عبد الله بن خميس.. حوار مع التاريخ

كتاب سعودي يوثق لدوره الصحافي وأحاديثه الإذاعية والتلفازية

TT

يعد الحوار من أقوى وسائل الاستذكار والاستنطاق إذا كان المحاوِر ـ بكسر الواو ـ متمكنا والمحاوَرـ بفتح الواو ـ ذا خبرة وعلم وتجربة، وبالتالي يصبح الحوار مادة ثرية للمثقفين ومتعقبي الوقائع التاريخية والباحثين عن متعة المعرفة، وقد أدرك الإعلامي الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي المذيع ووكيل وزارة الإعلام وعضو مجلس الشورى سابقا، هذه الأهمية فأصدر سلسلة (الحوارات التلفزيونية) التي أصدر منها ـ بحسب علمي ـ خمسة أجزاء، الأول عن الشيخ محمد بن جبير وزير العدل ورئيس مجلس الشورى حتى وفاته، والثاني عن الفقيد الشيخ حمد الجاسر الأديب والمؤرخ المشهور، والثالث عن الأمير مساعد ابن عبد الرحمن وزير المالية في وقته حتى وفاته، والرابع عن الراحل الأمير خالد السديري، ثم أخيرا عن الأديب والمؤرخ الشيخ عبد الله بن خميس. في حوار تلفازي توافرت فيه المادة الثرية بين الإعلامي النابه عبد الرحمن الشبيلي وبين الشاعر والأديب والمؤرخ عبد الله بن خميس، الذي يعد علما بارزا من أعلام مثقفي ومؤرخي المملكة العربية السعودية، ومرجعا مهما من مراجع التاريخ الوطني، وممن تم تكريمهم في عدة مناسبات من أعلى المستويات ونشر هذا الحوار في كتاب توثيقا لمادته وأهميته . تنوعت مادة هذا الحوار بين السياسة والأدب واللغة والتأريخ والجغرافيا والفقه والاجتماع والمسئوليات الإدارية العليا في الدولة، حيث افتتح المؤلف كتابه بمقدمة بين فيها أنه سجل هذا الحوار تلفازيا في السبعينات. ولأهمية ما تضمنه من معلومات وحقائق في مختلف جوانب الحياة، فقد آثر أن يطبعه في كتاب لتعميم فائدته. غير أنه من الجدير التنويه إلى أن هناك شيئا من القيل يدرك القارئ الفطن أنه اختفى من الصفحات المطبوعة لدواعي رقابية من المؤكد أنها أخف بكثير من تلك التي كانت موجودة عند إجرائه وتسجيله.

استعرض المؤلف نص الحوار التلفازي مع عبد الله بن خميس من دون تدخل في النص، حيث اكتفى بالشرح والتعليق بين قوسين لما يحتاج لذلك، نظرا لبعد العهد أو لضرورة تدعو له.

تضمن الحوار شيئا عن أسرة الضيف تاريخيا، وعن وادي حنيفة، وعن إقليم اليمامة، وعن طويق والعارض، وعرج الحديث إلى كشف كنه العلاقة بين طسم وجديس، ثم التعريف بمنفوحة التي ولد فيها الشاعر الفحل الأعشى، ليتحدث الضيف بعد ذلك عن بعض الأسر من العارض، وحملة الراية السعودية، وليتوقف الضيف عند الحديث عن بعض الأعلام في التاريخ الوطني مثل الملك عبد العزيز وعثمان المضايفي وآل سويلم وآل عريعر وعبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والأمير محمد بن عبد العزيز ومحمد بن هندي. وليستطرد متحدثا عن ملوك المملكة العربية السعودية والشعر، وليلقي الضوء على بعض الأحداث المهمة تاريخيا واجتماعيا، كمعركة أم العصافير، وحرب الدرعية، وبداية التعليم في مدينة الرياض، مستطردا إلى الكلام عن مدينة الرياض القديمة، حتى استطاع الدكتور الشبيلي بشيء من الفطنة أن يغترف من الضيف حديثا شيقا عن الشعر الشعبي (النبطي) وموقفه منه، ثم التعرف على شاعرية ابن خميس نفسه!

