أطول ليلة في تاريخ إيران

بنية السلطة داخل الجمهورية الإسلامية في كتاب لطاهري

«الليلة الفارسية» إيران تحت وطأة الثورة الخومينية أمير طاهري الناشر: إنكونتر بوكس، نيويورك ولندن 2009
TT

قبل 30 عامًا، كان النظام في إيران محيّرًا بالنسبة لمعظم الإيرانيين، واكتنف الغموض هذا اللغز، وحجبه عن العالم الخارجي. وأقدم ذلك النظام على معارضة كل معتقد في الثقافة الإيرانية تقريبًا، كما أنكر أفضل جزء في التاريخ الإيراني، علاوة على محاولته إعادة تشكيل هذه الدولة القديمة لتحويلها إلى قوة يمكنها إخضاع العالم تحت مسمى الآيديولوجية. وليس من المدهش أن ينظر الكثير من الإيرانيين إلى نظام الخميني على أنه غريب على ثقافتهم وتاريخهم.ومع ذلك، ففي هذه الدراسة الأولية، والممتدة على نحو 400 صفحة، يوضح لنا أمير طاهري أن الثورة الخومينية ما هي إلا نتاج طبيعي تقريبًا للواقع الإيراني، والذي تشكل على مدار الـ14 قرنًا الماضية.

في كتابه «الليلة الفارسية» ، يوضح لنا طاهري أن إيران والإيرانيين عانوا من شخصية منقسمة على مدار عقود. فعلى الرغم من عدم قدرتهم على هجر ماضيهم فيما قبل الإسلام، إلا أنهم وفي المقابل لم يكن بمقدورهم أن يصبحوا إسلاميين تمامًا. وبناء عليه، تكوّن لدينا صنفان من الإيرانيين، ورغم تعايشهم جنبًا إلى جنب، فإنهم لم يستطيعوا أبدًا الاتفاق أو التصالح فيما بينهم. ويمكن لأي أحد أن يلحظ وجود هذين الصنفين من الإيرانيين في كل مظاهر الحياة الإيرانية، بل ويمكن إيجاد هذه الحقيقة داخل كل إيراني. وعلى مدار قرون، أُجريت محاولات شتى إما لدمج هاتين الشخصيتين، أو القضاء على أيهما لصالح الأخرى، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. ولهذا السبب، يوقن طاهري أن المحاولة الحالية التي يباشرها الخومينيون لوأد إيران الإيرانية ستبوء بالفشل هي الأخرى. ويعد تحليل طاهري ذا أهمية خاصة لصناع السياسة، إذ إنه يشير إلى أن النظام الذي لا يعيش في وئام مع شعبه، لا يمكنه أن يروج أو يعزز السلام مع الدول الأخرى. من ناحية أخرى، ومع تجسيد الثورة الخومينية، بات واضحًا أنه ليس بإمكان إيران إلا أن تعيش في حرب مع جيرانها والدول الأخرى، لكن في الوقت ذاته بعيدًا عن الميدان. ويؤكد طاهري أن ثورة الخميني تحتاج إلى التوترات والأزمات زادًا لحياتها واستمرارها. وشأنها شأن الثورات الأخرى في التاريخ، فإنها تولّد الحرب.

ويميط كتاب «الليلة الفارسية» اللثام عن أكثر الأوصاف تفصيلاً للثورة الخومينية، إذ يوضح أنها آيديولوجية فاشية رئيسة، ترتكز بصورة غامضة على التعاليم الإسلامية. ويحدد طاهري المجالات التي اقتبستها الثورة الخومينية من الآيدلوجيات الشمولية الغربية لتضمها بعد ذلك، في ثورتها غير الناضجة. ويُفرد الكتاب جزءًا منه لدراسة بنية السلطة داخل الجمهورية الإسلامية. ومن هذا الكتاب، يمكننا أن نعلم الكثير عن سمة هذه الدولة بالإضافة إلى ما وصفه الكاتب بـ«الدولة العميقة»، أو الأعضاء الموازية للحكم، والتي تشكل الحكومة الحقيقية لإيران هذه الأيام. ومن المهم للغاية فهم هذه الازدواجية في تقييم الطريقة التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية إزاء قضايا السياسة الخارجية الكبرى. وعلى صعيد آخر، يدرس طاهري القوى التي يظن أنها قادرة على طي صفحة الثورة الخومينية، وتوجيه إيران بعيدًا عن الثورة، وإعادتها من جديد إلى طريق القومية. ويرى الكاتب أن التغير في إيران ممكن وحتمي، بيد أنه يحجم عن توضيح إطار زمني محدد لإتمام ذلك.

ومن منطلق توجيهه إلى القارئ الدولي، يخصص كتاب «الليلة الفارسية» مساحة كبيرة لدراسة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وفيها ينتقد طاهري سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، بما فيها الإدارة الأخيرة برئاسة باراك حسين أوباما.

ونظرًا إلى أهميته، كونه دراسة سياسية، يعتبر كتاب «الليلة الفارسية» مشوقًا، وقد صيغ بأسلوب فكاهي سهل الاستيعاب، إذ إنه يحتوي على الكثير من الحكايات الفكاهية النادرة إزاء نطاق كبير من القضايا، بدءًا من الأنواع المختلفة من اللحيات، وحتى الصنوف المتنوعة من الملالي. فضلاً عن أن هناك الكثير من المقاطع التي لا يمكن للقارئ أن يمر عليها دون أن تحمله على الابتسام على الأقل. ويمكن النظر إلى «الليلة الفارسية» على أنه من بين الكتب الرئيسة فيما يتعلق بالأدب الفارسي، وعلم الأساطير. كما أنه يطرح الكثير من الموضوعات المهمة عن الثقافة الفارسية فيما يتصل بالقضايا السياسية. وأثمر هذا العام ـ والذي حلت فيه الذكرى الثلاثون لاستيلاء الخومينيين على السلطة في طهران ـ عن عشرات الكتب المتعلقة بإيران، وتجربتها الأخيرة. وإلى حد بعيد، يعد كتاب طاهري واحداً من أفضلها، سواء من حيث عمق تفكيره ورؤيته، أو أسلوبه. ومن ثم، فإنه يجب على كل من يهتم بإيران، والشرق الأوسط، والإسلام، والسياسات الدولية قراءته.

* كاتب بريطاني