سيرة التويجري كاملة من رسائله

كان واحدا من أهم مبدعي أدب الرسائل المعاصرين

TT

في زحمة انشغالات قارئ اليوم، الثقافية والإبداعية والحياتية الكثيرة، أخذ يغض النظر عن أدب الرسائل كفن إبداعي عريق ومؤثر، ارتفع بنماذج منه إلى قمم عالية في الإبداع، وأصبح جزء غير يسير منه، مادة للتوثيق والتأريخ.

ولعل الأديب، الشيخ عبد العزيز التويجري، الذي رحل في العاشر من شهر أغسطس (آب) عام 2007، كان واحدا من أهم مبدعي أدب الرسائل المعاصرين، وهذا ما أكده نقاد ومبدعون، من أمثال الدكتور زكي نجيب محمود، رجاء النقاش، الدكتور محمد جابر الأنصاري، الدكتور عبد الله الغذامي، محمد حسنين هيكل، لطفي الخولي، شفيق الحوت، الدكتور بدوي طبانة، وكثير غيرهم.

وقد أصدر أخيرا الشاعر العراقي، يحيى السماوي، كتابا جديدا، تحت عنوان «الشيخ عبد العزيز التويجري وأسلوبه المتفرد في أدب الرسائل». وكانت تربط السماوي علاقة جيدة مع الراحل الكبير، وكان بينهما كثير من الرسائل المتبادلة.

واعتمد السماوي على 46 مصدرا تراثيا ومعاصرا، في تأليفه لهذا الكتاب الثري والحافل، وهو في توطئته يؤكد أن العرب قد عرفوا فن الرسائل منذ البدايات الأولى لمعرفتهم الكتابة، ويذكرنا هنا بأن الباحث العلامة اللغوي، أحمد الهاشمي، صاحب «جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب» اعتبر أدب الرسائل أول فنون الإنشاء السبعة وهي: المكاتبات، المناظرات، الأمثال، الأوصاف، المقامات، الروايات، والتاريخ».

وفي قراءته لتاريخ أدب الرسائل في الأدب العربي، يقول المؤلف «مثلما شهد الأدب العربي القديم أدباء وكتابا أولوا الإنشاء والتعبير في فن الرسائل اهتماما، أمثال عبد الحميد الكاتب المتوفي سنة 132 هجرية، و أبو الفضل العميد المتوفي سنة 360 هجرية، وابن الأثير المتوفي سنة 606 للهجرة، والقلقشندي صاحب موسوعة «صبح الأعشى في تأليف الإنشا» المتوفي سنة 821 للهجرة، وبديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 395 للهجرة، فإن الأدب العربي الحديث، شهد هو الآخر أدباء وكتابا أولوا فن الرسائل اهتماما مماثلا، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الأب أنستاس الكرملي في رسائله إلى أدباء عصره، ومجامع اللغة العربية، جبران خليل جبران «رسائله إلى مي»، مي زيادة «رسائلها إلى جبران»، عباس محمود العقاد «رسائله إلى مي زيادة وأدباء آخرين»، بدر شاكر السياب «رسائله إلى سهيل إدريس وأدونيس وغيرهما»، غسان كنفاني «رسائله إلى غادة السمان»، يحيى حقي «رسائله إلى ابنته وعدد من مجايليه»، الدكتور عبد العزيز الخويطر «رسائله إلى ولده»، سعد البوادري «رسائله إلى ابنته»، أحمد أمين «رسائله إلى ولده»، فدوى طوقان، نزار قباني، وغيرهم الكثير».

وبالانتقال إلى أدب التويجري تحديدا «وهو الموضوع الأساسي للكتاب»، يقول المؤلف إن «رسائل الأديب الشيخ، عبد العزيز التويجري تختلف عن رسائل سابقيه، لا على صعيد الكم فحسب، إنما، على صعيد الأسلوب باعتباره هوية الكاتب، والطريقة التي ينسج بها من حرير الكلمات ثوب المعنى لأفكاره، وهو «سحنة العقل» على حد تعبير الفيلسوف شوبنهاور».

