تاريخ ثقافة الإرهاب

انفجار أول سيارة مفخخة كان في وول ستريت في نيويورك عام 1920

TT

الإرهاب، حسب مؤلف هذا الكتاب، ليس مفهوماً جديداً، فإن أول قنبلة أنفاق انفجرت في لندن زرعها أحد أعضاء إحدى الجمعيات الأيرلندية عام 1883، وأول هجوم انتحاري كان على رئيس وزراء روسيا عام 1906، وأول شحنة ديناميت وُضعت في طائرة كان عام 1907 من قبل المتطرف بوريس سافنكوف.

أما انفجار أول سيارة مفخخة فقد كان في وول ستريت في نيويورك عام 1920. وبوصفه محاضراً في شؤون الإرهاب، نشر البروفسور ميسروف في الثمانينات من القرن التاسع عشر في صحيفة «دبلن» واصفاً الإرهاب بأنه «أقوى من مليون خطاب».

على خلاف ما يمكن أن يقوله بعض السياسيين والخبراء، فإن الإرهاب ليس أيديولوجيا أو عقيدة أو سياسة أو حالة سيكولوجية، بل هو سلاح، وسلاح قديم قِدَم الحرب نفسها، هذا ما يعتقده مؤلف كتاب «الدم والغضب: التاريخ الثقافي للإرهاب» مايكل بورليه، الذي يؤكد فيه على أن أغلب كتب التاريخ مليئة بصور العنف. فمن الفايكنغ حتى الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، كان إرهاب العدو يشكل جزءاً لا يتجزأ من تحقيق النصر.

وحتى في مظاهره وأشكاله الحديثة، فإن الإرهاب ليس مفهوماً جديداً. فإن أول قنبلة أنفاق انفجرت في لندن زرعها أحد أعضاء إحدى الجمعيات الأيرلندية عام 1883، وأول هجوم انتحاري كان على رئيس وزراء روسيا عام 1906، وأول شحنة ديناميت وضعت في طائرة كان عام 1907 من قبل المتطرف بوريس سافنكوف. أما انفجار أول سيارة مفخخة فقد كان في وول ستريت في نيويورك عام 1920. وبوصفه محاضراً في شؤون الإرهاب، نشر البروفسور ميسروف في الثمانينات من القرن التاسع عشر في صحيفة «دبلن» واصفاً الإرهاب بأنه «أقوى من مليون خطاب».

يستهل مايكل بورليه موضوعه في تاريخ ثقافة الإرهاب بالهجمات الأيرلندية في بريطانيا منتصف القرن التاسع عشر، مباشرة في أعقاب اكتشاف السويدي ألفريد نوبل إمكانية الاحتفاظ بالنتروغليسرين كعجينة. كانت هذه العجينة «الديناميت»، أول تقدم في عالم تكنولوجيا الإرهاب، التي بمقدورها أن توفّر قتلاً جماعياً لأولئك الذين لا يمتلكون جيشاً نظامياً. ويرى بورليه أن تأثير الإرهاب قد عزّزته وهوّلت منه وسائل الإعلام، لأن جوهر الإرهاب لا يكمن فقط في أعداد الضحايا التي يتسبب فيها، وإنما في حجم الضربة والضجة التي يحدثها من حوله.

إن المساحة التي يتحرك خلالها المؤلف لتقصي موضوع الإرهاب أو استخدام العنف، الذي بات منتشراً على مستوى عالمي، واسعة ومتلونة، ابتداءً من المنظمات الأيرلندية إلى العدميين الروس، ومن المتطرفين إلى الثوريين، ومن الإسرائيليين المتطرفين إلى التنظيمات الفلسطينية المتطرفة، ومن الجزائريين إلى الأفريقيين الجنوبيين. غير أنه يشير إلى بعض «الإرهابيين» على أنهم «متمردون» يتبنون قضية نبيلة.

