لماذا تدعم السعودية لبنان بشكل خاص؟

تاريخ طويل من مساعدة جميع اللبنانيين دون تمييز

السعودية للبنان/ قلوب وسواعد ـ المؤلف: منير الحافي 2008
TT

«إنَّ دعم لبنان واجب علينا جميعاً، ومن يقصِّر في دعم لبنان فهو مقصِّر في حقّ نفسه وعروبته وإنسانيته». (جريدة «الشرق الأوسط»، 26/8/2006).

الكلمات لخادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، وصمود الشعب اللبناني أمام أعتى آلة حربية في الشرق الأوسط.

السعودية للبنان، استوحى الزميل منير الحافي عنوان كتابه من كلام خادم الحرمين الشريفين، الذي ربط التقصير بحق لبنان بالتقصير بحق الذات والعروبة والإنسانية، فلبنان ليس موقعاً جغرافياً بقدر ما هو تجربة عربية تفخر بها الإنسانية، وموقعاً معنوياً تتمسك به المملكة وتحافظ عليه وتقدّم له «القلوب والسواعد»، لذا كان العنوان الفرعي للكتاب متمماً لقناعة خادم الحرمين الشريفين.

من الصورة إلى الورق، مسافة اجتازها المؤلف ليوثق عطاء المملكة السعودية للبنان. فالمملكة بثقليها السياسي والاقتصادي، وقفت إلى جانب لبنان تسند ضعفه، وتفكك الألغام في تركيبته، وتدعم خياراته، وتوفق بين أطرافه دون تمييز وانحياز لفريق دون آخر، ودون شروط ومعايير سياسية أو طائفية أو مذهبية.

قدّم المؤلف سابقاً برامج وثائقية بالصورة والصوت خاصة بالمملكة العربية السعودية منها: «عشرون عاماً» و«الملك عبد الله عام بعشرة أعوام»، لكنه أراد من كتابه الأول أن يضع بين أيدي المهتمين مادة توثيقية مكتوبة، لأن المادة الكتابية أبقى من أن تنشر في فيلم وثائقي يُعرض مرّة أو مرّتين على التلفزيون.

يوثِّق المؤلف مادته ليقدمها للقارئ مشفوعة بالأرقام والتواريخ، والأسانيد والمراجع ليؤكِّد ما لا يحتاج إلى تأكيد وقوف الملك والمملكة من ورائه لمساندة لبنان، ولاستعادة دوره ونهضته ووجهه المشرق.

لماذا لبنان دون غيره؟ تسقط من صيغة السؤال «دون غيره»، فمن المعروف عن المملكة وقوفها إلى جانب عدد كبير من الدول المحتاجة شرقاً وغرباً، خصوصاً الدول العربية والإسلامية. لكنها ترى في لبنان الشقيق المكلوم المحتاج إلى رعاية، خاصّة أنّه مرَّ بفترات عصيبة، ولم يتسنَ له أن يخرج كليّاً من أزماته المتلاحقة. فإضافة إلى المساندة السياسية والاقتصادية الناتجة عن محبة الشقيق للشقيق الذي يحرص عليه، فإنها تنطلق من رؤية السعودية لدور لبنان العربي الحضاري جسراً للتلاقي بين الغرب والشرق. ولعل في وصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ما يختصر اهتمام العائلة السعودية بلبنان. يقول نقيب الصحافة اللبنانية محمد البعلبكي: إن العلاقات اللبنانية – السعودية ارتكزت على قول الملك المؤسس بشكل صريح وعلني لأبنائه «لبنان وطنكم الثاني». بنيت العلاقات السعودية – اللبنانية على أساس روحية هذه الكلمة، وما تزال مستمرة حتى اليوم. لهذا رأينا أنجال الملك عبد العزيز الذين تعاقبوا على تولي المسؤوليات من بعده، التزموا، كلهم دون استثناء، هذا التوجه الصادر عن والدهم. ومن يتابع مسار العلاقات اللبنانية-السعودية منذ تأسيس المملكة حتى اليوم يلحظ أن هذه العلاقات لم تعرف طوال تاريخها أيّة شائبة أو فتور أو حتّى أيّة مشكلة عارضة إطلاقاً، وهذا الأمر في العلاقات العربية متميز. ويلاحظ إضافة إلى العلاقات الدبلوماسية والرسمية المستمرة منذ زمن، فإن المملكة تبدي دائماً اهتماماً مباشراً بكل شأن لبناني، وكأن هذا الشأن شأنها الخاص. فما من أزمة مرّ فيها لبنان، إلاّ وكانت المملكة العربية السعودية بجانبه، تضع كل إمكانياتها لمساعدة جميع اللبنانيين دون تمييز، لإيجاد مخارج لأزماتهم واطمئنان لمستقبلهم.

عند اغتيال الرئيس الحريري تنبهت المملكة على الفور، لخطر المرحلة التي أريد للبنان أن يدخل فيها، والتي قد تكون أخطر من فترة الحرب الأهلية نفسها، فكان لها موقف تاريخي، كانت إحدى ثمراته المحكمة الدولية التي يتطلع إليها لبنان، وسيذكر التاريخ للملك عبد الله بن عبد العزيز تشديده على محاسبة قتلة الرئيس الحريري ووصفه لهم «بالمجرمين».