ويعود الدكتور الشبيلي مرة أخرى فينشط ذاكرة الضيف عن قصة أهل (هل) العوجاء والعرضة النجدية (السعودية فيما بعد)

وفي نهاية الكتاب تحدث الدكتور الشبيلي عن الجهود الإعلامية لعبد الله بن خميس، مشيرا إلى أن المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية تدين بكثير من الفضل في مجال الصحافة والطباعة للشيخين حمد الجاسر، الذي أسس وأصدر مجلة «اليمامة» التي صدر عددها الأول في ذي الحجة سنة 1372هـ(1953م) حتى أصبحت فيما بعد مؤسسة اليمامة الصحفية، وعبد الله بن خميس الذي أسس وأصدر مجلة «الجزيرة» التي صدر عددها الأول سنة 1960 حتى أصبحت فيما بعد مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر، وبعد أن استعرض المسار التاريخي لهاتين المطبوعتين، أوضح الدكتور الشبيلي أهم ملامح الجهود الإعلامية لعبد الله بن خميس وحصرها في سبعة عناصر، العنصر الأول: كتاباته المبكرة في الجريدة الرسمية «أم القرى»، وفي جريدة «البلاد» السعودية أواخر الستينات الهجرية، وفي مجلة «اليمامة» بعد تأسيسها، كما نشرت له مقالات وقصائد في مجلات وصحف سعودية أخرى، والعنصر الثاني: تجربة ابن خميس في الكتابة في مجلة «هجر»في الأحساء، التي كان يصدرها المعهد العلمي بالأحساء ويشرف عليها مدير المعهد، الذي هو بن خميس نفسه، وذلك قبل صدور مجلة «الجزيرة» بثلاث سنوات، والعنصر الثالث : إصداره مجلة أدبية تاريخية ثقافية، فبعد أن استقر في الرياض عين مديرا لكليتي الشريعة واللغة العربية 1956، ثم مديرا عاما لرئاسة القضاء 1960، فعاوده الحنين إلى حلمه القديم بإصدار مجلة ثقافية تاريخية أدبية، فأصدر من دارته في شارع الخزان بالرياض مجلة «الجزيرة».

العنصر الرابع: عضوية ابن خميس في المجلس الأعلى للإعلام في المملكة العربية السعودية كانت منذ أن شكل بهذا الاسم، حتى قدم اعتذارا عن عدم الاستمرار في 1983 بسبب ظروفه الصحية، وكان للشيخ ابن خميس جهود واضحة في رسم مشروع السياسة الإعلامية السعودية التي أقرت 1982، العنصر الخامس: أحاديثه الإذاعية والتلفازية حيث ارتبط ابن خميس ببعض البرامج المتميزة التي تستقطب كثيرا من المستمعين والمشاهدين نظرا لقوة مادتها، وما فيها من تشويق وجاذبية، ولأنها مبنية أساسا على التواصل مع الجمهور مباشرة، ويعد برنامجه الشهير (من القائل؟) مثالا على نجاح ابن خميس إعلاميا، ولذا فقد طبعت مادة هذا البرنامج في كتاب من أربع مجلدات تزيد صفحاته على 2500 صفحة، كما جرى إعداده للبيع بتسجيلات بصوته، العنصر السادس: إنشاؤه مطابع الفرزدق سنة 1977 حين أخذ على عاتقه طباعة مؤلفاته ومؤلفات الشباب تشجيعا لهم على النشر، العنصر السابع: كتاباته ومؤلفاته نثرا وشعرا وتأليفا، حيث بلغت الكتب التي ألفها أربعة وعشرين عنوانا، يتكون بعضها من عدة أجزاء، وبعضها في موضوعات تخصصية تعد مرجعا علميا للباحثين والمؤرخين، لجزالتها، وما بذل فيها من جهد، فمثلا كتبه (تاريخ اليمامة) المكون من سبعة أجزاء و(معجم جبال الجزيرة) المكون من خمسة أجزاء و(معجم أودية الجزيرة) المكون من جزءين، لا يكاد يستغني عنها باحث في تاريخ وجغرافية المملكة العربية السعودية.

* عضو الجمعية العلمية السعودية للدراسات الدعوية عضو اللجنة العلمية

[email protected]