أسامة أنور عكاشة ولوع بعلم النفس.. بعيد عن التكنولوجيا

لا يزال يغرف من ذاكرة تنبض بالأبطال

TT

أمتع أسامة أنور عكاشة ملايين المشاهدين بروائعه التلفزيونية. فهو أول كاتب سطع نجمه في سماء الكتابة الدرامية، وصار أشهر من نار على علم. معروف عنه أنه لا يحبذ أن يصنف كسيناريست، ويعتز بكونه كاتباً وروائيًّا، لأن السيناريو حرفة يمكن تعلمها في المعاهد، بخلاف الموهبة. وهو لا يعبأ كثيراً بتجاهل النقاد له، وما يعنيه أن يعمل وينتج ويمتع، ويعلق قائلا «أنا حائز جائزة الدولة التقديرية وجائزة الدولة للتفوق، ولا تنقصني شهادة أحد». وقد روى عكاشة لـ «الشرق الأوسط» بداياته، فقال «مع تفتح وَعْينا، كانت تسود الواقعية الاشتراكية، وكنا نقرأ لجورجي والكتاب الاشتراكيين عموما، وتأثرنا كلنا بالمد الاشتراكي، وحتى عندما قرأنا لدستويفسكي، وتولستوي، وتشيكوف، كان لدينا البعد الاجتماعي في العلاقة الإنسانية، ومشكلة العدالة وصعوبة تحقيقها بين البشر، والموضوعات الإنسانية والسوريالية التي ظهرت مع الحرب العالمية الثانية، كموجة جديدة في العالم تأثرنا بها. وفي مصر كان كُتابنا، بدءًا من العميد طه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويحيى حقي، جيلاً عظيماً تربينا على أفكاره».

يؤمن أسامة أنور عكاشة بأن «الثقافة والفنون العربية هي التجلي الوحيد للإيمان بحركة الوحدة العربية، لأننا لم ننجح في أيّ مجال من مجالات الوحدة، إلا ثقافيا وفنيا».

نسأل عكاشة «لماذا لم تنجب أمتنا روائيين في حجم وشهرة نجيب محفوظ؟»، فيجيب مستغرباً «هذا كلام فيه تجنٍّ كثير. لا نستطيع أن ننكر العرب الذين يكتبون بالفرنسية في المغرب والجزائر. النجومية وصف قابل للحركة إلى أعلى، أو إلى أسفل. نجيب محفوظ قيمته الكبرى ليست في نجوميته، وإنما في أنه مهندس روائي من الطراز الأول، إضافة إلى أنه أستاذ جيل من القصّاصين والروائيّين».

يحب عكاشة من الروائيين «عبد السلام العجيلي في سورية، ومجموعة من الإخوة السوريين لديهم مواهب جميلة، مثل حيدر حيدر، وحنا مينه، وبعض الكتاب اللبنانيين». ويعترف بأن انكماش قاعدة القراءة في العالم العربي، هي التي جعلته يهرب إلى التلفزيون، حيث يقول «عدد الكتّاب أكبر من عدد القرّاء، وهذه أزمة!. الدراما التلفزيونية تتيح إطلالة على جمهور عريض غير متوفر لأيّ جنس فنّي آخر».

أسهم عكاشة في صنع نجومية عدة فنانين، من بينهم أبناء لنجوم، كصلاح السعدني، وعادل إمام، وسمية الألفي، وإسماعيل عبد الحافظ، لكنه لا يفعل الشيء نفسه مع ابنه هشام، كي لا يُحمَّل عبء عداوات والده في المهنة «والأفضل أن يتكئ على علاقاته مع أبناء جيله، لا على غول اسمي، لأن هذا سيكون ضده».

نلمس في كتابات عكاشة عن الحارة المصرية أننا إزاء شخوص من دم ولحم. فالرجل تصعلك كثيراً، وعاشر تلك الشرائح، وعنده ذاكرة تجعل ملاحظاته محفوظة بحيوية. وهذه الذاكرة - كما يقول - هي الوعاء الحقيقي الذي يغرف منه كتاباته. شغوف هذا السيناريست الموهوب بالتحليل النفسي، فهو خريج قسم علم النفس، لكنه في المقابل يعترف بأنه لا يجيد التعامل مع التكنولوجيا، وبعيد عن ثورة الاتصالات. يكتب حالياً رواية جديدة عنوانها «شق النهار»، وانتهى من كتابة الجزء الثاني من مسلسل «المصراوية»، وسيبدأ تصويره قريباً.

لعكاشة مواقف جريئة ومثيرة للجدل، مثل موقفه من قضية حجاب الفنانات، والقومية العربية، فهل هو منطق «خالِفْ؛ تُعْرَف»؟. يجيب «أنا معروف، ولا أجري وراء شهرة، فقط أعبّر عما أعتقده شخصيا». لكن آراءك تزعج الكثيرين -نقول له - مثل كلامك عن تفاهات من يجلسون ليتسلوا على «النت»، ومجموعة السلفيين المتنطعين، فيجيب «لا أعبأ بهم جميعاً. أعبأ بالمواطن البسيط». عكاشة غاضب من الذين كفّروا عادل إمام، بسبب موقفه من العدوان على غزة، ويضيف «الإنسان العربي ذو الثقافة. والمدرك لدور الفن لا يجيز مثل هذا العبث. فكيف يهدرون دم فنان، لأنه قال رأيه؟!. من الصعب اعتقال ألسن مَنْ يشتمون. لو صادفك طفل في الطريق وقذفك بحجر، هل ستجري وراءه؟.. ستحترم نفسك وتبتعد. أسهل شيء السباب، ولغتنا - والحمد لله - عامرة بكل صور السباب واللعن. أحلم باليوم الذي يخرج فيه العرب من القوقعة، ويتحاورون مع عالم القرن الواحد والعشرين».