د. عالي القرشي: عالم الرواية يوفر حرية البوح ويحقق قدراً من السلطة

قال لـ «الشرق الأوسط» إن المنجز النقدي في السعودية أنشأ نظرة تفاؤلية تجاوزت التراكمية النقدية

د.عالي القرشي
TT

يعد الدكتور عالي بن سرحان القرشي أستاذ النقد بجامعة الطائف السعودية، أحد أبرز النقاد السعوديين الذين ساهموا في صياغة مفردة الخطاب النقدي، وهو بالإضافة لكونه ناقداً مارس عملية النقد العلمي الذي يستند إلى حصيلة معرفية جعلته متصلا بمختلف أشكال النتاج الأدبي السعودي، فهو كذلك أديب وشاعر وكاتب، ساهم في تطوير الأعمال الإبداعية عبر مزيد من الدراسات النقدية التي اتسمت بالحيادية والموضوعية.

قدم القرشي عدداً من الدراسات والكتب، بينها كتابه «حكي اللغة ونص الكتابة»، كما صدر له «تحوّلات النقد وحركية النصّ» عن نادي حائل الأدبي بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي، وهو الكتاب الذي يتأسس على مقولة الجدلية بين النص والنقد، فالنص كما يرى المؤلف ذو حركة نشطة فاعلة، تجعل النظرية النقدية في حراك متجدد، ووقف الكتاب على تحولات النقد وحركية النص في المشهد السعودي المحلي. وفي حواره مع «الشرق الأوسط» يرى الشاعر والناقد الدكتور عالي القرشي، أن المنجز النقدي في السعودية أخذ يُنشئ نظرة تفاؤلية، معتبراً من جانب آخر، أن الانصراف نحو الرواية له مبرراته، لأنها توفر مساحة حوارية واسعة وتمتلك قدراً من حرية البوح والإفصاح تحقق للمبدع قدرا من السلطة تجعله يحرّك الشخوص ويقدّم الحلول ويحاول الاستجابة.

> صدر لك مؤخراً كتاب «تحوّلات النقد وحركية النصّ» الذي يتأسس على مقولة الجدلية بين النص والنقد، كيف رصدتَ حركة النقد في السعودية؟.

- يبدو لي بنظرة إلى المنجز النقدي في السعودية، أن هذا المنجز يُنشئ نظرة تفاؤلية، ذلك لأنه لم يكن تراكما نقديا فحسب، بل أصبح له رؤى ومشاريع نقدية وفق منظور متجدد، فمثلا الدكتور عبد الله الغذامي له مشروع نقدي، وكذلك الحال عند كل من الدكتور سعد البازعي، ومعجب الزهراني، ومعجب العدواني، وغيرهم. وقد أحدث هذا المنجز حوارا مع المنجز النقدي العربي، كما أصبح له ما يرفده من تفاعل النقاد العرب الذين يأتون إلى السعودية في مناسبات ثقافية متعددة، حيث يتفاعلون مع المشهد النقدي ويقيمون أمسيات وفعاليات ودراسات تصبّ في صالح ثراء المنجز النقدي بالسعودية.

هذا المنجز الذي استطاع أن يجلي بعض النصّ الإبداعي ويستنطق حركته، ويتفاعل معه وينجز لهذا التفاعل تجديدا للحركة النقدية تستجيب لحركة النصّ، هو ما حاولت الإشارة إليه في كتابي «تحوّلات النقد وحركية النصّ»، الصادر عن نادي حائل الأدبي هذا العام.

> برأيكم هل واكبت حركة النقد، الإنتاج الأدبي السعودي؟

- أعتقد أن مسار الحركة النقدية مختلف، ذلك لأنها حوار مع النظرية النقدية القديمة وحوار مع النظرية النقدية في العالم، وهي أيضا استنطاق عبر بوابات كبرى من النصوص الأدبية، مما يعني أن لها مسارها المختلف عن مسارات النصّ، والأخير له تفاعلاته وتحركاته وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون نتاج استجابة للحراك النقدي، ذلك أن لحركة النصّ شروطها المنبثقة من رؤية المبدع وعلاقته بعالمه المنبثقة من تراكم التجارب الإبداعية، مما يجعل لحركة النصّ الإبداعي مسارها المختلف والذي يلتقي مع الحركة النقدية حين يحاور النقد هذه النصوص ويتفاعل معها.

