حسن النعمي: ظاهرة البحث عن «الاستفزاز» في الروايات السعودية إلى زوال

رأى أن معرض الرياض للكتاب كان بمستوى الطموح ويؤدي دورا تنويريا

د. حسن النعمي (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

يعد الدكتور حسن النعمي أحد النقاد السعوديين الذين اشتغلوا منذ زمن على رصد الظاهرة الروائية المحلية وتقييمها ودراستها، وسبق أن قدم كتابه ذائع الصيت «رجع البصر.. قراءات في الرواية السعودية»، في عام 2004، الذي يتضمن دراسة رصينة وتحليلية للمنجز الروائي المحلي.

في الحوار التالي، يستعرض النعمي صورة المشهد الثقافي السعودي بعد أن شهد خلال الشهر الجاري جملة من الفعاليات المهمة، أبرزها انعقاد المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) وإقامة معرض الرياض الدولي للكتاب، والفعاليات التي صاحبته، كما أقيمت خلال الفترة نفسها مجموعة فعاليات ومهرجانات ثقافية في جازان والرياض والشرقية. ويلاحظ النعمي أن معرض الرياض لم يتراجع، بل على العكس، يمارس دورا تنويريا، ملقيا جانبا الانتقادات التي وجهت لفعالياته المصاحبة.

وفي مجال الرواية يرى النعمي، أن الرواية السعودية أكثر تحديا للثقافة المحافظة حاليا من الشعر، مشيرا إلى أن الاستفزاز في الكتابة هو ما يدفع الكتاب والقراء، على السواء، إلى تعاطي الرواية. فيما يلي نص الحوار الذي جرى في الرياض:

> خلال الشهر الجاري كان هناك انتعاش للمشهد الثقافي السعودي مع تنظيم مهرجان الجنادرية ومعرض الكتاب الدولي بالرياض. كيف تركت هذه الفعاليات أثرها على المثقف المحلي؟

- تعمق الأحداث الثقافية، سواء الاحتفالية منها، كالجنادرية، أو معارض الكتب، أو الملتقيات الأدبية، الحضور الثقافي والأثر الذي يمكن أن تتركه في المتلقي. فالجنادرية تربط الإنسان بماضية عبر استعراض ملامح التاريخ في شكل الممارسة الاجتماعية التي مارسها الأجداد ويجهلها الأبناء. فالذي يصنع المستقبل ليس سوى الماضي بكل إيجابياته وسلبياته، كما أن معارض الكتب تلعب دورا حيويا في تجديد الصلة بين القارئ والكتاب عبر تقديم آخر ما أخرجته المطابع، وهذه تشكل حركة مهمة للمشهد الثقافي. والقاسم المشترك بين الجنادرية ومعرض الكتاب يكمن في تزامن الوقت. فهما يقامان في الرياض في توقيت واحد. وأعتقد أن فض الاشتباك بينهما من حيث الوقت ضرورة من أجل الاستفادة من برامج الفعاليتين كل على حدة، وإطالة الاحتفالية الثقافية. فالبرنامج الثقافي في كل منهما عانى كثيرا من قلة الحضور، ربما بسبب التزامن، وربما بكثافة المعروض في وقت ضيق.

> انتهى معرض الكتاب، لكن المعلقين لا يزالون يختلفون على مستواه، بالنسبة إليك كيف تقيمه.. ماذا أضاف للتراكم المعرفي؟

- ما من شك أن الآثار التي خلفها معرض الكتاب، منذ أعادت وزارة الثقافة إطلاقه قبل ثلاث سنوات، كبيرة وبحجم الطموح، ومن يقول غير هذا الأمر، أرى أنه يزايد أكثر مما يستبشر بهذا العرس الثقافي السنوي. أما آثاره القريبة، فقائمة من حيث توفر الكتاب الذي لا يصل للقارئ المحلي بسهولة. وتتمثل الآثار البعيدة في التثقيف والتنوير الذي يلعبه المعرض، وبصمت حكيم، في رفد جيل، بل أجيال قادمة بمعارف هو يختارها ويحدد حاجته منها. أما المتحديات، فهي قائمة ويجب أن تظل، حتى يستطيع المعرض أن يجدد برامجه، لا أن يركن إلى ما أنجز في السابق.

