أحمد الدويحي: ننتظر حركة نقدية بعد الطفرة الروائية

قال إن هناك جيلا روائيا قادما يَعِد بكشف المستور

الروائي السعودي أحمد الدويحي .. وغلافا اثنتين من رواياته
TT

يرى الروائي السعودي أحمد الدويحي أن الرواية فن مدني يزدهر في المجتمعات المدنية، ويستوعب كل الشرائح المتنوعة والمتعددة، وأنها جنس أدبي شامل لكل الفنون الأدبية الأخرى. وقال إن «الرواية تبقى الفضاء الفسيح والأدبي الذي أجد فيه متعتي، وقد تفرغت له، ولست قلقاً من الغياب النقدي في الوقت الراهن، فالنقد ليس المعضلة الوحيدة في المشهد الكتابي السعودي». هنا حوار معه:

* في استطلاع لقراءات المثقفين، احتلت الرواية قائمة المبيعات، بالإضافة إلى موجة كتابتها.. كيف تفسر ذلك؟

- الرواية فن مدني يزدهر في المجتمعات المدنية، ويستوعب كل الشرائح المتنوعة والمتعددة، وهي جنس أدبي شامل لكل الفنون الأدبية الأخرى، بمعنى أن ألواناً أخرى تدخل في البناء الروائي، كاللوحة والقصة والفلكلور والمسرح، والشعر هو الجنس الأدبي الأثير لدى الذاكرة العربية، فالرواية عالم من الخيال موازٍ لعالم الواقع، يتداخل فيه السياسي والديني والشفوي والتاريخي والأسطوري، والكتابة الروائية طفرة نعيشها في الواقع المحلي بلا شك، وقد تكون هناك حالات مشابهة في الوطن العربي.

* وماذا عن المشهد هنا في السعودية؟

- بالنسبة للمشهد الثقافي المحلي، فالرواية تعتبر نموذجاً متفرداً، لكون الرواية المحلية بدأت متأخرة عن نظيراتها في أقطار الوطن العربي، بما فيها القريبة منا جداً. ونعزو ذلك إلى معوقات كثيرة لا يزال بعضها قائماً، ويمكن قراءة بداية نتاج هذا الجنس الأدبي في الحجاز، وكذلك حضور الرواية المحلية خارج حدود الوطن بشكل لافت، ويعود الفضل إلى نافذة التقنية الحديثة، ونرى الآن أن كتابة الرواية تنبعث من كل مكان وتؤدي دوراً تنويرياً، والفنون كالأجيال تتداول المراحل، وهناك جيل روائي قادم منفتح على كل شيء، يمثل كل تلك الشرائح المتنوعة المقصية، ويعد بكشف المستور..

* يبدو أن الرواية الأجنبية تحتل أيضاً المرتبة الأولى، بعد أن كانت الروايات السعودية تحتل اهتماماً أبرز قبل سنوات.. هل يعود هذا إلى البحث عن مساحة أكبر للمتعة، أم هو الملل مما تطرحه الروايات السعودية؟

- السأم والملل لم يصب المثقف العربي وحده، فالإنسان العربي يدمره هذا التململ إلى حدٍ لا يطاق، ولابد في النهاية أن يسفر عن شيء، والمعرفة الإنسانية مشرعة وليست باباً واحداً، والرواية كفنّ، تعنى بالمتعة، كأي فن إنساني آخر، ولابد أن يجد القارئ هذا في النص الروائي العربي، وإلا فسيتخلى عن القراءة، وأجد أن في مواجهة الرواية العربية كمّاً هائلاً من الأوضاع المعاصرة، ولها رصيد تراثي عظيم، ومسألة كهذه مرهونة بتحقق شروط عدة، وهي مسألة نسبية متفاوتة، ولا أعتقد أن الرواية المحلية والعربية تكتب في كوكب آخر، وأعتقد أنها لا تجسد كائنات خارج محيطها وواقعها، وقراءة الرواية العالمية من جهات القارات في الأرض، يعطي دلالة على رغبة في الانفتاح على الآخر من جهة، واقتصارنا على فعل التواصل مع الآخر عبر نافذة واحدة.