> إذاً أنت تؤكد بذلك أن الأدباء السعوديين لا يكترثون لرأي النقاد، طالما أن لهم جمهوراً يتلقف ما ينتجون؟

- أستطيع أن أقول إن عملية النص الإبداعي ومسارها يختلف بالضرورة مع الحركة النقدية، فالحركة النقدية تعبر عن رؤى إنسانية ومسارب إبداعية، استطاعت أن تستجلي عوالمها وتعبر هذه العوالم وتكتشف العلاقات المختبئة خلف التجارب الإنسانية، فتظهر الاستظهارات في نصوص إما أن تكون روائية أو شعرية، أو غير ذلك من التعابير الإبداعية، فلذلك يكون أمام المبدع تجارب إنسانية يعاقرها مختلفة ومتعددة.. قد يكون للتجربة النقدية شيء من التأثير فيها أحيانا، وذلك نشهده في نصوص روائية تستجلي كتابة النصّ وكيفية الكتابة، أو نصوص شعرية تستجلي المعنى الشعري والعلاقة ما بين حركة اللغة وحركة المعنى، تماما كما فعل محمد الثبيتي (شفاه الله) في قصيدته الشهيرة (موقف الرمال.. موقف الجناس).

> بما أن لك تجربة شعرية راسخة.. كيف تفسّر انصراف بعض الشعراء السعوديين إلى كتابة الرواية؟

- قد لا تكون المسألة انصراف أمرٍ على حساب انصراف أمر آخر، ذلك لأن القصيدة تظل تلحّ على صاحبها وتمعنه في الظهور، حتى لو كان يكتب الرواية أو النقد وحتى لو كانت له نشاطات أخرى. لكن هذا الانكباب على الصنيع الروائي والإنجاز الروائي له مبرراته من حيث إن هذا الإنجاز مساحة لإنشاء الحوارية في النصوص على مستوى أوسع، يحاول أن يجعل التجربة الكتابية مرآة أخرى لمسار التجربة الإنسانية، ثم إن هذا الإنكباب فيه قدر من حرية البوح والإفصاح عن رؤية الذات عبر مسارات وتجارب يقيّمها المبدع، ثم إنه يحقق للمبدع قدرا من السلطة والتي تجعله يحرّك الشخوص ويقدّم الحلول ويحاول الاستجابة.

> كيف تنظر إلى المنتجات الأدبية السعودية من حيث المكونات الفنية والشكلية والدلالية؟.

- من خلال الشعر نجد أن هذا المنجز كوّن تشكيلات أصبحت ظاهرة تقدّم تجارب مميزة لدى شعراء كثر، ابتداءً من الجيل الريادي الأول في القصيدة الجديدة أمثال محمد العلي ـ محمد الثبيتي ـ علي الدميني ـ خديجة العمري ـ غيداء المنفي ـ علي بافقيه ـ عبد الله الزيد وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة بذكر أسمائهم، وانتهاءً بالتجارب الجديدة لدى شعراء مثل محمد الفوز وطلال الطويرقي وإبراهيم زوي وحامد الفقيه.. وحققت بذلك منجزا له فنياته التشكيلية وله تشكيلاته التي قدم فيها رؤية للعالم بشكل مختلف.

وأما من ناحية الجانب الروائي، فنجد هناك إبداعات من الرواية لها أفقها المختلف في المنجز الإبداعي الروائي، كما يظهر ذلك في روايات رجاء عالم وروايات عبده خال. وعلى مستوى القصة القصيرة نجد أن هناك إنجازات إبداعية استطاعت أن تختزل مساحة السرد في مساحة مكثفة تستطيع فيها أن تختزل الرؤية الإنسانية لحركة العالم عبر الشخوص، وذلك كما يظهر في النصوص السردية القصصية لدى قصاصين سعوديين أمثال طلق المرزوقي ومحمد النجيمي بالإضافة إلى ما حققه الإنجاز الإبداعي في القصّة القصيرة لدى الأسماء المعروفة في عالم القصّة.