عبد العزيز السبيل: الوزارة تتعامل مع الكُتّاب ولا تبحث عن قضايا تثير الناس

معرض الكتاب الدولي في الرياض.. خطوة إلى الأمام أم خطوتان إلى الخلف؟

جانب من معرض الكتاب (تصوير: خالد الخميس)
TT

يرى كثير من المثقفين السعوديين أن معرض الكتاب الدولي في الرياض هذا العام فقد وهجه، معتبرين أن النشاط المنبري للمعرض تراجع كثيرا بعد أن تخلى عن القضايا الجدلية التي تهم المثقف السعودي، كما أن الرقابة في معرض هذا العام خلّفت لدى المثقفين انطباعا بأن المعرض يدار من قبل جهات أخرى غير وزارة الثقافة والإعلام، إذ شهدت الأيام الأولى من المعرض بعض الحوادث بين مثقفين ومنسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط»، شدد الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام المشرف العام على معرض الكتاب الدولي في الرياض، على أن رقابة الوزارة سوف تبقى فاعلة حتى نهاية أيام المعرض. وقال: «لن نسمح بوجود مخالفات شرعية أو أخلاقية على رفوف المعرض»، نافيا أن تكون بين الهيئة والوزارة ازدواجية في ممارسة الرقابة، «لأن كلا منا يفهم دوره المحدد داخل المعرض».

وذكر السبيل أن دور الرقابة يبدأ قبل المعرض بأشهر، ويستمر حتى آخر يوم من أيام المعرض. ووصف جمع الكتب من فوق أرفف المعرض في اليوم الثالث والرابع من قِبل الرقابة بأنه أمر طبيعي «لأن على الرف كتابا أو عنوانا ينبغي أن لا يوجد عليه، ولذلك يتم سحب الكتاب».

وعن الفعاليات المنبرية ضمن الأنشطة الثقافية في المعرض، وقول البعض إنها أقل من المستوى، قال السبيل: «هناك 16 فعالية منبرية ضمن الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض، وكونها أقل من المستوى فذلك يحتاج إلى رؤية موضوعية، فندوة مثل (الشباب وثقافة الكتاب) كان حضورها كثيفا، ومقياس نجاح الفعاليات لدينا هو مستوى الحضور».

وأشار السبيل إلى أن النشاطات المنبرية هذا العام أثارت كثيرا من الجدل، لكنه جدل متعلق بالكتاب، وأن هذه النشاطات تم إعدادها بحيث تناسب مناسبة ثقافية وهي معرض الكتاب. واستعرض عددا من الفعاليات المنبرية مثل «المرأة والتأليف» و«القدس في التأليف»، و«تجربة الإصدار الأول»، و«الملكية الفكرية.. رؤية مغايرة»، و«الجوائز الثقافية والكتاب الجامعي». وذكر أن الوزارة من خلال تنظيمها لتظاهرة معرض الكتاب لم تخطط لكي تنأى عن القضايا المحلية أو الدولية، لكنها قررت التعامل معها من خلال الكُتّاب، فليس الهدف البحث عن قضايا تثير الناس. وعن مشاركة المفكر محمد عابد الجابري في النشاطات المنبرية للمعرض قال: «عندما يأتي مفكر بحجم الجابري ويتحدث عن تجربته التأليفية والقضايا التي ناقشها في كل كتاب من الكتب التي ألفها، فإنه يعطي رؤية متكاملة لحياته الثقافية، ولا بد أنه سيدخل في حوارات وسجالات مع الحضور».

وأشار السبيل إلى أن وزارة الثقافة والإعلام استضافت 65 باحثا وباحثة لهذه الندوات والفعاليات المنبرية، ولم تكرر أسماء استضافتها في السنوات الماضية، فـ«النشاطات لا تبحث عن النجوم بل عن متخصصين في إدارة هذه الفعاليات. ونحن في معرض الرياض الدولي للكتاب نجحنا إلى حد ما في صناعة النجوم وتسليط الضوء على شخصيات تقف لأول مرة أمام الجمهور، لأنهم ليسوا من الإعلاميين أو من الراغبين في الظهور على وسائل الإعلام، لكن لديهم إبداعات يستحق الجمهور أن يتعرف عليها».

وفي ما يخص تشابك الأدوار بين وزارة الثقافة والإعلام وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال السبيل إنهم في إدارة المعرض لم يشعروا بذلك، بل يرون أن بين الجهتين تكاملا للأدوار، وأضاف: «كل منا يفهم دوره ويعمل ضمن الإطار المحدد له، لكن الإشكالية التي حدثت في أروقة المعرض هي من تصرفات قام بها أفراد ليس لهم علاقة بالهيئة بشكل رسمي». ووصف السبيل هؤلاء الأفراد بأنهم أناس مجتهدون، وقد يقومون ببعض التصرفات الفردية داخل المعرض، مؤكدا على أن «وزارة الثقافة والإعلام تدع الأمور التي من تخصص الهيئة داخل المعرض للهيئة، والهيئة تدع الأمور التي من تخصص الوزارة للوزارة».