بعد اغتيال الحريري، برزت مرحلتان: مرحلة حرب تموز، والمرحلة التي تلتها من اشتداد الخلاف بين «الإخوة الأعداء». في الأولى وقفت المملكة داعماً قوياً سياسياً واقتصادياً للبنان. وفي الثانية عملت لتقريب وجهات النظر بين أبناء البلد الواحد، وهنا تجلّى بوضوح «صبر أيوب» في الدور الذي قام به سفير المملكة عبد العزيز خوجة تنفيذاً لتوجهات خادم الحرمين الشريفين في العمل الجاد والسعي والاتصال لتقريب الأفكار المتباعدة.

يحدد المؤلف الدور السعودي تاريخياً في دعم لبنان بالتالي:

ـ استقبال اللبنانيين وتأمين فرص العمل لهم، بمن فيهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري نفسه.

ـ محاولة إنهاء الحرب الأهلية عبر الموفدين والقمم العادية والاستثنائية، خصوصاً قمة الرياض في العالم 1976.

ـ دعم لبنان سياسياً في المحافل الدولية.

ـ استضافة النواب اللبنانيين لإنجاز اتفاق الطائف.

ـ دعم عملية الإنماء والاعمار.

ولا شك أن فحوى النقاط الخمس السابقة ينسحب على الوضع اليوم، إذ إن جالية لبنانية كبيرة تعمل في المملكة، وهي في ازدياد وتوسيع أعمالها بفضل الدعم الذي تلقاه من خادم الحرمين والقيادة السعودية. وكذلك يستمر الدعم السياسي السعودي للبنان في المحافل الدولية عند كل استحقاق سياسي أو أمني في لبنان، كما حصل في حرب تموز/يوليو عام 2006. أمّا اتفاق الطائف فما زالت السعودية تنشط كي تبقى مفاعيله مستمرة من أجل تثبيت أسس الدولة اللبنانية والسلم الأهلي. أما فيما يتعلّق بالدعم المالي والاقتصادي لشؤون الإنماء والإعمار وتثبيت النقد، فالدعم السعودي هو أكبر دعم تقدمت به أيّة دولة عربية أو أجنبية للبنان. فالمملكة كما يقول النائب ياسين جابر: هي الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد اللبناني.

من خلال شهادات ولقاءات حية مباشرة قام بها المؤلف مع بعض رجال الأعمال اللبنانيين في السعودية يمكن أن نلحظ العلاقات القديمة والمتينة بين البلدين، أمّا الإحاطة بكل تفاصيل الدعم السعودي للبنان فيبدو مستحيلاً.

فإذا استثنينا تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي ما إن اكتسب مصداقية بسيطة في البداية حتّى دخل عالم العمل والمال والشهرة، وحصل على الجنسية السعودية العام 1987. فإن تجربة الوزير نعمة طعمة رئيس مجلس إدارة شركة «المباني» التي تعنى بالإنشاءات في المملكة العربية السعودية يختصرها بكلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الذي قال حرفياً: «بيروت الرياض، والرياض بيروت». ليستنتج أن «لبنان عزيز على قلبهم، واللبنانيون عزيزون على قلوب السعوديين». ويؤكد أن اللبناني يعرف معنى الوفاء لذلك كانت العلاقة متبادلة. النائب ياسين جابر من كتلة الرئيس بري، يؤكّد أنّه «لا يمكن أن ننسى الدور الكبير الذي لعبته السعودية عندما ساعدت اللبنانيين على العمل والنجاح». النائب عبّاس هاشم عضو كتلة العماد عون يرى أن العمل في السعودية صقل شخصيته ونمَّا لديه «فهمُ ديمقراطية مجتمعية تقوم على إبداء الرأي بكل صراحة، ولكن باحترام للكبار».. المحامي روجيه إده يذهب إلى القول: أنه مع مرور الوقت تصبح العلاقة أفضل من علاقة أخوة مميزة بين توأمين».

تستضيف المملكة العربية السعودية حوالي 160 ألف لبناني، وجميع هؤلاء في حالة اجتماعية واقتصادية جيدة، وهذه الجالية أكثر جالية لبنانية في العالم استثمرت في لبنان وساهمت في دعم بلدها. فالسعوديون ينفتحون على اليد العاملة اللبنانية بشكل متعاظم، وكذلك انفتح الباب واسعاً أمام عودة السعوديين إلى لبنان. ففي كثير من أنواع الأعمال في المملكة لم يعد اللبناني بحاجة إلى كفيل سعودي. وأنه من خلال رأسمال صغير نسبياً لا يتجاوز 300 ألف ريال يستطيع اللبناني أن يفتح عملاً باسمه، أو أن يباشر بالعمل في العديد من القطاعات. فالعلاقة محكومة بالمحبة والثقة يؤكدها القول المأثور عن ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز للبنانيين: «إننا نعتبر السعودي في لبنان لبنانياً، ونعتبر اللبناني في السعودية سعودياً».

