عبد الرحمن الحبيب لـ«الشرق الأوسط» : تجربتنا في الحداثة متعثرة وامتحانها عسير

أكد أنه لا يمكن الانتقال لمرحلة ما بعد الحداثة دون المرور بمخاضات التجربة القاسية

TT

> هناك جدل كبير في الأوساط الثقافية السعودية حول قصة الحداثة ودورها في المجتمع المحلي.. إلى أين تقود هذه القصة، ومتى تنتهي؟

- القصة لا تنتهي حتى تنتهي الحداثة. وهذا الجدل الفكري علامة صحية، إذا لم يكن جدل إلغاء وإقصاء. فالصراع طبيعي وصحي بين القديم والجديد، بين الأصالة والتجديد، بين المحافظة على الهوية دون تطوير والانفتاح على التغيرات..

> هل من غاية فكرية لهذا الجدل؟

- الغاية الفكرية لذلك الجدل ترجع لتوجهات كل طرف بين القديم والجديد.. فالحداثة تؤكد على الانفتاح على الآخر وعلى التجارب الجديدة في الأفكار وفي طرق التفكير، والتأكيد على استقلالية الفرد عن سلطة العادات والأعراف وعن السلطة التقليدية، والإيمان بفاعلية العلم. والمجتمع الحداثي يتصف بالديناميكة وبالانفتاح على التغيرات التي يحدثها الإنسان وأخذ موقف نقدي من العادات والتقاليد الموروثة. ويتميز اقتصاده بتعقيد مؤسساته، خاصة الإنتاج الصناعي والسوق التجاري، بينما الطرف الآخر تقليدي يؤكد على المحافظة على التراث والهوية وارتباط الفرد بالسلطة التقليدية (الوالدين، رجال الدين، القبيلة..).. ويتصف مجتمعه بالثبات والتمسك بالعادات والتقاليد، ويتميز اقتصاده بأنه ريعي وزارعي..

> هناك من يرى أن أصحاب مشروع الحداثة في نسختها المحلية ما زالوا في حالة (وهن) وغير قادرين على الدفاع عن مشروعهم وتحمل تبعات ذلك الدفاع؟

- ربما ذلك صحيح، فالمسألة تعود لعدة عوامل وظروف. فبعض من دعاة الحداثة لم يبرح الألفاظ وبعضهم لم يتجاوز الحداثة الأدبية أو الثقافية، بل إن بعضهم يمارس خطاباً مضاداً للحداثة في محاولته للدفاع عن الحداثة حسب ظنه، لكن هناك أيضاً من أصحاب المشروع الحداثي من يمتلك القدرة والكفاءة والتحمل، غير أن الظروف السياسية والاجتماعية في العقدين السابقين قمعتهم ومنعتهم من الظهور والتعبير مقابل إتاحة الساحة لطرف واحد مضاد للحداثة.

> في حين نلاحظ أن العالم تجاوز مرحلة الحداثة بمراحل فإننا ما زلنا نراوح في المخاض العسير بين القديم والحديث، بين الأصالة والحداثة، برأيك لماذا نستهلك كل هذا الوقت في طرح مشروع تجاوزه العالم؟

- أرى أن في سؤالك يوجد الجواب ضمنياً، بمعنى أننا لم نتجاوز مرحلة إقرار الحداثة. أما إذا كنت تقصد أننا لماذا لا ننتقل لمرحلة ما بعد الحداثة دون المرور بالحداثة ومخاضات صراعها مع ما قبل الحداثة، فهذا سؤال كبير طرحه بعض المفكرين وطرحت بعض النظريات خاصة في مجال التطور والتغير الاجتماعي والاقتصادي ومشاريع التنمية. البعض يرى أنه ليس ضرورياً أن تكتمل مرحلة الحداثة لكي ننتقل إلى ما بعدها كتجربة كوريا وماليزيا، البعض يرى أنه لا بد من المرور بمرحلة الحداثة وبالأخطاء الضرورية لكل مرحلة لكي نصل لما بعدها. في اعتقادي أننا لا بد أن نمر ببعض المخاضات قبل الانتقال للمجتمع الما بعد حداثي أو الما بعد صناعي، المهم أن لا تكون هذه المخاضات عسيرة تودي بحياة الجنين أو بالأُم..

> كيف تصف التحديات التي تشهدها الحداثة في السعودية؟

- واجهت الحداثة وتواجه امتحانات شرسة لم تواجه شبيهاً لها في المجتمعات العربية كافة، وفي هذه الأيام هي أثبتت قدرتها على البقاء في الحيز الثقافي والأدبي بل وأثبتت تفوقاً في ذلك، لكن التحدي الأكبر هو في حداثة الحياة اليومية.. حداثة الاجتماع والاقتصاد والسياسة.. حداثة المجتمع والدولة وحقوق الإنسان خاصة الحرية والمساواة اللتين تعدان القاعدة الأساسية لفلسفة الحداثة.