاد من قراءة الانجيل، ومن روايات شكسبير. وانه (مثل اوباما) كان يقرأ كتبا كثيرة ايضا. ومرة اخرى، بين يوم وليلة، اشتهر هذا الكتاب، وأسرع الصحافيون لمقابلة المؤلف. وعرفوا، ربما لسوء حظه، انه كان يؤيد السناتور هيلاري كلنتون ضد اوباما خلال الانتخابات الاولية. لكنه قال انه، في وقت لاحق، غير رأيه، وأيد اوباما.

على اي حال، قال الرجل، ما دام اوباما يقرأ كتبا كثيرة، فلماذا لا يقرأ كتاب مارك توين «آراء ريفية»؟

وبالطبع، لابد أن تستغل دور النشر هذه الحمى. وفعلا بدأ بعضها باعادة طباعة كتب يقرأها اوباما، او يُعتقد انه يقرأها. وحسب نظرية «تريكل داون» الاقتصادية الاميركية (تهبط الثروة من اعلى الى اسفل)، يبدو ان ظاهرة رئيس مثقف يقرأ الكتب (بعد ثماني سنوات عجاف مع الرئيس بوش) ستهبط الى عامة المواطنين.

حتى اذا لم يحقق اوباما اي «جينج» (تغيير)، يكفي تحقيق هذا التغيير.