حراك ثقافي من المراكز إلى الأطراف

مثقفان من السعودية والإمارات يقيّمان موسم المهرجانات الثقافية الخليجية

لقطة من حفل أوركسترا فلسطين للشباب (معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى) وأوركسترا جامعة بون بعنوان «القدس أغنيتي» وذلك ضمن مهرجان ربيع الثقافة 2009 في البحرين
TT

يُعتبر شهر مارس (آذار) الحالي شهر المواسم الثقافية في منطقة الخليج، التي يتصل فيها الشعر بالفكر والمسرح والثقافة والفنون التعبيرية والبصرية. وتمتد مساحة الثقافة من دبي إلى البحرين لتستقر بوتيرة متصاعدة في العاصمة السعودية الرياض، التي تحتفل بمهرجانها الوطني للتراث والثقافة، في دورته الرابعة والعشرين، والذي يشتمل بالإضافة إلى الثقافة والأنشطة المنبرية، أمسيات شعرية ومسرحية. ويتزامن معه معرض الكتاب الدولي في الرياض الذي يستضيف 650 دار نشر عربية وعالمية تعرض 250 ألف عنوان. وقد تحدث لـ«الشرق الأوسط» مثقفان خليجيان، من السعودية والإمارات، لتقييم هذه المناسبات الثقافية وقدرتها على خلق وعي ثقافي وتواصل معرفي مع العالم، ودورها في توفير مناخات واسعة للحرية والإبداع.

ويعتبر الدكتور أبو بكر باقادر وكيلُ وزارة الثقافة والإعلام السعودية للعلاقات الثقافية الدولية، أن المنجز الثقافي الخليجي الذي يتحقق من هذه المهرجانات والمواسم، هو إيجاد المؤسسة التي لديها القدرة على احتضان كل من يمتلك موهبة، لتوفر له الإمكانية للتعبير عنها، ويشير إلى أن الزخم الثقافي الخليجي في الفترة الحالية يحسب للمثقف الخليجي.

كما يرى باقادر أن لهذا الزخم علاقة بمسألة التقسيم العربي إلى منطقة مركز وأطراف، فالخليج والمغرب العربي كانت دائما مناطق أطراف، بينما مصر وبلاد الشام والعراق تمثل المركز، ويضيف: «إذا كان كل هذا الحراك الثقافي يتم في أحد الأطراف (منطقة الخليج)، فهذا يعني أن حكومات هذه الدول استثمرت أموالها لتكون في قلب الحدث الثقافي»، معتبرا أن الاستثمار في الثقافة كان قرارا مهما. ويقول باقادر: «إن هذه المواسم الثقافية مهمة في فتح قنوات حوار مع الآخر والتعريف بالثقافة المحلية والتعرف على الثقافات الأخرى. وسيكون لهذه المواسم أدوار مهمة في هذا الاتجاه، شرط أن تكون جادة في ذلك، وموضوعية، وأن تكون لها مؤشرات تدل على قيمتها وارتقائها». ويوضح باقادر أن المنتج الثقافي المحلي لن يكون له قيمة إذا كان يعبر عن المحلية فقط، لأن «الثقافة والفنون والآداب، يجب أن تستقطب كل ما هو جميل وباهر، وهي دليل على الذائقة الثقافية، وليست مجرد مجاملة للمنجز المحلي». ومن الإمارات، ترى الدكتورة ابتسام الكتبي الأستاذة بقسم العلوم السياسية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، أن المواسم الثقافية الخليجية تقدم إنجازا ثقافيا لا يمكن إنكاره، يتجلى في الإنجازات الإبداعية التي يتم تحقيقها في البلدان الخليجية، مشيرة إلى الدراسة التي قدمها الدكتور محمد الرميحي في فترة السبعينات من القرن الماضي وهي عبارة عن دراسة عن إشكاليات التنمية والوحدة، بعنوان «الخليج ليس نفطا».

وتشتكي الكتبي مما تسميه «الصورة النمطية للخليجي في الخارج»، التي ترى أن الخليجيين مجرد أموال متحركة لا تعنيهم الثقافة، وتقول: «إن المجتمعات الخليجية تطورت بشكل كبير، وحتى الخليج قبل النفط كان لديه منتجه الثقافي كأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية». وتعتبر الكتبي أن الحضور الأجنبي الكثيف في المواسم الثقافية الخليجية، تعبير واضح عن العولمة التي اختلط فيها المحلي بالعالمي، والتي بدورها ستؤثر على نوعيه المنتج الثقافي المحلي سواء في الشعر أو الأدب أو الفن أو المسرح، أو غيرها من أوجه الثقافة.

ولا ترى الكتبي أن الفعاليات الثقافية في الدول الخليجية قادرة لوحدها على رفع سقف الحرية في الممارسة الثقافية، «بل الصحيح هو أن الحرية تؤخذ ولا تعطى، والمثقف الذي يبحث عن الحرية لن يحصل عليها عبر مهرجانات أو مناسبات أو من خلال قرارات، والمثقف خير من يعبر عن سقف الحرية». وهي تعتقد أن دور هذه المهرجانات والمواسم الثقافية هو دور تعريفي بالمنتج الثقافي المحلي بالشخص المبدع نفسه، وهي فرصة للاحتكاك بالآخر والارتقاء بالإبداع المحلي، والتواصل مع مثقفين آخرين وثقافات أخرى. وترى الكتبي أن العديد من الفعاليات الثقافية التي يجري عرضها في المهرجانات الخليجية تمثل أنماطا ثقافية منفتحة على العالم في الفن التشكيلي والشعر والمسرح والفنون البصرية والنحت والأدب.