سوينكا يأسف لضعف مشاركة الشاعرات.. وبرايتنباخ يغني لدرويش

دبي تودع مهرجانها الدولي للشعر على وعد استضافة ألف شاعر في 5 سنوات

حاكم دبي والشاعر النيجيري وول سوينكا كانا في مقدمة حضور ختام المهرجان («الشرق الأوسط»)
TT

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، شهد حفل ختام المهرجان، لكن حضوره لم يكن محصورا في افتتاح أو ختام المهرجان، بل إنه حرص على التواصل والحضور في فعاليات مختلفة ومتنوعة، لعل أبرزها كانت أمسية تكريم أبو القاسم الشابي، التي حضرها حاكم دبي بصورة مفاجأة ودون ترتيبات مسبقة، على ضفاف خور دبي، وتحديدا في بيت الشعر.

صحيح أن مهرجان دبي الدولي في نسخته الأولى لم يستضف إلا نحو 100 شاعر، غير أن مسؤولي المهرجان يؤكدون أنهم سيتمكنون من استضافة 1000 شاعر خلال الدورات الأربع المقبلة للمهرجان، فهل يفعلها مهرجان دبي؟

الكاتب المسرحي والشاعر الحاصل على جائزة نوبل للآداب وول سوينكا تحدث في ختام المهرجان، منوها عن عدد من الشعراء العرب والمسلمين الذين ما زالت إبداعاتهم الشعرية والثقافية متداولة من جيل إلى جيل مشيرا إلى عمر الخيام والى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي وصفه بالحاكم الشاعر الذي ينحدر من سلالة عريقة ولها باع طويل في فنون الشعر.

ووصف الشعر بأنه تحرر من القوى المختلفة ويمثل بالنسبة إليه كشاعر ولكل الشعراء الرؤية الداخلية المتجسدة به كطفل، وكلما اقتربت منه الطفولة كان شعره أوضح وأعمق. وأعرب في الوقت نفسه عن أسفه ودهشته لعدم مشاركة العنصر النسائي مشاركة فاعلة في هذه التظاهرة الشعرية الثقافية الإنسانية. ورجع عدم مشاركة الشاعرات في هذا الحدث رغم عددهن الكبير على الساحتين العربية والعالمية إلى افتقارهن للجرأة والشجاعة كي يعبّرن عن أنفسهن شعرا وأمام العالم، معربا عن أمله في أن يكون لهن حضور أوسع في الدورة القادمة لا يقل عن خمسين بالمائة من نسبة المشاركين.

* بدر بن عبد المحسن بعد الغياب

* «كان ختامها مسكا».. هكذا ردد جمهور الشعر وهم يشهدون ختام أمسيات مهرجان دبي الدولي الأول للشعر، فقد كانت الأمسية الأخيرة للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، الذي عاد إلى الأمسيات الشعرية من جديد بعد غياب سنوات طويلة.

ومما زاد من عبق هذه الأمسية الربيعية، مشاركة الشاعر الجنوب إفريقي برايتين برايتنباخ الذي قدم مجموعة مميزة من قصائده، كانت بالفعل مسك الختام لأمسيات مهرجان دبي الدولي الأول للشعر بحضور جماهيري مكثف، حيث امتلأ مسرح القاعة عن آخره بجمهور تجارب مع الشاعرين الكبيرين كما تجاوب مع المقطوعات الموسيقية الشرقية التي سبقت الحفل.

وقبل أن يبدأ قراءته الشعرية، قال الجنوب إفريقي برايتنباخ إن الشعر جسر حضاري للتفاهم والحوار ونشر قيم المحبة في العالم، مطالبا الشعراء بالاستمرار في هذا النهج، ومتمنيا أن يستمر المهرجان ليجمع ألف شاعر على لغة واحده هي لغة الشعر. ودعا برايتنباخ الشعراء إلى أن يذهبوا إلى مناطق الألم بالعالم في فلسطين والصومال وأفغانستان وإفريقيا لأن الشعراء هم ضمير العالم. ثم قرأ برايتنباخ قصيدة رائعة اسمها «دردشة بدوية مع محمود درويش»، ذاكرا أنه شعر بحزن عميق على رحيل صديقه محمود درويش الذي كان يمثل قيمة كبرى في عالم الشعر والإنسانية، ثم قرأ قصيدته التي قام الممثل العربي السوري سامر المصري بإلقائها بالعربية ومن أجوائها:

غطِّني بسرعة

بلا هديل

أو خطب من زمانه

اكتب على السماء رباعية

من الشعر مبهرة

علّ اللحن والتفعيل في وجه قصيدتك يختفيان

ثم قدم الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن عددا من قصائده المميزة، بدأها بقصيدة وطنية إلى بلده المملكة العربية السعودية تغنى فيها بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم ألقى عددا من قصائده الشهيرة في الغزل.

