النار تستعر بين جبهتين شعريتين على الساحة المصرية

شعراء قصيدة النثر يعلنون الحرب على مهرجان بقيادة حجازي

TT

المعركة حامية الوطيس بين الشعراء المصريين، وتزداد احتداما مع اقتراب موعد مؤتمر الشعر العربي الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة في الفترة من 15 إلى 18 مارس (آذار) المقبل، برئاسة أحمد عبد المعطي حجازي. فقد أعلن عدد من شعراء قصيدة النثر عن تنظيمهم ملتقى لقصيدة النثر دون غيرها، في التوقيت نفسه الذي يقام فيه مؤتمر الشعر، ردا على موقف المؤسسة الرسمية من قصيدة النثر وإقصائها وإقصائهم معها. مؤتمران للشعر في وقت واحد، أو جبهتان شعريتان تتبادلان الاتهامات، وهنا تحقيق حول النار المشتعلة بين الطرفين.

مع اقتراب موعد مؤتمر الشعر العربي الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة، دعا عدد من شعراء قصيدة النثر إلى ملتقى لقصيدة النثر في نفس التوقيت، واختاروا نقابة الصحفيين مكانا لملتقاهم. وأوضح الشعراء الداعون إلى الملتقى وجهة نظرهم في بيان قالوا فيه إن الملتقى يستهدف تسليط الضوء على تجربة الشعر الجديد في مصر، «لا سيما بعد تقليص حضوره على المستوى الرسمي، واتهامه بأنه معاد للغة والدين، وأنه تدمير للتراث وتجاسر على تاريخه التليد، فضلا عما تعمد إليه المؤسسة الرسمية من إقصاء الشعراء الجدد عن محافلها ومؤتمراتها وجوائزها، وترك الساحة للتيارات المحافظة التي تناصب التيارات الجديدة عداء لا ينقطع».

وبينما تتوالى اعتذارات الشعراء الكبار عن عدم حضور مؤتمر الشعر من أمثال أدونيس وسعدي يوسف، أكد شعراء الملتقى على حضور عدد من الشعراء والنقاد العرب، منهم: صبحي الحديدي، ولينا الطيبي، ونديم الوزة (سورية)، ومحمد خضر، ومحمد العباس، وأحمد الملا (السعودية)، وعلي المقري، وأحمد السلامى (اليمن)، ومحمد مظلوم، ونصير غدير، وحاتم الصكر (العراق)، وعبد العزيز جاسم، ونجوم الغانم (الإمارات)، وزكريا محمد (فلسطين)، ويوسف بزي (لبنان)، وياسين عدنان (المغرب)، ومحمد الصالحي، وعزيز أزغاى (المغرب)، وحسين جلعاد (الأردن)، وسالم العوكلى، عمر الكدي (ليبيا)، وسعد الجوير، صلاح دبشة محمد جابر النبهان (الكويت).

وتدور محاور الملتقى النقدية حول: إشكاليات قصيدة النثر المصرية والعربية، ومشهدها الراهن، والمؤسسة الرسمية وموقفها من قصيدة النثر، والإعلام ودوره في تقديم قصيدة النثر.

«الشرق الأوسط» رصدت في هذا التحقيق آراء الفريقين المختصمين، في ضوء الفعاليتين، المؤتمر والملتقى.

يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، رئيس لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس مؤتمر الشعر العربي، إن المؤتمر الذي سيعقد تحت عنوان رئيسي هو «الشعر الآن»، يناقش الوضع الراهن للشعر بالبحث والدراسة من خلال أسئلة رئيسية مثل: ما الذي يقدمه الشعر الآن؟ كيف يتطور؟ كيف يستفيد من وسائل الاتصال الراهنة؟ كيف يقدم في المناهج الدراسية؟ كيف يتحاور مع اللغات المختلفة؟ وبالإضافة إلى رصد الشعر القديم هناك أيضا سؤال مهم حول مستقبل الشعر.

يضيف حجازي: «المؤتمر يحتفي بالشاعر خليل مطران بمناسبة مرور 60 عاما على رحيله، ويكرم الشعراء عبد الرحمن شكري وعلي الجارم، ويضم أمسية خاصة مهداة إلى روح الشاعر محمود درويش، وأمسية أخرى مهداة إلى الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده». وعن الشعراء المدعوين للمؤتمر، يؤكد حجازي أن لجنة الشعر دعت شعراء أجانب وعربا مثل سعدي يوسف، وحيدر محمود، وسيف الرحبي، وجوزيف حرب، وشجيان الهندي، ومحمد عبد السلام منصور، والمهدي أخريف، وسامي مهدي، بالإضافة إلى شعراء مصريين معروفين يمثلون كل الاتجاهات بما في ذلك الشعر الجديد أو الحر، وقصيدة النثر وشعر العامية.

