الشاعر السعودي علي بافقيه: فضائي هو الحرية

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» : حداثتنا شكلية لم تصل إلى البنى الاجتماعية

TT

يمثل الشاعر السعودي علي بافقيه إضافة شعرية عميقة التأثير في التجربة الشعرية الحديثة السعودية. أصدر مجموعتين شعريتين بفاصل زمني كبير، الأولى «جلال الأشجار»، والثانية «رقيات»، قصائد تعبر عما يسميه اكتشاف جوهر قصيدة التفعيلة، ومدى الدهشة بغياهب النص وشوارده وتجلياته في قصيدة التفعيلة، بالرغم من أنه بدأ شاعرا عموديا. ويشير بافقيه في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى أن الحداثة في الشعر عند السعوديين خاصة والعرب عامة قشرية وتفتقد إلى البنى الاجتماعية. ويعتقد بأن من حق الشاعر أن يغيب أو أن يكف عن كتابة الشعر (فهو ليس موظفا عند أحد). هنا نص الحوار:

> كيف تنظر لمستقبل القصيدة الجديدة في السعودية؟

- القصيدة الجديدة بدأت أوائل السبعينات من القرن الماضي، حين ظهرت قصائد تفعيلة بلغة شعرية جديدة طالما انتظرها المشهد الشعري المحلي بحسرة رغبة في الخروج إلى لغة شعرية جديدة بعيدا عن اللغة التقريرية. أما ظهور قصيدة النثر بتجارب شعرية نوعية، فقد بدأ أوائل ثمانينات القرن الماضي عندما قرأنا قصائد من محمد عبيد الحربي ومحمد الدميني. كان من حظ قصيدة التفعيلة الدور الذي قام به محمد العلي وعبد الله نور. إنه دور الجواهرجي في فرز ما هو شعر وما هو عبث.

الآن لم يعد هناك من يتمهل لفرز ما هو ثرثرة عن ما هو تجليات وإشراقات شعرية، أضف إلى هذا بقاء قصيدة النثر على الهامش. ويبدو جليا أن الساحة ضيقة لا تتحمل ركض المتفردين والمختلفين. أعتقد أن بعض الأندية الأدبية فعلت حسنا بنشر مجموعات شعرية حديثة لم تكن تقبل بنشرها في الماضي.

> هل جاءت قصيدة النثر كبديل لشعر الحداثة، ولماذا؟

- لا أظن أن الشكل الشعري الخارجي يؤشر إلى حداثة أو قدامة. إنه ليل المعنى وجوهر النص المؤشر الفعلي كذلك بوتقة الصراع الذاتي في جوف الشاعر هي المؤشر الحقيقي. تراكم التجربة الإنسانية وخبرة الكائن البشري يؤديان إلى أنساق جديدة في كل مناحي الحياة، حتى اللغة اليومية فما بالك باللغة الشعرية.. هذه الأنساق الجديدة تعتمد في ولاداتها وتمخضاتها على قدرة المجتمع والأفراد على الحركة إلى الأمام وعلى وعي الضرورة والفكر النقدي. في الثقافة العربية السائدة اليوم لا زال الزمن الذي يسميه الأسلاف الدهر هو الذي يقرر. الحداثة عندنا وعند العرب بشكل عام لم تصل إلى البنى الاجتماعية ولهذا فهي شكلية أشبه بالقشور في الكثير من النتاج الشعري ومن يفضلون السلامة من الشعراء والكتاب يعودون إلى حظائرهم سالمين.

> هناك اهتمام سعودي أكبر بالرواية.. هل جاء ذلك على حساب الشعر عموما وشعر النثر خصوصا؟

- على العكس من ذلك. أرى أن الرواية وقصيدة النثر هما الآن ضرورة للساحة الثقافية والاجتماعية.. إننا بحاجة إلى حراك حقيقي لإظهار الطاقات الإبداعية المحلية، وهي كثيرة والتوغل في الخبايا الاجتماعية والبدء في ثقافة التجديد وتجديد الثقافة. وربما يكون طغيان الرواية سبب إهمالا للتنقيب في الركام الشعري.

> قام نادي الرياض الأدبي بنشر تجربتكم الشعرية من خلال إصدار مجموعتك الجديدة وإعادة نشر مجموعتك الشعرية الأولى.. إلى أي مدى لامس ذلك تطلعاتكم الأدبية تناولا وطرحا؟

- أعتقد أن وجود الدكتور سعد البازعي والشاعر عبد الله الوشمي على رأس النادي هو مكسب لنادي الرياض الأدبي. ولا أريد الخوض في أخطاء بسيطة في الغلاف وفي الداخل من الغباء حدوثها في هذا الزمن سبق أن أشرت إليها من باب تكريس النقد الذاتي للنهوض بالنادي. كل ما أريد قوله وما يمثل تطلعاتي وتطلعات الساحة الثقافية هو أن تكرس الأندية الأدبية الفكر النقدي والنقد الذاتي ابتداء من أعضائها. الأندية الأدبية مطالبة بالتجديد الإداري والتجديد الثقافي، وهي تحاول ذلك بدون شك ولن تفلح محاولاتها دون الإصغاء للنقد بل عليها المطالبة به وتكريسه بدلا من الانتقام من الصوت النقدي.