ويرى أن «أسلوب التويجري في رسائله، يكشف عن سحنة عقله: المحاور، الباحث عن الحقيقة، التنويري، المتسامح، والذائد عن القيم والمثل العليا والثوابت الأساسية للشعوب والأمم، حتى لو اختلفت المذاهب والديانات والنظم المؤسساتية، انطلاقا من أن الإنسانية، باعتبارها القاسم المشترك فيما بينها جميعا، يحتم عليها ردم الهوة بالحوار حلا للمعضلات وتوسيعا لمبدأ التكافل الإنساني».

وحسب الطبعة المتوفرة لدى المؤلف، تشكل رسائل التويجري ما نسبته أكثر من ثلثي أعماله الأدبية، التي تجاوزت صفحاتها خمسة آلاف صفحة، أخذ أدب الرسائل منها ألفين وثلاث صفحات، توزعت على سبعة كتب هي: «رسائل إلى ولدي، حتى لا يصيبنا الدوار»، «حاطب ليل ضجر»، الجزء الأول، «حاطب ليل ضجر»، الجزء الثاني، «رسائل خفت عليها الضياع»، «الإنسان رسالة وقارئ»، و«رسائل الشيخ».

وهو يرى أن ما يميز التويجري عن سابقيه في أدب الرسائل، هو أنه «نسيج وحده، فهو بمثابة مدرسة قائمة بذاتها في هذا الجنس الأدبي، ويذهب إلى أن من الصواب تسمية عطائه في هذا المجال بـ«المدرسة التويجرية في كتابة الرسائل»، لكونه يتفرد من بين أدباء فن الرسائل بجملة مميزات أهمها: الطابع الفلسفي والتأملي، خصوصا في كتاباته المتأخرة، وتوافر أكثر سمات الرسائل الأهلية في كل رسالة من رسائله، تصريحا أو تلميحا، عبر تورية أو استعارة، وهذا ما لا نجده في رسائل سابقيه ومجايليه، فالشوق والشكر والوصايا والشفاعات والنصح والمشورة، كلها موجودة في الرسالة التويجرية.

ومن السمات الأخرى التي يتناولها المؤلف، كثرة الأسئلة الفكرية والفلسفية، فحين يُسأل عن أمر، يأتي جوابه كما لو أنه سؤال آخر يتطلب جوابا، لا حبا في الأسئلة، ولكن لسبر المزيد من أغوار المعرفة، بحثا عن أجوبة لمعضلات الإنسان المعاصر، وفتحا لآفاق جديدة من المعرفة، وللإبقاء على بحيرة الفكر متحركة الأمواج، لقناعته أن حجر الأسئلة هو وحده ما يبعد عن أمواجها السكون، وإعادة فتح طريق اندثر، أو كاد يندثر، كان الأولون قد فتحوه.

وفي إطار قراءاته في أدب التويجري عموما، وأدب رسائله خصوصا، يقول الشاعر السماوي إن «التويجري لم ينشر سيرته الذاتية في كتاب مستقل، إلا أن رسائله تتضمن جوانب كثيرة من سيرته، بل إن سيرته الذاتية كلها مبثوثة بين صفحات رسائله، وبمقدور الباحث استخلاص سيرة التويجري كاملة من رسائله، وتلك سمة أخرى للمدرسة التويجرية في كتابة الرسائل لا نجدها في رسائل سابقيه ومجايليه، وإن وجدت، فلمح وشذرات لا تكفي أن تكون سيرة ذاتية، وأعتقد أن شيخنا الجليل لم يتعمد ذلك، لكنها فطرته البدوية، ووضوحه وتواضعه، ورغبته في إفادة قارئيه من تجاربه وكفاحه في الحياة.