وحول اتجاه شعراء من جيلَي الثمانينات والتسعينات إلى إقامة مؤتمر لقصيدة النثر في نفس التوقيت، ردا على عدم تمثيلهم بالقدر الكافي، يقول حجازي: «هذا من حقهم. هم يرون حجمهم أكبر، ويريدون إقامة مؤتمر آخر. زيادة الخير خيرين»، ولكن «دعوى الإقصاء وعدم التمثيل هذه مردود عليها، لأن أسماء شعراء قصيدة النثر موجودة في قوائم المؤتمر، فهناك رفعت سلام وحلمي سالم ومحمود قرني وعلي منصور وفاطمة قنديل، ومن يحب أن يشاركنا أهلا وسهلا، ومن يحب أن يقيم مؤتمرا ثانيا فليفعل». ويوضح حجازي: «إن لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة لا تمثل اتجاها واحدا. هم يريدون أن يقيموا مؤتمرا آخر بمنطق المظاهرة ويعلنون عن اتجاه واحد، هم أحرار في ذلك». ويضيف: «شخصيا أتمنى لهم النجاح، لأن أي نجاح ينعكس على النشاط الأدبي بشكل عام، وما يجب أن يوضع في الحسبان هو أن المغامرة مطلوبة، ولكنها وحدها لا تكفي، فلا بد من شيء من العقل».

وعن إمكانية أن يؤثر المؤتمر الآخر سلبا على حضور مؤتمر الشعر العربي يقول: «هناك أكثر من 80 شاعرا مصريا وعربيا وأجنبيا مدعوون للمؤتمر، وحتى هذه اللحظة لم تصل اللجنة اعتذارات من أحد، وفي حالة اعتذار شخص أو اثنين مع هذا العدد الكبير من المدعوين فلن يكون التأثير كبيرا. المهم أن الأسماء الكبيرة موجودة، مثل فاروق شوشة ومحمد إبراهيم وغيرهما».

من جهته وصف الشاعر فارس خضر أحد منظمي الملتقى الأول لقصيدة النثر، بأنه «خطوة أولى ضد إهمال وتعسف المؤسسة مع التيارات الجديدة»، مشيرا إلى إقامة مؤتمرين من قبل بالتزامن مع مؤتمر الشعر في وزارة الثقافة، إلا أنه شابهما الانفعال وعدم التنظيم، بينما هذه الخطوة - على حد تعبيره - جادة وحقيقية وستتواصل. ويضيف خضر: «الخطوة ليست هينة، لأنها تمثل المسمار الأخير في نعش مرحلة كاملة من القبح والرداءة، وهي خطوة تأخرت 10 سنوات، وهذا هو وقتها، لأنه لم يعد هناك أي رهان على أن تقدم المؤسسة الرسمية دعما للأجيال الجديدة».

ويلفت خضر إلى أن اللجنة التحضيرية لملتقى قصيدة النثر لن تسمح بمشاركة أي شاعر لم يعتذر رسميا عن المشاركة في مؤتمر حجازي. ويتابع : «نعم، أقول مؤتمر حجازي لأنه هو المسيطر وهو صاحب الخطوة الأولى، فهذا ليس مؤتمرا للمؤسسة الثقافية، بل مؤتمر للجنة الشعر برئاسة حجازي. وبالفعل اعتذر الشاعران علي منصور وإبراهيم داوود عن حضور ذلك المؤتمر، والشاعر محمود قرني ضمن اللجنة التحضيرية لملتقى قصيدة النثر».