ومن القصائد التي ألقاها:

الجريدة..

أدري وش سر الجريدة

به أحد.. يقطع وريده..

وينزف أخبارٍ جديدة..

وحنا نقراها الصباح..

دنيا مكتوبة فـ ورق.. دنيا من دمّ.. وعرق..

دنيا مجنونه أرق.. وهم..

انسرق.. إحترق.. المهم

كلها أخبارٍ سعيدة

واحنا نقرا لها الصباح..

لو طبعنا.. صفحة ما فيها خبر..

ثم طلب الأمير من الشاعر برايتنباخ أن يعود إلى المسرح ليلقي قصيدة أخرى أمتع بها الجمهور وكان اسمها «فنجان الكلمات»، التي صورت معاناة الإنسان وأحلامه بصور تذكر بمفردات درويش أيضا، وكأن برايتنباخ أراد أن يذكرنا بأن الشعر جسد واحد وبأن درويش لم يمت.

* الشعر النبطي واللغة العربية

* ولأن الجدل لا ينتهي حول القصيدة النبطية الخليجية و«دورها في إضعاف اللغة العربية»، كانت الندوة النقدية الأكثر إثارة هي تلك التي اختتمت بها سلسلة الندوات النقدية التي عقدت طوال أيام مهرجان دبي الدولي للشعر، وبعد أن كان الشعراء العرب يعتبرون أن هذا الشعر «دخيل» على الشعر العربي، اعتبر البعض أنه نجح وازدهر حتى أضحى يضاهي الشعر العربي الفصيح نفسه.

وناقشت ندوة الشعر الشعبي واقع القصيدة المحلية في منطقة الخليج العربي تاريخيا، كما ناقشت أزمتها، إذا جاز التعبير، في التواصل مع قارئها على الرغم من شيوعها بسبب انتشار صفحات الشعر الشعبي في الصحف الخليجية والقنوات الفضائية المتخصصة في هذا النمط الإبداعي، وعدم شمولها لباقي وسائل الإعلام العربية.

وفي مداخلته قدم الشاعر الكويتي إبراهيم الخالدي إطلاله تاريخية حول تاريخ الشعر الشعبي قائلا إن هذا النمط بدأ مع تغريبة بني هلال في نحو 1051، مع وصول الهلالية إلى تونس، وصياغة سير شعبية تعد قصائدها الانطلاقة الأولى للشعر الشعبي، والمحطة الثانية التي توقف أمامها الباحث هي وفاة المفكر العربي الكبير عبد الرحمن بن خلدون، الذي ضمّن مقدمته الشهيرة أشعارا نبطية ونبذة عن الشعر النبطي من دون أن يسميه بهذا الاسم.

وتابع الباحث سرد السيرة الذاتية للقصيدة النبطية فقال إنه في عام 1911 للميلاد تمت طباعة ديوان الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني من قطر كأول ديوان، الذي حمل اسما غريبا هو «رسالة في شعر النبط». وفي عام 1952 طبع الشاعر الكويتي خالد الفرج أول مجموعة شعرية بعنوان «ديوان النبط». ويقول الباحث إن هذا الديوان تعرض لهجوم شديد من مجمع اللغة العربية بدمشق باعتبار أن نشر الديوان ضد اللغة العربية.

وفي عام 1958 بدأ شعر التفعيلة كتطور مهم يظهر في الشعر النبطي على يد عبد الرحمن النجار، ثم توالى التطور بسبب انتشار البرامج الإذاعية والمجلات والأندية الشعرية، وفي عام 1989 أصدر الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن ديوان «ما ينقش العصفور من ثمرة العذق» كأول محاولة حداثية للشعر النبطي، ووصل التطور إلى إنشاء قنوات فضائية متخصصة في الشعر النبطي وبرامج متخصصة شهيرة مثل «شاعر المليون»، وفي عام 1993 أصدر الشاعر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قصيدة اللغز الشهيرة التي تبارى في مجاراتها 800 شاعر في واحدة من أهم المسابقات الشعرية الشعبية.

