«شخصيات لها تاريخ».. سرد لتاريخ بلد في كتاب

مؤلفه عرض 31 شخصية سياسية وفنية وثقافية وعلمية

TT

عن «دار الشروق» للنشر، صدر مؤخراً للكاتب جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة كتاب «شخصيات لها تاريخ»، الذي يستعرض فيه فترات مختلفة من تاريخ مصر، من خلال عرض مبسط لحياة 31 شخصية مصرية وعربية وعالمية في جميع المجالات، أثَّرت في هذا التاريخ.

ولم يتوقف الكاتب عند عرض جوانب حياة كل شخصية، وإنما امتد إلى عرض عدد من القضايا الفلسفية التي تطرحها كل شخصية من هذه الشخصيات، وحاول الإجابة عنها وربطها بالحاضر في محاولة لتقديم تصور محتمل للمستقبل في الدول العربية. وينقسم الكتاب إلى 31 فصلا، يحكي كل فصل حياة شخصية واحدة، ويقع في 315 صفحة من القطع المتوسط، وهو يضم مقدمتين، إحداهما للطبعة الأولى عام 1996، والثانية للطبعة الثانية عام 2008.

والشخصيات التي يضمها الكتاب يجمعها رابط واحد؛ فبينهم رجال السياسة، ورجال الأدب والعلماء والفنانون، دون معايير واضحة للجمع بين هذه الشخصيات، سوى رؤية الكاتب وحدها. وفي تناوله لسيرة السياسي المصري فتحي رضوان، تطرق الكاتب إلى العلاقة بين السياسة والأخلاق، موضحاً أن فتحي رضوان المعارض الذي شغل مناصب وزارية، يمكن اعتباره نموذجاً لما يسمى بـ «المعارض الأبدي»، وهو نموذج من البشر، تأتي معارضتهم الأبدية للسلطة، مهما كانت مناصبهم، من أنبل الدوافع وأرفعها شأناً، ذلك لأنهم يتميزون أولاً باعتزاز شديد بالنفس، وبرغبة حقيقية في تحقيق مصلحة الوطن، ويمتلكون قدرة كبيرة على تمييز الخط الفاصل بين الحق والباطل في أكبر الأمور وأصغرها، كما يمتلكون الشجاعة التي تساعدهم على الجهر بالحق ومعارضة الباطل، مهما كانت النتائج. ويقول الكاتب: «إن هذا النوع من الرجال تجده لا يكاد يقترب من السلطة، حتى يبتعد عنها، إذ إنه حتى في أكثر العهود صلاحاً وإخلاصاً، يزعج السلطان بذلك الاعتداد بالنفس، وتلك الجرأة الغريبة على الجهر بالحق. ولذا، كانت فترة اقتراب رضوان من السلطة قصيرة للغاية، ولا تتعدى 72 شهراً في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر».

نموذج آخر عرضه جلال أمين في كتابه، هو نموذج رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، التي عملت بعد استقالتها مستشارة لدى إحدى شركات السجائر، مقابل مليون دولار سنويًّا، وتنصب مهمتها الرئيسية على تقديم الاستشارة للشركة في التغلب على ما تفرضه دول السوق الأوروبية المشتركة من قيود على الدعاية للسجائر. وكشف الكاتب، في تحليله لشخصية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عن ناصريته الواضحة، إذ دافع عن كل أخطاء عبد الناصر، محملاً وزرها أشخاصًا آخرين من بطانة عبد الناصر، بينما انتقد هذا الأمر في عرضه لشخصيات أخرى.

وينتقد جلال أمين بشدة شخصية الرئيس المصري الراحل أنور السادات بقوله «إنه يفضل التعامل مع الرأسمالي الثري على الأخص إذا كان أجنبيًّا، من مركز نفسي ضعيف، ومن شعور دفين بالقصور إزاء الأجنبي.. وقد انعكس هذا الشعور بكل أسف على تقييمه للأمة التي يمثلها». ومن رجال الثقافة، تحدث جلال أمين عن الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين، الذي قال عنه إنه نجح في بناء قاعدة جماهيرية عريضة له، وفي الوقت نفسه نجح في الاقتراب من السلطة، رغم معارضته لها، بالتزامن مع كُتَّاب مماثلين له في مجالات أخرى، أمثال صلاح جاهين، وأحمد عبد المعطي حجازي، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ. العلاقة بين العلم والسياسة كانت أيضا من ضمن القضايا التي أثارها الكتاب، وظهرت جلية عند تناوله شخصية العالم المصري أحمد زويل، الفائز بجائزة نوبل، وسرد قصة ذهاب زويل إلى إسرائيل، وقبوله تكريم الدولة اليهودية له، بل وألقى خطاباً أمام الكنيست الإسرائيلي، واعتبر أمين أن ما قام به زويل يؤكد أن «العلم لا وطن له» وأن هناك «فصلاً بين العلم والسياسة».

ومن خلال صفحات الكتاب يظهر جليًّا أن جلال أمين شغلته بشدة قضية علاقة المثقف بالسلطة، حيث يضرب من خلال بعض شخصياته العديد من الأمثلة في شكل وطبيعة تلك العلاقة، ومن أبرزها الكاتب الراحل لطفي الخولي، الذي يصفه أمين بأنه بالصائد في أعالي البحار، وهو صنف من المثقفين، تستخدمهم السلطة لما يشبه «تجنيد» المثقفين الآخرين و«ترويض» المثقفين المعارضين، وهو ما يتطلب صفتين رئيستين لم تتوفرا سوى في الخولي الذي قاد التطبيع الثقافي مع إسرائيل ضمن حركة «كوبنهاجن»، وهما: الذكاء الكافي للإحاطة بالحجج التي قد يثيرها المعارضون، واختراع ردود قوية عليها، والجرأة الكافية لتحمل مغبة الخوض مع المعارضين في معارك مستمرة، الظفر فيها ليس مؤكداً. وأهل الفن كان لهم نصيب من شخصيات جلال أمين، فيقول عن الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه أدرك أهمية وسائل الإعلام؛ فعرف كيف يستخدمها لصالحه وصالح فنه، بل استطاع أن يحجب عنها أي خبر لا يجده في صالحه.