* أنت تتحدر من قرية جنوبية ظلت حاضرة بقوة في رواياتك، وتعيش في الرياض العاصمة.. إلى أي مدى أمكنك التوفيق بين العالمين؟

– القرية ذاكرة الطفولة الصافية، ومهد ولادة الحكايات، وذاكرة المكان تبقى، بينما تتغير الوجوه والحالات، وتتبدل الأحداث وتتلون الطقوس، والقرية الجنوبية حضرت بكثافة في نصوصي السردية الأولى، وكانت ثرية وحية في الحقول والجبال والأسواق، والدلالة الرمزية تُستوحى من تراثها المتنوع الثري، ويتم عبر حشد من التواصل الإنساني الحميم، وتطوقه حقول من الأسمنت المسلح الآن وتجرده، والقرية التي أعرفها بقيت مجرد خيال، لا واقع، وفي اللحظات المتقطعة التي أعود فيها إلى القرية، يشدني نبض المكان وحده، وأصوات من رحلوا، وأجد فيه رائحة حياة بعيدة..

لقد تغير الزمن، وتشكلت هموم جديدة، تجتاح روحي وتهب عليها، كما كانت تفعل السحب، حينما تباغت القرية في مواسم الحصاد. والمدينة للروائي، بلا شك، فضاء مغر. ومدينة الرياض تتجه إلى الحداثة بالضرورة، ولا تتخلى عن تراثها التقليدي في الوقت ذاته، وقد أحببت الرياض وفضاء الصحراء، وأجد من هو أجدر مني بالغوص في عالمه، وأولهم الزميل محمد أبو حمراء، لأن الرواية مشروع، وحتماً نأمل أن يكون بيننا مشروع في جمال إبداع إبراهيم الكوني.

* ظهرت بشكل واضح تأثيرات القرية الجنوبية في كتابات الراحل عبد العزيز مشري.. هل ثمة تقاطع معه فيما يخص مكونات القرية في إبداعاتكما؟

– المبدع الراحل عبد العزيز مشري يحضر دائماً بإبداعه، قاسمته النهل من تراث ثري مشترك ككاتب رواية، ولقد ظل الراحل، ككاتب واقعي، وفياً لعالم القرية، حتى آخر رواية كتبها. ويبدو أنه هجر السريالية من بعد «موت على الماء» ليترك لنا نسيجاً روائياً مهماً جداً عن القرية الجنوبية بكل تراثها المغري، ولا شك أنه إحدى العلامات العربية روائياً.

* أعمالك الروائية لم تأخذ حظها من النقد.. بماذا تفسر ذلك؟

– الكتابة الروائية مشروع ونتاج تراكمي، يحتاج إلى تفرغ وحركة أدبية فاعلة، والقصة القصيرة فرضت حضورها المميز في الثمانينات والتسعينات، ولا تزال كجنس وامض يتلبس السرد واللغة الشعرية المكثفة، ولقد قدمتُ مجموعتين تَشِيان بالبدايات، لكن الرواية تبقى الفضاء الفسيح والأدبي الذي أجد فيه متعتي فتفرغت له، ولست قلقاً من الغياب النقدي في الوقت الراهن، فلا بد أن تتبع الطفرة الروائية حركة نقدية، ولا يزال الأمل قائماً بأن في الجامعات من سيتولون هذا الدور النقدي، حتى يصبح لنا، كمجتمع حضاري، مركز للدراسات النقدية، وأجد في ملتقى الرواية السنوي ما يضيء هذا الحلم، فهناك قراءات لحركة الكتابة الروائية، قد لا تكون كما نريدها، لكنها البدايات، وعلى كل حال، واجبي هو الكتابة الروائية، والنقد ليس المعضلة الوحيدة في مشهدنا الكتابي.

* سيرة ذاتية

* ولد أحمد الدويحي في قرية العسلة، في الباحة جنوبي السعودية، عام 1953، وهو كاتب صحافي، وروائي، له مجموعة أعمال بينها: «البديل» مجموعة قصصية عام 1986، «ريحانة» رواية 1990، «ارتحالات الروح والجسد» رواية 2001، «يوميات العزلة» رواية، «مدن الدخان» رواية، بالإضافة إلى رواية «الحدود»، وهي الجزء الأول من ثلاثية «المكتوب مرة أخرى».