ويقول خضر: «لجنة الشعر بالمجلس تكلست وجمدت، وتضم مجموعة من القتلة للحركة الشعرية في مصر، وكأن هدفهم هو التنكيل بالأجيال الجديدة. يريدون أن يصدروا للعالم أن مصر عقمت عن إنجاب شعراء جدد، ويقسمون الكعكة الثقافية فيما بينهم. هذا يسافر لمهرجانات، وهذا يأخذ جائزة وفقا لحسابات شخصية ضيقة لا علاقة لها بالثقافة. إنهم يعيشون عالة على زماننا ويشتموننا. نحن في الأربعينات ولنا منجز أكبر منهم. لم نكن نريد منهم سوى أن يكونوا آباء بنائين، إلا أنهم ليست لديهم هذه الملكة. وما داموا لا يريدون إقصاءنا ويطلقون علينا الطعنات فيجب أن ندافع عن أنفسنا». ويضيف خضر: «الشعر يتعرض للتنكيل به منذ أطلق السيد جابر عصفور مقولة (زمن الرواية)، وكأنها كانت بيان مرحلة. فمنذ عشرات السنين والمؤسسة الرسمية تقيم أنشطة سرية، عدد المحاضرين فيها أكثر من عدد الحاضرين. وحشد أبناء الجيل الجديد لمؤتمر قصيدة النثر ضد هذه الفعالية - مؤتمر المؤسسة - سيؤدي إلى ولادتها ميتة».

بينما يرى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة «أن هناك خلطا في وجهات النظر بين الشعراء الذين ينتمون إلى تيار معين وبين السياسة الثقافية المتعلقة بالشعر، فلجنة الشعر بالمجلس الأعلى راعت تمثيل كل التيارات والأشكال والأجيال في مؤتمر الشعر العربي، الذي سيعقد أمسياته في أماكن مختلفة بأنحاء مصر لاستيعاب العدد الكبير من الشعراء المشاركين، بغرض تحقيق التوازن وعدم الانحياز».

ويضيف: «لا أحد يرفض هذا الشكل الجديد من الكتابة، والدليل على ذلك أن فرص نشره متاحة بشكل واسع ومؤثر، سواء في المطبوعات الدورية أو الدواوين، كما أن شعراء هذه القصيدة الجديدة ممثلون في لجنة الشعر ومدعوون باستمرار في المؤتمرات. وربما يكون مؤتمر قصيدة النثر فرصة لتوضيح المصطلح وطرح هذا النموذج أمام الجمهور مرة أخرى، فذلك كله يصب في صالح الشعر والحركة الثقافية».

ويوضح الشاعر صبحي موسى عضو اللجنة التحضيرية لملتقى قصيدة النثر الأول أن «الملتقى هو تعبير عن تيار شعري جارف يمثل أكثر من 80% من الشعر العربي الآن، إلا أن المؤسسة الرسمية بشتى أطيافها لا تنتبه إلى هذا التيار، بدليل أن هذه النصوص محرمة في الجامعات. لذلك ارتأى شعراء هذا التيار إقامة وقفة فنية للتعبير عن نصهم، وما يطرحونه من جماليات جديدة». ويطالب موسى شتى مؤسسات الدولة بأن تفتح صدرها لاستيعاب هذا النص وتقديمه إلى رجل الشارع.

ويضيف: «منذ منتصف التسعينات وأبناء قصيدة النثر يشعرون بأنهم الماكينة الفاعلة في الثقافة المصرية، وأنهم يستحقون أن يكونوا الممثلين للشعر المصري، لأنهم استطاعوا أن يعبروا بشكل فني ومتماس مع إيقاع الحياة الحديثة عن كل هموم الوطن. وقد انتظر هؤلاء منذ بدء الألفية الجديدة أن تنتبه إليهم المؤسسات الفاعلة في الدولة لتعطيهم حقوقهم، لكن الأمر كان على نقيض ما انتظروا، فقد زاد التعنت ضدهم، وصار التطاول هو السمة الأساسية من قبل الأجيال المهيمنة على مقادير الأمور.

ويرى الشاعر شعبان يوسف، أحد شعراء جيل السبعينات، والمشارك في مؤتمر الشعر العربي، أنه «لا يوجد تعارض بين المؤتمرين، فهما متوازيان وليسا متضادين، ولا توجد (خناقة) أو معركة. وإذا كان هناك تنافس فهو شيء جيد، فلم يكن مستبعدا أن أرى فارس خضر أو غيره من شعراء قصيدة النثر في أحد مؤتمرات المجلس. وفي المقابل ليس مستبعدا أن نرى شعراء مدعوين إلى مؤتمر المجلس في المؤتمر البديل». ويضيف يوسف: «إن افتعال معركة واختصار المهرجان في حجازي يحمل مغالطة كبيرة. هذا ليس من باب الدفاع عن المؤسسة، فطوال عمري كنت أنتقد ما أراه من انحرافات في إدارة الحياة الثقافية».