وبالإضافة إلى ذلك، يذكر الكاتب تنظيمات ومجاميع أخرى مثل الألوية الحمراء، وجناح الجيش الأحمر، ومنظمة الباسك، والجيش السري الأيرلندي، والقاعدة، وحتى المصابين باضطرابات عقلية. يتعامل المؤلف مع موضوعه كمؤرخ سياسي أكثر منه عسكرياً. إنه يعرّف الإرهاب على أنه «تكتيك يُستخدم في الأساس من قِبَل أشخاص غير معروفين لخلق مناخ من الخوف والرهبة تعويضاً عن السلطة الشرعية السياسية التي لا يمتلكونها». لكن مفردة «الشرعية» تتطلب السؤال عن من ذا الذي يشرّع التكتيك أو الأسلوب؟ ضمن هذا السياق يعتبر الأميركيون والبريطانيون القصف من أجل إحداث الصدمة والرهبة على الأهداف المدنية في بغداد وبلغراد مسألة شرعية، ولكن ماذا عن ضحايا هاتين المدينتين؟

ومن جانب آخر، إن كان الإرهاب يعتبر كسلاح وليس أيديولوجيا، كما يقول المؤلف، فإن مثل هذه الاستخدامات يصعب التغاضي عنها وفقاً لوضع مستخدمها القانوني.

وتخلو دراسة المؤلف هذه من موضوع إرهاب الدولة الشامل الذي مارسته وتمارسه بعض الأنظمة الشمولية، خاصة أنظمة وسط وجنوب أميركا، كما أنها لا تتضمن حالات الإرهاب المشابهة الأخرى مثل الألغام الأرضية التي تفتك بحياة الناس وأنواع الأسلحة والذخيرة أو القصف الجوي للمدن والقرى، التي يشتمل عليها قاموس الإرهاب أيضاً. وفي تمييزه للملامح السياسية للحركات الإرهابية المتعددة، يمنح المؤلف الشرعية لبعضها في الوقوف ضد البعض الآخر. ومثل هذا فعلت صحيفة «التايمز» اللندنية في الثمانينات من القرن التاسع عشر، حينما قالت إن الإرهاب ينبغي أن يواجه «بواسطة الإرهاب القانوني».

المؤلف لا يناقش ماهية مثل هذا الإرهاب القانوني، وإنما يعكف على موضوع عنف اللادولة ضد الأبرياء. كذلك فهو لا يناقش المكونات الحاسمة للإرهاب الحديث والتأثير المضاعف لذيوعه، إذ كما هو معلوم، فإن الناس يمكن أن يصابوا بالرعب دون أن يجازف الإرهابي بحياته ويكلف نفسه عناء العنف الحقيقي.

وأن إشاعة حصول هجوم وشيك يمكن أن يحدث هلعاً كبيراً بين البشر. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بقيت واشنطن لعدة سنوات في حالة من الشك والريبة بحيث إنه في عام 2005، أُخلي البيت الأبيض إثر سماع أخبار عن قدوم «غيوم كثيفة»، غير أن المسألة لم تكن سوى إشاعة، والغيوم هي غيوم طبيعية.

ويتناول الكاتب أيضاً، وبشكل تفصيلي، ردود الأفعال غير المناسبة التي اتُخذت ضد الإرهاب، ويأتي بأمثلة على ذلك مثل تعامل بريطانيا العنفي مع العنف المضاد للكولونيالية، مما أدى إلى التعجيل بسقوط الإمبراطورية البريطانية. كما أن سياسة «العين بالعين» التي انتهجها أتباع أولستر الأيرلنديين وأتباع الجمهوريين قد أطال من أمد النزاع بين الجانبين.

ومن خلال المزج بين الإرهاب، كسلاح، والأسباب التي وُظف من أجلها، نجد الكاتب يستخلص بعض النتائج، ومنها على سبيل المثال قوله إن الجيش الجمهوري الأيرلندي، ربما لم يكن ليحقق مسألة إعادة توحيد أيرلندا من خلال الإرهاب، ولكن من خلال اتفاق يوم الجمعة العظيمة، حيث ربحوا كل شيء، وتم إطلاق سراح أعداد كبيرة من «الإرهابيين السابقين»، الذين شارك بعضهم في الحكومة. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المؤتمر الوطني الأفريقي الذي حقق انتصاراً كبيراً بعد عدّة حملات إرهابية محدودة في جنوب أفريقيا، إلى جانب استخدام وسائل تكتيكية مثل القنابل، الدعاية والإعلان أو التأثير السيكولوجي لأعمال العنف أو الإرهاب.