 > لاحظنا أن التيارات الثقافية تعيش حالة (مساكنة)، فقد تراجعت حدة الصراع بينها.. كيف ترى الأمر أنت كناقد ومراقب؟

- التعايش ضرورة حتمية، مثلما الاختلاف كذلك، ولا أعتقد أن عاقلا ينادي بإلغاء الفروق. ما تجب المطالبة به هو نبذ التعصب للفكرة المسبقة، والدخول في حوار مفتوح. كما يجب الإقرار بأن الحقيقة يمكن أن ينظر لها من زوايا مختلفة.

 > كيف تميز بين الصحويين والليبراليين؟

- عموما، التيار الليبرالي في السعودية هو تيار أشخاص لا تيار وحدة فكرية، وهو لا يخيف إلا من خلال طروحات الطرف الصحوي. والصحويون أنفسهم هم نشطاء في تكريس الرأي الواحد. وهذه أزمة يجب على الطرفين فهمها، والعمل على فهم الغايات عند كل طرف.

 > كيف تقيم تجربة الناقد الدكتور عبد الله الغذامي في (النقد الثقافي)؟

- النقد الثقافي يشتغل على التركيبة الثقافية وكيفية تفاعلها في سياقات مختلفة. وأعتقد أن مقولات الغذامي تحتاج إلى كثير من التطبيقات المحلية. فهي بوصلة توجه لفهم الكثير من طبيعة تداخل السياقات المختلفة. فمثلا، ظاهرة الروائيين الجدد في السعودية، لا يمكن فهمها إلا كظاهرة ثقافية، قبل أن تكون ظاهرة أدبية.

 > إلى أي حد ساهم كتابك «رجع البصر.. قراءات في الرواية السعودية»، الذي أصدرته سنة 2004 في فهم وتقييم المشهد الروائي وتقييمه كما وكيفا؟

- لا أعتقد أن كتابا واحدا، مهما بلغت أهميته، يمكن أن يغير مسارا أو يحدد مسارا آخر. كتاب «رجع البصر» هو دراسة تحليلية للسياق المنتج للرواية في محاولة لفهم الظاهرة الروائية الجديدة.

 > في رأيك.. أيهما أكثر تحديا للثقافة المحافظة حاليا: الرواية أم الشعر؟

- الرواية من دون أدنى شك. وبعد ذلك لا فرق في من يقف وراء العمل كاتب أو كاتبة.

فالرواية تشتغل دائما على مكونات الصورة المهشمة. فلا تكتب الرواية عن الفضيلة أو المنجز، أيا كان قدره وعظمته، لكنها تشتغل في منطقة الانكسار، رغبة في تغيير مكونات الانكسار، وبعث روح متوثبة في أوصال الضعف والعجز. وهذا هو أحد أسباب التضاد بين الرواية والثقافة المحافظة، التي ترى أن الرواية يجب أن تكتب دائما عن الفضيلة. ورواية بهذا المعيار تفقد وظيفتها الفنية والفلسفية وتتحول إلى نص دعائي غير مؤثر.

 > إذا، لا بد من الجرأة والاستفزاز؟

- للأسف يبدو أن الاستفزاز في الكتابة هو ما يدفع الكتاب والقراء على السواء إلى تعاطي الرواية. غير أن هذه التجربة نفسها قصيرة. وستزول بعد أن يزداد الوعي لدى الكتاب والقراء بأن الرواية فن راق يطرح المشكلات في قالب فني خلاق بعيدا عن اللعب على الغرائز.