غازي القصيبي لـ «الشرق الأوسط»: لن ينتهي الحلم العربي ما دام هناك عرب

في أول حوار من نوعه يبعث خلاله برسائل قصيرة لكنها ملغمة

TT

رشح الدكتور غازي القصيبي الوزير والدبلوماسي والروائي والشاعر والمؤلف السعودي المعروف العاصمة الصومالية «مقديشو» كأقوى العواصم العربية التي يمكنها أن تعطي للعروبة شكلها في هذا الزمن الذي وصفه بالزمن العربي المرهون، معتبرا أن العرب ربما ينتظرون تأنيث المحلات النسوية حتى يمكنهم تغطية عروستهم «القدس» التي خلفوها منذ زمن فوق الوحل عارية تبيح عزة نهديها «لمن رغبا»، كما عبر عن ذلك الشاعر الراحل نزار قباني. وشدد القصيبي في حوار يعد الأول من نوعه أجرته «الشرق الأوسط» من الرياض على أن الحلم العربي لن ينتهي ما دام أن هناك عربا، لافتا إلى أن زمن شد المطايا والركاب للفتح العربي الكبير سوف يتحقق عندما تحل الصواريخ محل المطايا والركاب. وأكد السياسي والشاعر القصيبي على أن قصائد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي خاض حربا ضروسا مع الأميركيين أدت إلى الإطاحة به وسجنه ومحاكمته ثم شنقه أثبتت أنه لم يقرأ بيتا واحدا من الشعر مما يستبعد أن تسقط حالة الشاعر النابغة الذبياني الذي اخترع فن الاعتذاريات وبرع فيه على حالة الرئيس صدام. وكشف القصيبي عن أن القيام بأي إحصائية دقيقة في أي مكان أو زمان ستظهر أن الأدباء «الموظفين» أنتجوا أضعاف ما أنتجه الأدباء المتفرغون. فإلى نص الحوار:

* هل نخاطبك بـ «أبي يارا» أم «أبي سهيل»، وهل أنت مع «ابي الطيب» في تفضيله التأنيث على التذكير؟

ـ الكنية الأولى أقرب إلى قلبي، والثانية أشهر عند الناس، وأنا بكليهما فخور، «فتخير ما تشاء» ــ كما يقول ناجي. وبالمناسبة المتنبي كان ذكورياً متطرفاً ولا تخدعك أبياته التي يتملق فيها سيف الدولة في شخص أمّه بعد وفاتها!

* لقد سرقتك الوظيفة من عالمك الإبداعي شاعراً ومؤلفاً وروائياً وكاتباً، هل يحتاج المبدعون أمثالك إلى قرار بكف أيديهم عن العمل الرسمي حتى يتفرغوا للانطلاق في آفاق الإبداع؟

ـ أعتقد أن أي إحصائية دقيقة، في أي مكان أو زمان، ستظهر أن الأدباء «الموظفين» أنتجوا أضعاف أضعاف ما أنتجه الأدباء «المتفرغون».

* أين ستكون شقتك الأخرى بعد شقة الحرية؟

ـ «قهوة النشاط».

* «وخلفوا القدس فوق الوحل عارية تبيح عزة نهديها لمن رغبا».. الم يجد العرب بعد «فستانا وحاملة أثداء» لعروستهم العارية؟

ـ لعلّهم بانتظار تأنيث المحلات النسوية.

* بدأت منذ سنوات العمل بمملكتين، الأولى «مملكة السعودة» والثانية «مملكة العمل» هل اكتمل تأسيس المملكتين؟ أم أنهما سقطتا عليك وسدت الأبواب؟

ـ «أعلى الممالك ما يبنى على «العمل» ــ والطعن عند محبّيهن كالقُبل».

* «زمانك بستان وعصرك أخضر...» في أي محطة كان عصرك الذهبي؟

ـ كل يوم أعيشه عصر ذهبي من عصور حياتي، والحمد لله وحده.

* « دعاك الهوى واستجهلتك المنازل وكيف تصابى المرء والشيب شامل».. هل مررت بتجربة النابغة هذه؟ ومتى؟

ـ عدة مرات. «يفنى الشباب ولا تفنى سجاياهُ».

* «سرقوا أصابعنا وعطر حروفنا فبأي شيء يكتب الكتاب..».. كيف يمكن إعادة الأصابع التي سرقت؟

ـ عن طريق الجراحة الدقيقة.

* «أمشي على ورق الخريطة خائفاً فعلى الخريطة كلنا أغراب..».. هل ننتظر قراراً عربياً بمنع المشي على خريطة الوطن الكبير؟

ـ قبل أن نمشي على الخرائط يجب أن نتعلم المشي على الأرصفة.

