«مناحي».. أعاد طرح قضية السينما في السعودية

أول عرض تجاري يكسر التابو

مشهد من فيلم «مناحي» («الشرق الاوسط»)
TT

نجح الفيلم السعودي «مناحي»، وهو الفيلم الأول الذي يتم عرضه للجمهور تجاريا، في دفع الجدل بشأن قضية السينما في السعودية إلى واجهة المشهد الثقافي، منذ حفلات العرض الأولى في جدة والطائف، خلال الأيام العشرة بعد عيد الأضحى الماضي (ديسمبر/ كانون الأول 2008) وحتى اليوم.

وفيلم «مناحي» الذي عرض في جدة والطائف، كما عرض في القاهرة ودول أخرى، من بطولة الكوميدي السعودي فايز المالكي، ويشارك في البطولة السورية منى واصف، والكويتي عبد الإمام عبد الله، وتأليف مازن طه، وإخراج أيمن مكرم، ومن إنتاج «روتانا ستوديوز».

وفي حين احتدم الجدل، أولاً بشأن ما تردد عن تدخل (جهات) دينية لوقف العروض، وهي الأنباء التي فندتها الشركة المنظمة للعروض (رواد ميديا)، فإن مجموعة كبيرة من المثقفين السعوديين حملوا قضية السينما إلى أروقة المنتديات والمؤسسات الثقافية وإلى مقالات الرأي في الصحف اليومية، وكان بارزا أن هذا الجدل يخفي داخله صراعا من نوع آخر بين التيارات، لمنع أي منها من تسجيل نقاط تحتسب ضد الآخر المختلف.

المخرج عبد الله آل عياف، قال لـ«الشرق الأوسط» إن العرض التجاري الأول أحدث «صدمة، لكنه نجح في كسر التابو بشأن قضية السينما، حيث تمكن من تحرير القضية وإنزالها إلى الأرض، ليتبيّن لجميع الفرقاء ما السينما، ومم تتكون. وأضاف آل عياف: «أن فيلم «مناحي» كان يمكن أن يعرض في إحدى مسابقات الأفلام من دون أن يسجل ضجة، ولكنه حين خرج للشارع تمكن من وضع جميع الفرقاء في مواجهة قناعاتهم» معتبرا أن قضية السينما في السعودية حققت تقدما، إضافه إلى الجدل الذي تلا عرض الفيلم، ذلك أن هذا الجدل أثبت من جديد أن السينما مجرد (موضوع) غير مقدس يمكن مناقشته والاختلاف فيه وتفكيكه أيضا.

المخرج ممدوح سالم، وهو أيضا صاحب شركة رواد ميديا، قال إن هناك من حوّل الجدل من موضوع القضية التي تتعلق بالسينما، إلى مناوشات لا أصل لها، بشأن قيام جماعات متدينة بالضغط لإيقاف العرض، وهو في رأي سالم، لم يحدث. وذكر سالم أن الشركة حجزت للعرض على مدى عشرة أيام على مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي في (أبرق الرغامة) بجدة، ولكنها عرضت فعلا 11 يوما، وتمكن نحو 25 ألفا من مشاهدة العرض من الجنسين، وقد تم اختصار مدة العروض في جدة من عشرة أيام إلى أسبوع واحد، بسبب ما قيل وقتها من انزعاج السكان في برج قلب الطائف.

ويقول الشاعر أحمد الملا، مدير مسابقة أفلام السعودية في دورتها الأولى: «إن الجدل الأخير الذي أعقب عرض فيلم «مناحي» أتاح لجميع الأطياف الفكرية في البلاد أن تعبر عن نفسها، وأن تشرح قناعاتها، وساهم في مدّ جسور الحوار بين المختلفين، مما أتاح للجمهور أن يسمع وجهات النظر المتعددة، وأن يبني مواقفه نتيجة هذا التعدد الواضح في طبيعة المجتمع، فأمام مواقف المؤيدين والمعارضين، لم يعد المشهد، في ما يتعلق بقضية السينما، مصادرا لصالح فريق، حتى أولئك المؤيدين للسينما اضطروا أيضا لشرح قناعاتهم وتوضيحها، وليس الاكتفاء بإعلان المواقف والأحكام».

ويضيف الملا: «أصبحنا اليوم أقرب إلى التحاور بشأن المضامين، بعد أن انشغلنا مدة طويلة في مناقشة الأساليب والوسائل. وبات المثقفون اليوم أقرب ما يمكن إلى تقسيم الحوار بين سينما صالحة، وأخرى رديئة، وبين سينما تقوم على صناعة متطورة، وأخرى لم تحقق نجاحا، تبعا للمضمون الذي تقدمه الصناعة السينمائية وليس الموقف (الكلي) من السينما».

ويلاحظ الملا أن النقاش أثبت أن المجتمع متعدد، حتى داخل الإطار الواحد، فالفريق المؤيد للفن هو الآخر بدا ميالا للتعبير عن (مذاقات) متنوعة تجاه أشكال التعبير الفني ومنها السينما.

على صعيد آخر، قال فهد بن صالح العجلان، الكاتب والباحث في كلية التربية بجامعة الملك سعود في الرياض، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المطالبين بدخول السينما إلى السعودية فئتان: فئة غير معنيّة إطلاقا بأمر المخالفات الشرعية والتجاوزات الأخلاقية التي يعجّ بها فن السينما. وفئة تلتزم بالمبادئ الأخلاقية وتنظر للسينما كوسيلة للإصلاح والتقويم».

