كيف يقرأ المثقفون السعوديون تأثيرات الأزمة الاقتصادية على الثقافة؟

شدّ الحزام يطال المناشط الثقافية.. وسوق الكتاب أول المتضررين

TT

بالرغم من أن السعوديين حازوا ميزانية هي الأكبر في تاريخهم، إلا أن القلق من الأزمة الاقتصادية العالمية يلقي بثقله على حياتهم مثلما يلقي بظلاله على قراءة المثقفين لهذه الأزمة ونتائجها. والسؤال الكبير هو: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر التقلبات الاقتصادية، في نموها واستمرارها وديمومتها، على صعيد العمل الثقافي، والجهد المؤسسي في تنشيط الحركة الثقافية؟ هنا آراء قسم من المثقفين السعوديين:

* المليحان: تأثير حتمي

* في البدء، يرى جبير المليحان رئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي، ومؤسس شبكة القصة العربية، أن التقلبات الاقتصادية تشمل في سلبياتها فئات واسعة من طبقات المجتمع، ولا يكون ضررها محدوداً على طبقة بعينها.

ويشير المليحان إلى أن الدعم المادي المقدم لمشروع بناء ثقافي مجتمعي سيتقلص وربما يتلاشى عندما يتم تقدير أهمية المشروع وجدواه من الناحية الاقتصادية المباشرة.

إن الشأن الثقافي -يضيف المليحان- يتأثر بالاقتصاد بالضرورة، ولا يأتي ذلك مباشرة؛ فالثقافة والمعرفة تقبع -في الغالب- في هامش اهتمام الدول، وتقف الأجهزة الرسمية من ذلك موقفا متوجسا دائما، معللة ذلك بكونها شأناً ثانوياً لا يهم الناس، فهي ليست كأسعار المواد الغذائية، أو كرة القدم -مثلا- ولذلك يتقلص ما يصرف ماديا على هذا الهامش بشكل كبير من قبل الحكومات، وما يتبعها من مؤسسات ثقافية.

* الوشمي: معادلة الربح والخسارة

* أما الدكتور عبد الله الوشمي نائب رئيس نادي الرياض الأدبي فيرى أن الاقتصاد عنصر فاعل ومؤثر في الطبقات المختلفة، وحين يهتز الاقتصاد تضطرب تفاصيل المجتمع، وحتى على مستوى ديني نجد ربطاً بين مستويات الفقر ومستويات الضعف الأخلاقي والديني، ومن هنا فليس بالضرورة أن تصنع الأزمات وعياً، ولكن الحكومات والمؤسسات والمثقفين مطالبون باستثمار هذا الحدث، وتوظيفه في السياق الأفضل.

ويضيف الوشمي: «إن التقلبات الاقتصادية ستعيد كثيراً من الأبجديات الثقافية، وستعيد النظر في كثير من النظريات، وهو ما يتضح بصورة أكبر في الرواية، فالاستجابة الفنية والجمالية ترتد بشكل تدريجي على الأدب، والقصيدة التي كتبها المتنبي لتخليد انتصارات سيف الدولة لم يكتبها حسان بن ثابت ولن يكتبها أحد من المعاصرين، لأنها كانت استجابة لواقع متكامل من المعطيات الثقافية والاقتصادية والسياسية، وهو ما نتلمسه الآن».

ويؤكد الوشمي أن المؤسسات الثقافية -والمدنية بوجه خاص- لا تنمو نمواً راشداً بدون دعم، وإذا كانت المؤسسات الثقافية والأندية والملاحق الصحافية الثقافية دائماً ينظر إليها كعبء إضافي، فلاشك أن الضعف الاقتصادي سيسهم في صنع خلل في بنية الثقافة ومنتجاتها، ولن تقف حدودها عند توظيف مفردات الأزمة في الشعر والقصة وما شابه، لأن هذا قد يكون الميزة الوحيدة للأزمات، ولكن المعضل هو أن تكرس أنماطاً ثقافية تستمد قوتها من اللا ثقافي.

* الدرعان: تأثيرات غير مباشرة

* ويقول الأديب السعودي عبد الرحمن الدرعان إن الآثار المتوقعة للأزمة سوف ترتد سلبا على جميع جوانب الحياة، وهذا يعني أن المؤسسات الثقافية لن تكون بمنأى عن هذه الآثار، وإن لم تطل الفعل الثقافي بشكل مباشر فإنها بلا شك سوف تترك أثرها على صناعة النشر تحديدا وبالدرجة الأولى، باعتبار أن معادلة الربح والخسارة هي الهاجس الأول لدى الناشر، الأمر الذي سوف يمتد إلى سوق الكتاب ونشاط معارض الكتب. ويضيف: «لكن هذه الأزمة في المقابل قد تسهم، كما تفعل الأزمات على المدى البعيد، في تشكيل وعي جديد لدى صانع الكتاب الذي يتعين عليه أن يتجه إلى نشر كتاب من النوع الذي يستسهل القارئ اقتناءه، معتبراً أن ذلك سيكون توجهاً ثقافياً عندما يتأسس وعي موازٍ لدى القارئ».

* الحمود: ترابط الأزمات

* من جانبه، يرى الدكتور عبد الله الحمود، المتخصص في الإعلام، أنه لا يمكن للمثقفين العرب قراءة الأزمة الاقتصادية الحالية بمعزل عن العديد من الأزمات التي مرت على المجتمع الإنساني عبر تاريخه المعاصر.

ويقول: «إن الجهات الخاصة أبعد ما تكون عن العمل على تحقيق المصالح العامة بشكل عام، وبالتالي تقتصر رؤاها على ما يضمن عدم المساس بالعوائد والمكاسب الخاصة بها»، مشيرا إلى أن هذا ما تمت ملاحظته بوضوح أثناء انتشار تداعيات الأزمة الاقتصادية الحاضرة. ويضيف الحمود: «لا أعتقد على الإطلاق أن هذه الأزمة ستخلق واقعا ثقافيا أكثر وعيا، لأن للوعي الثقافي متطلبات. إن الأزمة الاقتصادية التي نشهدها الآن تكونت كنتيجة طبيعية لثقافة اقتصادية سادت العالم المعاصر قرونا من الزمن».