العباس: معرض استهلاكي والإعلام ساهم في «تبهيته»

من جانبه وصف الناقد الأدبي محمد العباس، المعرضَ بأنه تحوّل من حدث ثقافي يثري المشهد المحلي إلى معرض استهلاكي لم يختلف فيه الكتاب عن أي سلعة، حيث تراجع وهج النشاطات المنبرية. وقال: «إن من أسوأ الفعاليات المنبرية التي شهدها معرض الكتاب الدولي لهذا العام أمسية المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري، حيث تم تحييد المنجز الفكري للجابري، وتمت دعوته ليتحدث كطالب على مقعد الدراسة عن تجربته التأليفية. لقد اختزل القائمون على المعرض عطاء مفكر بحجم محمد عابد الجابري في قضية التأليف، فيما كان يمكن الاستفادة من حضوره في مناقشة فكره، وهذا يقلل من قيمته ويهبط من مستوى التوقعات مما سيطرحه الجابري في الأمسية التي أحياها ضمن فعاليات المعرض، وأعتقد أنه كان يمكن الاستفادة من حضور قامة بحجم الجابري من خلال مساءلة أفكاره وتوليد جملة من الطروحات التي تليق بما عهدناه من الجابري».

وأضاف العباس: «إن النشاط المنبري كان يفترض أن تتم قراءته ضمن قراءة مستوى معرض الكتاب بشكل عام. واعتقد أن المعرض قد تحول من كونه حدثا وموسما ثقافيا إلى مجرد سوق لتداول منتج سلعي لا منتج ثقافي.. للأسف حتى الإعلام ساهم في تبهيت ظاهرة معرض الكتاب، وذلك بتسليط الضوء على المناوشات اليومية ما بين الهيئة وبعض المثقفين. إن مثل هذه المواقف حوادث فردية لا تعكس مدى الجهد والمضامين والجماليات المتوفرة على أرفف الكتب وبين أروقة المعرض».

النعمي: المعرض خطوة متقدمة ومشروع تنويري

أما الناقد الدكتور حسن النعمي فقال: «إن من أهم مميزات المعرض هذا العام عدم التفرقة بين الرجال والنساء في حضور المعرض، بل فتح المجال للجميع»، واصفا هذا الإجراء بأنه «كان أحد مطالب المثقفين السعوديين، إلا أنه يتم تجاهل هذا الإجراء كانجاز لإدارة المعرض هذا العام».

ورأى النعمي أن المعرض حمل كثيرا من العناوين الجديدة هذا العام، وكثير من المثقفين لم يكن يحصل على هذه العناوين في المعارض السابقة. ووصف النعمي النشاط الثقافي بأنه نشاط يقام على الهامش وليس النشاط الأساسي للمعرض، ومع ذلك تمت استضافة أسماء لها وزنها في الثقافة العربية مثل أحمد عبد المعطي حجازي والدكتور محمد عابد الجابري، وحضور هذه الشخصيات فرصة للمثقف السعودي أن يلتقي بها.

واعتبر النعمي الحديث عن تراجع مستوى النشاط المنبري أمرا خلافيا، فالكل يراه بشكل مختلف، «لكن المحصلة النهائية هي أن المعرض يثبّت أقدامه سنة بعد أخرى باعتباره مشروعا اجتماعيا تنويريا هاما جدا، وقال: «السلبيات تظل موجودة ما دمنا نتطلع إلى الأمام دائما ونبحث عن التجويد في عملنا باستمرار».

ورأى النعمي أن وزارة الثقافة والإعلام تثبت من خلال المعرض بأنه المشروع الأهم على أجندتها الثقافية على مستوى العام، إلا أنه انتقد الازدواجية التي يدار بها المعرض، وقال إن الجهات الرقابية سواء الرقابة في الوزارة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان يمكن أن تقوم بعملها قبل وضع الكتب على رفوف المعرض، والأهم من ذلك بحسب النعمي هي شعور الناشر بأنه يتعامل مع جهة رقابية واحدة مما يعطي الناشر الثقة في الرقابة والاستمرارية في المشاركات كل عام.

ناشران: انخفاض سقف الحرية

الناشر نبيل نوفل المدير التنفيذي لدار الآداب للطباعة والنشر، يقول: «مستوى المعرض هذا العام تراجع بشكل كبير حيث انخفض سقف الحرية عما كان عنه في الدورات الماضية، إذ جاب موظفو الرقابة أروقة المعرض ليجمعوا الكتب من فوق رفوف الأجنحة في أثناء وجود الزوار داخل الجناح. وحدث أكثر من مرة خلال هذه الدورة أن أتى موظفون من الرقابة أو من الهيئة لجمع الكتب في أثناء استقبال الزوار».

وذكر نوفل أن الناشرين «يتحدثون عن شراء نوعية من الكتب بالجملة من المعرض بهدف إتلافها».

أما الناشر خالد المعالي، دار الجمل، فقال إن عمليات فسح كثير من الكتب التي أحضرها للمعرض تأخرت كثيرا. وكان يتحدث المعالي في اليوم الثالث من أيام المعرض، وذكر أنه لا يعلم سبب تأخر عملية الفسح، وهل سيتم منع هذه الكتب أم ستدخل للمعرض.