ويضيف: «إن السينما المنضبطة بالضوابط الشرعية والأخلاقية لا ينازع عاقل في مشروعيّتها، لكن وجود «سينما منضبطة» مجرد صورة خياليّة نظريّة، باعتبار أن واقع السينما الحالي ينافي هذه الصورة منافاة تامّة، فهو «وسيلة هدم وتخريب للقيم والمبادئ والأخلاق». ودعا العجلان إلى أن «يسعى الغيورون على الأخلاق والفضيلة إلى إنشاء وتقوية «السينما الأخلاقية»، لتكون وسيلة فاعلة لتعزيز القيم والأخلاق. أما المطالبة بدخول السينما بلا تمييز في مثل هذا الظرف، فإنها ستؤدي إلى دخول السينما التقليدية، وسنبقى نتجرّع عيوبها حتى بعد مجيء السينما المحافظة».

ويضيف العجلان: «إن الاستفادة من السينما في تعزيز القيم والأخلاق مطلب مهم، لكن يجب أن يكون ذلك بوعي وإدراك، فالسينما الهابطة في عامة المجتمعات لا تزال في الصدارة بلا منافسة تذكر. هل ستنقلب السينما إذا دخلت السعودية لتكون شيئا آخر؟ وإذا كان المجتمع السعودي في عافية من هذا البلاء، فهل يليق بغيور على دينه وقيم وطنه أن يدخل إلى المجتمع هذه السينما بما فيها من عيوب ومساوئ، أملا في سينما محافظة ما زالت لم توجد بعد؟».

وكان الدكتور عبدالله صادق دحـلان، عضو مجلس الشورى والكاتب المعروف، قد اعتبر في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» أن السينما في العالم تعد أحد ملامح التطور الثقافي والفكري والعلمي، كما اعتبر دخول دور السينما للسوق السعودية من شأنه أن يسهم في نشر الثقافة، وتوجيه الشباب والشابات نحو الفكر الإسلامي المعتدل، وسيفتح أبوابا لنشر المعرفة ومعالجة قضايا اجتماعية هادفة».

وطمأن دحلان الخائفين على القيم الأخلاقية من ظاهرة السينما، مؤكدا على أن إحكام الرقابة على عرض الأفلام في دور العرض ممكن ومتاح، في الوقت الذي يصعب جدا إحكام الرقابة على عرض الأفلام في القنوات الفضائية، حيث العرض غير مراقب، ولا يملك أي شخص أو مؤسسة أو حكومة منع استقبال قناة فضائية.

ومن بين الكتّاب الذين أسهموا في السجال بشأن قضية السينما بعد فيلم «مناحي»، الكاتب سلطان العامر، الذي رأى أن هناك «تسييساً» لهذه القضية من قِبل بعض التيارات الدينية، ورفعها كقضية هوية، وتصويرها بالشكل التالي: وجود السينما يعني تدميرا، أو على الأقل تشويها لهوية المجتمع».

ويضيف العامر: «المطالبة بالسينما أو بدار للأوبرا لا علاقة مباشرة بينه وبين أخلاقيات الناس وسلوكياتهم، وبالتالي من يطالب بالسينما لأنها «تحضِّرنا» يقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه من يرفضها لأنها «تحطّ بنا».

إن طرح القضية في سياق قبول السينما أو رفضها، في الوقت الذي تتكاثر فيه قنوات الأفلام التي تعرضها المحطات، وطغيان سوق سوداء كبيرة لبيعها، يدل على أننا مجتمع «تلفزيونيّ» بامتياز». إن الفن في جوهره عبارة عن إبداع وتعبير، قبل أن يكون سلعا وشركات، وبالتالي هو في حاجة لمساحة من الحرية كي يعبر عن نفسه. ومن هنا، فإن المطالبة بحرية الممارسة الفنية يتساوى مع المطالبة بإعادة ترميم المؤسسات التربوية».

وكانت التجارب السينمائية السعودية قد حققت في عامي 2007 و2008 قفزة واضحة في حجم الإنتاج السينمائي والمشاركات الخارجية. وتمكّن السعوديون من تنظيم مسابقتين للأفلام السينمائية، الأولى في الدمام، واختصت بالتجارب السينمائية السعودية، وأقيمت للمرة الأولى في الفترة من 20 إلى 24 مايو (أيار) 2008، واستقبلت أكثر من 60 مشاركة فنية، ونتج عنها خطوة أولى لتأسيس نادي الأفلام السعودية، تلاها مهرجان جدة للعروض المرئية، الذي أقام دورته الثالثة في جدة، ونظمته مؤسسة «رواد ميديا» للإنتاج والتوزيع الصوتي والمرئي.

وحسب تقرير أصدرته شركة رواد ميديا مختص برصد الإنتاج السينمائي السعودي والمشاركات الدولية للأفلام السعودية للعام 2008، بيّن التقرير، أن هذا الإنتاج بلغ 58 فيلما سعوديا، بينها: فيلمان روائيان طويلان، هما: «صباح الليل» للفنان راشد الشمراني، وفيلم «مناحي» لفايز المالكي الذي أنتجته شركة روتانا، فيما بلغ عدد الأفلام الروائية القصيرة (42)، و(6) أفلام وثائقية، وبلغ عدد أفلام التحريك (8) أفلام. وقد شارك من ذلك الإنتاج (33) فيلما سعوديا، بالإضافة إلى بعض الأفلام التي أنتجت خلال السنوات الماضية في (17) مهرجانا ومحفلا دوليا وعالميا.