آيزنهاور ومونتيغمري اكتسبا الشهرة على حساب قادة آخرين

الإستراتيجية العسكرية الأميركية والبريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية

TT

يحاول مؤلف هذا الكتاب الإجابة عن السؤال المركزي التالي: من هو الأكثر أهمية من بين القادة العسكريين الأميركيين والبريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية؟ من المؤكد أن كثيراً من الناس سيأتون على ذكر الجنرال دوايت آيزنهاور من الجانب الأميركي والفيلد مارشال برنارد مونتيغمري من الجانب البريطاني. لكن المؤلف أندرو روبرتس يخالف هذا الرأي الشائع تماماً ويؤكد على أن هاتين الشخصيّتين، ربما، تكونان الأكثر شهرة، لكنهما ليستا الأكثر أهمية، و إنما الفيلد مارشال، السير ألان بروك في لندن، والجنرال جورج مارشال في واشنطن هما اللذان قررا معا مع زعيميهما السياسيين؛ ونستون شرشل وفرانكلين روزفلت، الاستراتيجية التي كان يحتاجها الغرب لخوض غمار الحرب. المؤلف توصل إلى هذا الاستنتاج من خلال تنقيبه في مواد أرشيفية جديدة، خاصة الملاحظات الحرفية لاجتماعات مجلس الحرب البريطاني بواسطة سكرتيره المساعد لورانس بورغس، والملاحظات المشابهة الأخرى لاجتماعات المجلس الكاملة التي أطلقت عام 2007. فعن طريق هذه الملاحظات ومصادر غنيّة أخرى، من ضمنها وثائق شخصية لحوالي سبعين شخصية معاصرة، استطاع المؤلف أن يكشف وبتفاصيل دقيقة،عن الطرق التي تم إتباعها لاتخاذ العديد من قرارات الحرب المهمة.

القادة الأربعة: روزفلت، مارشال، شرشل وبروك، التقوا أولاً، في الحادي والعشرين من يونيو(حزيران) 1942، وهو اليوم الذي تسلم فيه شرشل خبر سقوط ميناء طبرق الحيوي في شمال أفريقيا بيد رومل. كان حال بريطانيا في أدنى مستوى، حيث عانى جيشها سلسة اندحارات في النرويج، فرنسا، بلجيكا، اليونان، الملايو ثم في ليبيا؛ وخساراتها البحرية في الأطلنطي قد تضاعفت منذ انتهاء العام، وهجمات دول المحور تهدد أستراليا، الهند، قناة السويس وإمدادات النفط في القفقاس والشرق الأوسط كانت تلك، هي نقطة الوصل التي امتدّت ثلاث سنوات بين الزعماء الأربعة للتحالف الغربي الذين حصدوا الانتصارات التي تحققت في الأخير. القادة الأربعة، اتفقوا جميعاً على أهمية دحر ألمانيا قبل اليابان، لكنهم اختلفوا على المضمون: العسكريون الأميركيون فضلوا شن الهجوم على ساحل فرنسا الشمال غربي (إنزال النورمندي) في وقت مبكر لتخفيف الضغط الشديد على روسيا من قبل الألمان، فيما البريطانيون، وتفادياً لوقوع خسائر جسيمة، فضّلوا أولاً، كسر شوكة الألمان في حوض البحر المتوسط. لبعض الوقت حقق البريطانيون ما أرادوا، لأن روزفلت كان يقف إلى جانبهم وليس مارشال، وهذا ما ضمن تأجيل إنزال النورمندي إلى سنتين تقريباً، فيما شمال أفريقيا قد حررت وتم اجتياح إيطاليا. وهل أن هذا الموعد سيزيد من أمد الحرب؟ يعتقد روبرتس بأن أي إنزال مبكر لو حدث، لكان مصيره الفشل المؤكد.

الشخصية المهيمنة بين الأربعة الكبار، في رأي الكاتب، كان روزفلت، وهي «شخصية سياسية موهوبة فريدة، ذات نظرة عميقة في إدراك ما تريده أميركا وما تسمح به»، أما شرشل فإنه «أقل حدساً للامور، مهدداً أكثر من مرة تغيير استراتيجية الحلفاء بخططه المتهورة للاستيلاء على شمال سومطرة والنرويج، لكن لحسن الحظ كان لديه بروك الهادئ، الرابط الجأش، لكي يبقيه على الخط الاستراتيجي المستقيم».