> في ديوانيك «رقيات» و«جلال الأشجار» ملت إلى تأنيث نصوصك الشعرية.. هل يعني ذلك أن مفردات الرقة والاشتياق والهيام أكثر تعبيرا عن إنسانية الحياة ومعاناتها أم أنها صورة مقلوبة للشعر العذري القديم بشكل جديد؟

- المرأة وتداخلاتها وتجلـــياتها الإنــسانية والأنثوية تأخذ الجزء الأوفر في مجموعتي الشعرية الأخيرة «رقَيّات». هذا صحيح. أما مفرداتك الثلاث التي استخدمتها في سؤالك (الرقة والهيام والاشتياق)، فهي مفردات الحياة الإنسانية السويّة وسوف أبقى وأموت مشتاقا وهائما. ليس الأمر عذريا.. فالمرأة مرأة، والرجل رجل.. كل ما في الأمر أنني أتعامل مع المرأة بشرا سويا، حبا في المرأة والدفاع عن إنسانيتها.

> كيف ظهر تأثير التباين بين البادية والمدينة في قاموسك الشعري؟.

- الفلكلور بشكل عام سواء في القرية أو البادية أو المدينة في البر أو البحر به ثراء التجربة الإنسانية والإبداعية. التشرب بالفلكلور والتراث قد يضيف إلى النص والأساطير الإنسانية يمكنها أن تثري النص الإبداعي أيا كان نوعه، إذا كانت متسربة في خلايا النص وفي خلايا المبدع وليس على شكل نتوءات، وهكذا يمكن استخدام مفردات البداوة في أهازيج المدينة. ولا ننسى أن كل المجتمعات البشرية كانت في يوم من الأيام مجتمعات بدوية.

> هناك مدارس عربية للشعر النثري.. إلى أي حد استفدت منها؟

- كانت قصائدي الأولى أو بواكيري إن شئت على الشكل العمودي. نشرت قليلا منها في السبعينات، ثم اكتشفت جوهر قصيدة التفعيلة، وذهلت بغياهب النص وشوارده وتجلياته في قصيدة التفعيلة. مجموعتي الأخيرة قصائد تفعيلية أحيانا تتسرب بينها أبيات تناظرية (عمودية). وفي المجموعة الأولى توجد قصائد نثر.

تأثري كان في البداية بالشعر العربي القديم والمهجري وخاصة شعر جبران خليل جبران، ثم أيام الجامعة بدأ اهتمامي بالشعر المعاصر العالمي والعربي. لم أحدد مدرسة معينة، غير أنني كنت معجبا بالسرياليين في فترة معينة.. هذا يعطي تدفقا وعفوية غامرة.

> بين (التوصيف) و(التجريب) ما هي فضاءات بافقيه الشعرية التي يتعامل معها؟

- التجريب يصقل أدوات الفنان ويطورها وهو عمل إبداعي وليس تهويما على الورق. فضائي منفتح على الحياة والطبيعة والإنسان. في قصيدتي يمتزج كل شيء.. الذاتي والاجتماعي والإنساني والطبيعة والمرأة والتفاصيل الصغيرة والتجربة التاريخية للكائن البشري. عندما أكتب القصيدة أكون مكتظا بها ويكون فضائي هو الحرية.

* من شعر بافقيه

* من قصيدة «نون النخلة»

* سلامٌ عليهِنَّ

* يهوَى الهواءُ الرَّشيقُ عباءَاتِهنَّ

* فيهفو ويصفو ويعتلُّ

* ينضجُ،

* يُؤْكلُ بين أَناملهِنَّ

* سلامٌ عليهِنَّ

* من صَبَا يَتَرَقْرَقْنَ

* بينَ المياهِ ونخل اليمامةِ يُخْلقْنَ

* يَرهُفُ طينُ الجزيرةِ

* يَرْبُو،

* وفي شَغَفٍ يَشْرَئِبّ

* فيطلعْنَ

* من طَلْعِهِنَّ

* سلامٌ عَليهِنَّ

* المسافة

* قلتُ صمتي لها

* واْنقرضتُ سوى

* لَهفتي وشجايْ

* وأنا سارقُ النار

* أحفظُ صُوَّانتي

* بين ضلعي وضلعي

* وأوقد ليلاً قرايْ

* قلت صمتي لها

* والمدينةُ تُطْفئُ أضواءَها

* والشوارع تُغفلُ أسماءَها

* والبراري الفساحْ

* طُويتْ.

* أيها المنتحونَ

* نواحيَ سلمى

* حداؤُكمُ الْيوم

* َ يحرثُ روحي

* نبتةً

* نبتةً

* عرَّشَ الفرحُ الْمُرُّ فيَّ

* وشارفَ لاعجُ

* عشقي مشارفَكمْ

* حطَّ طيرٌ على القلبِ

* حطّتْ نداةٌ

* وحطّتْ حصاةٌ

* ها أنا الآنَ

* أُشعل ناري الصغيرةَ

* زرقاءَ

* زرقاءَ

* تَبغي أنا تَبغكمْ

* والمسافةُ أقربُ من مَدَّةِ

* في الضلوع

* سيرة ذاتية

> بدأ الكتابة والنشر في أدبيات كلية البترول والمعادن، وجريدة «اليوم» عام 1975

> شارك مع الوفد السعودي لمهرجان المربد الشعري في العراق ثلاث مرات قبل عام 1990

> كتب زاوية أسبوعية لثقافة جريدة «الرياض» عام 1986

> كتب زاوية أسبوعية لثقافة جريدة «الجزيرة» عامي 2000 و2001

الإصدارات:

> «جلال الأشجار»: مجموعة شعرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1993.

> «رقيات»، مجموعة شعرية، النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي، بيروت،2007.