أمّا عن المساعدات المالية والاقتصادية للبنان فإنها قديمة وكبيرة، وإذا نظرنا إلى ما قدمته المملكة بعد حرب تموز/يوليو 2006، لكفى بذلك إيضاحاً. فالهيئة العليا للإغاثة تسلمت فعلياً من الهبات الموعودة حتّى 31/12/2007 من المملكة 570 مليون دولار، في حين أن مجموع الهبات الأخرى من مجموع الدول الأخرى لم تتجاوز 145 مليون دولار. كما تسلمت من المملكة 4984 طناً من المواد الغذائية والأدوية، ومن الأمير تركي بن عبد العزيز 74 طناً، ومن الجالية اللبنانية في المملكة 93.75 طناً. ومن أصل 819 مليار ليرة دفعت للمتضررين حتى 31/12/2007، كان منها 278 مليار ليرة من المساعدات السعودية. وفي 6/9/2006 صدر توجيه من خادم الحرمين الشريفين بالموافقة على دفع الرسوم الدراسية عن جميع التلاميذ بالمدارس اللبنانية الرسمية والبالغة 20 مليون دولاراً. وفي 15/1/2008 تم تحويل 7,259,134,000 ليرة لبنانية من الهبة السعودية المدرسية.

كما سبقت المملكة مؤتمر «ستوكهولم» الذي عقد في 31/8/2006 بناء لطلب مجلس الأمن لاتخاذ خطوات فورية لتأمين المساعدة المالية والإنسانية للشعب اللبناني بتقديم منحة بقيمة نصف مليار دولار، وتم التعهد خلال المؤتمر بدفع مبلغ يفوق 940 مليون دولار. كما شجعت المملكة الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب اللبناني تحت عنوان «معك يا لبنان»، فبدأت الحملة في 26/7/2006 بناء على الدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى السعوديين قبل يوم واحد، وقد جمعت الحملة في اليوم الأول مبلغ 113 مليون ريال إضافة إلى مساعدات عينية. وتم الاتفاق مع «اليونسيف» لتأمين اللقاحات والتغذية للأطفال، وتوفير الحقيبة المدرسية لأكثر من 320 ألف طالب وطالبة. كما قامت الحملة بشراء محصول زيت الزيتون من لبنان بما سعته 25 ألف تنكة ووزعتها على دور الأيتام والمعاقين والأسر المتضررة. وفي 15/7/2007 أمر خادم الحرمين الشريفين بصرف هبة للنازحين الفلسطينيين من مخيم نهر البارد بقيمة 12 مليون دولار توزع نقداً تحت إشراف الحكومة اللبنانية وبالتنسيق مع منظمة الأونروا. كما قام الهلال الأحمر السعودي بتوزيع 200 حمام جاهز، وببناء تسع مدارس عبارة عن بيوت جاهزة لجمعية المبرات الخيرية التي يشرف عليها العلامة محمد حسين فضل الله. وفي مؤتمر باريس3 منحت المملكة 500 مليون دولار للحكومة اللبنانية، وقرضاً بقيمة مليار دولار لصرفه على مساريع لمواجهة ما حصل من أضرار نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان.

الكتاب، كما يقول مؤلفه، لم يستطع أن يحصي كل المساعدات والهبات التي قدّمتها المملكة للبنان، فكيف لهذه العجالة أن تفي حق السعودية وأن تقدر أن تلم بكل ما حضنته المملكة من مؤسسات وعائلات وجمعيات وجامعات وقامت بإعادة بنائه وترميمه وتوسيعه. لكن العذر بالمساحة لا يبرر أن نلمح ولو لماماً لموقف السعودية في حرب ما بعد الحرب.

كان من الواضح منذ البداية، أن السعودية تدعم الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، لكن هذا الدعم لم يقطع العلاقات الطيبة مع كل الفرقاء السياسيين من تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والأطياف الأخرى من المجتمع السياسي. فلم يترك العاهل السعودي مناسبة عامة أو خاصة إلاّ وتحدث فيها عن لبنان ولأجله، وكذلك ولي العهد الأمير سلطان، ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز الذي عمل بجد لتحويل الحملة الشعبية من أجل لبنان إلى مؤسسة تستمر بتقديم مساعداتها بكل اتجاه، والأمير فيصل وزير الخارجية الذي رعى مؤتمر الطائف ويعرف أدق التفاصيل اللبنانية حمل قضية لبنان في المحافل العربية والدولية ولا يزال، والأمير بندر بن سلطان، الذي عمل على خط إيران، لتطويق الأزمة اللبنانية، بعد أن كادت رياح العرقنة تجتاح لبنان.

يفرد المؤلف صفحات على طولها النسبي عن يوميات المسؤولين السعوديين منذ عدوان تموز/يوليو...لأجل لبنان. لكن هذه الصفحات تظل قاصرة عن إيفاء الحق، وتقديم واجب الوفاء، فكيف بهذه العجالة؟