يشير روبرت إلى أن قرارات هتلر وستالين كان لها تأثير أكبر على نتائج الحرب من أي قرار إتخذه البريطانيون أو الأميركيون.فمن خلال مساعدة روسيا اقتصادياً وتدمير المصانع الألمانية بالقصف الجوي وتراجع المد الألماني في افريقيا، إيطاليا وفرنسا، يكون الحلفاء قد ساهموا مساهمة فعّالة في إحراز النصر.المؤلف يصف روزفلت وشرشل بأنهما رجلان شديدا المراس، ولذا كان على بروك ومارشال أن يكونا شديدين أيضاً، لكي يستطيع كل منهما أن يعمل مع صاحبه عن قرب. يوضّح روبرتس كيفيّة تعامل هذين العسكريين (مارشال وبروك) مع رئيسيهما. يكشف بروك في رسالة إلى الجنرال ووفل عن مبلغ الصعوبة في التعامل مع رئيس الوزراء البريطاني فيقول «لو كان عليّ أن أغضب كلّما يساء لي من قبل ونستون وأفهم من أنه لا يثق بي، لتوجّب عليّ أن أستقيل، على الأقل، مرّة كل يوم». وفي الحقيقة أن شرشل كان أكبر من أن يتقبل نقداً من بروك، حتى ولو مرة واحدة «لقد قررت التخلص من بروك» أخبر شرشل الجنرال آيسمي بذلك، بعد أحد الاجتماعات عند نهاية الحرب، ثم أضاف «إنه يكرهني. تستطيع أن ترى الحقد في عينيه». وقد نقل إلى شرشل، بان بروك قال رداً على ذلك «أنا لا أكرهه، بل، أحترمه جداً»،كذلك الحال بالنسبة لمارشال، الذي كان عليه أن يتعامل مع المشكلة بشكل مختلف، حيث كان رئيسه لا يرغب في أن يخبره بكل ما يجري. كان روزفلت يدير البيت الأبيض «بهيكلية قيادية غير منتظمة» وذات مرّة قال بأنه لا يود «أن يخبر يده اليسرى بما تعمله يده اليمنى»، ذلك يعني بأنه خلال «نصف الزمن» لم يطلع روزفلت الجنرال جورج مارشال على الرسائل التي كان يبعثها إلى البريطانيين. السبيل الوحيد الذي كان بمقدور مارشال من خلاله أن يعرف ماذا كان يدور هو التحدث إلى السير جون ديل، ممثل شرشل في واشنطن.

يرسم روبرتس، وبمساعدة بعض المصادر التي لم تستخدم إلا قليلاً صورة العلاقة بين البريطانيين والأميركيين وهي صورة تختلف كثيراً عما يشاع «بالعلاقة الخاصة». وفي الحقيقة فإن البلدين استمرا مختلفين لعدة أشهر حول إحدى المسائل الاستراتيجيّة المهمة، وهي تحديد موعد أولي لإنزال النورمندي. ومع أن هناك عدّة صياغات تتناول هذا الموضوع، إلا أن الاختلاف الأساسي يكمن في أن الأميركيين، وبشكل خاص جورج مارشال، كانوا يريدون القيام بالإنزال عبر القنال بوقت أبكر بكثير مما كان يفكر به البريطانيون. في الأخير حصل البريطانيون على ما أرادوا، ولم يتم الإنزال حتى يونيو (حزيران ) 1944.

لكن غير المعروف تماماً، هو أن روزفلت، وفي اجتماع عقده في البيت الأبيض مع وزير الخارجية السوفيتي، مولوتوف في مايو (أيار) 1942، أكّد له بأن اجتياح الساحل الفرنسي سيتم في نفس العام.ولكن، وكما هو معروف، لم يتم هذا الاجتياح إلا بعد سنتين، أي، في عام 1944.