أما الشاعر والإعلامي نايف البندر فركز في مداخلته على مشكلات القصيدة الشعبية أو النبطية مشيدا بدور الرواة العظام الذين نقلوا القصيدة الشعبية إلى السامعين، فقال إن الأدب الشعبي في الأصل أدب شفهي يلعب الراوي أو ما يعرف بالحكواتي دورا كبيرا في نقله إذ أنه الوسيلة الإعلامية الوحيدة آنذاك حينما لم تكتشف وسائل الإعلام المتعددة والمتوالدة هذه الأيام، الأمر الذي قد يكون أسهم في وقوع الراوي بالخطأ في نقله لقصيدة ما، وربما من جاء بعده من رواد أرادوا من وجهة نظرهم إصلاح ما وقع من زميلهم الذي سبقهم ودون قصد أيضا أضافوا إلى الأخطاء سيلا من الأخطاء وهكذا.

وأضاف أن القصيدة الشعبية تعاني أزمة بسبب عدة عوامل تنبع من محليتها التي تأخذ عدة أشكال، أولها محلية اللهجة، وثانيها محلية المفردة التي تتغير من قبيلة إلى أخرى، وثالثها محلية الموضوع الذي تتناوله القصيدة، مشيرا إلى أن الإغراق في المحلية ربما أسهم في عدم وصول القصيدة النبطية إلى متلقيها على الرغم من الذيوع الشديد لهذا النمط المدلل إعلاميا في منطقة الخليج العربي مع انتشار الفضائيات.

غير أن الفنانة السورية منى واصف ردت على انتشار الشعر الشعبي الخليجي بالمطالبة بالحفاظ على اللغة العربية الفصيحة «التي تمثل هويتنا كما حفظها القرآن»، وهنا رد عليها الشاعر جمال بن حويرب رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان والباحث في التراث الشعبي، بأن الشعر الشعبي شعر عربي ينقصه الإعراب فقط، «فالمفردة عربية فصيحة والوزن الشعري مثله مثل ما يُستخدم في القصيدة الفصيحة بلا اختلاف».

* مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم تصدر «موسوعة الشعر العربي» الإلكترونية

* تضم 3,5 مليون بيت شعر لأكثر من 3 آلاف شاعر

* كان مهرجان دبي الدولي للشعر فرصة لإضافة جديدة من قبل مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمكتبة العربية، حيث أصدرت المؤسسة «موسوعة الشعر العربي» التي تعد أكبر موسوعة للشعر العربي، والتي تحتوي على أكثر من ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف بيت شعر لما يزيد عن ثلاثة آلاف شاعر من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، وتم توزيع الموسوعة مجانا في قرص سي دي مع صحيفة البيان المحلية.

وبالإضافة إلى عدد أبيات الشعر الضخم الذي تضمه الموسوعة النادرة فإنها أيضا تضم 591 كتابا أدبيا، وأربعة معاجم شعرية، و26 تسجيلا صوتيا لقصائد شعرية شهيرة، فيما يصل عدد صفحات الموسوعة إلى نحو 676 ألف صفحة، وتستعرض الموسوعة السير الذاتية والأعمال الشعرية لأكثر من 3 آلاف شاعر من العصر الجاهلي والعصر الإسلامي والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الأيوبي والعصر العثماني والمخضرمين والعصر الفاطمي والعصر المملوكي والعصر الحديث.

* احتفالية خاصة بيوم المرأة العالمي

* في أمسية خاصة لقصيدة لا تخص النساء فقط

* احتفاء باليوم العالمي للمرأة الذي وافق الثامن من مارس (آذار) احتفل المهرجان بيوم المرأة العالمي بطريقة تناسب إبداع الشاعرات، فنظم للأصوات الشعرية من نساء الإمارات هذه الأمسية الخاصة التي شارك فيها نخبة متميزة من الشاعرات من أمثال شيخة المطيري (الإمارات)، وأمل المرزوق (البحرين)، والدكتورة إنعام بيوض (الجزائر)، وهدى السعدي (الإمارات).