* ما أجمل تسمية للزمن العربي الراهن؟

ـ الزمن العربي المرهون.

* تلك ..... «كانت بين أمتعتي لما ارتحلت عن.....» مغترباً.. بماذا ستكمل الفراغات في البيت النزاري؟

ـ تلك «القنابل» كانت بين أمتعتي لما ارتحلت عن «الأفغان» مغترباً.

* قال أحدهم ذات يوم أن القصيبي أحبه الناس ثلاثين عاماً، وكرهوه في ثلاثة أيام، كيف استقبلت هذه العبارة وما ردك؟

ـ لا أصدق هذا القول. وإذا كان هناك من يكرهني فيعلم الله أني لم أفعل ما كرهني من أجله إلا حباً له وحرصاً على مستقبل أولاده.

* متى ستغيرون مسمى مكاتب العمل إلى مكاتب «اللاعمل ومنع الاستقدام»؟

ـ عندما تغيرون اسم الجريدة إلى «جريدة الشرق الأقصى».

* كان السباك سعودياً والخباز سعودياً والطباخ سعودياً والسائق سعودياً وحتى الخادمة كانت سعودية في بعض المنازل. لقد كان ذلك واقعاً موجوداً قبل أربعة عقود وليس خيالاً أما الآن فتغير كل شيء، وبدأ البحث عن هذا «السعودي الغائب» ماذا حدث بالضبط وما الحل؟

ـ ما حدث، بالضبط، هو أنه توفرت عمالة أجنبية رخيصة بلا حدود فكف السعوديون عن العمل اليدوي والشاق وتبعهم أبناؤهم ــ والحل يكمن، بالضبط، في حجب العمالة الوافدة الرخيصة ــ.

* أيحتاج النهار إلى دليل.. مقولة شعرية لأبي الطيب يذيلها مراجع في طلبه إليكم للحصول على تأشيرات عمل في منشأته بعد أن رفضته مكاتب العمل، بماذا سترد عليه شعراً؟

ـ «كدعواك كلٌ يدعي صحة العقل *** ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل»؟

* كم نسبة حضور السعودة في شقة الحرية؟

ـ جاءت حقبة «شقة الحرية» قبل حقبة الاستقداميين.. والمسعْودين.

* لماذا يلجأ الروائيون العرب وأنت واحد منهم إلى جعل أبطال رواياتهم وجميع أحداثها من نسج الخيال، ألا يمكن البحث عن الواقع في الخيال؟

ـ «سرد يجعل الواقع خيالاً والخيال واقعاً». أعتقد أن هذا تعريف لا بأس به للرواية.

*«لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل».. أي المنازل التي أقفرت عندك وبقيت بقلبك؟

ـ «كل المنازل والبلاد عزيزة ** عندي ولا كمنازلي وبلادي».

* «الحلم القومي» هل انتهى من قاموس «النوم العربي»؟

ـ لن ينتهي الحلم العربي ما دام هناك عرب.

* كيف يستريح الغني وهو محاط ببحر من الفقراء..؟ وكيف يستريح الشاعر وهو محاط ببحر من الجهلاء؟

ـ لا تسألني عن الراحة فبيني وبينها عداء مستحكم متبادل.

* في الطبعة الخامسة من شقة الحرية اختار الناشر عبارة لـ «سمير يوسف» كتبها في جريدة القدس العربي بلندن قال فيها «تمثل هذه الرواية إهانتين. الأولى لذكاء القارئ والتاريخ والثانية للرواية والروائي ... «فهو لا يعرف عن الرواية سوى اسمها... وعليه أن لا يتنطح للرواية التي تتطلب موهبة وقدرات لا نظن أنه بقادر عليها».. كيف سمحت للناشر بإيرادها؟ أم أنها حرية النقد؟

ـ لم تكن الفكرة فكرة الناشر. كانت فكرتي أنا. وفعلت الشيء نفسه مع «أبو شلاخ البرمائي» دع كل الزهور تتفتح!.

* كنت يوماً وزيراً للصناعة، هل أضاف لك هذا المسمى خبرة في الصناعة الروائية؟

ـ لا. ولا الصناعة الشعرية!

* كثيرون وأنت واحد منهم بحثوا طويلا عن اكتشاف الرجل العربي الروحي، هل ما زال البحث جاريا عن هذا الرجل؟ وهل وجدته في شقة الحرية؟

ـ لا أعرف ما هو «الرجل العربي الروحي» ــ ولهذا لم أبحث عنه.

* هل يحتاج القارئ العربي إلى واسطة النقاد لكي يقرأ الروايات ودواوين الشعر وكل المؤلفات؟

ـ معظم قراء النثر والشعر لم يسمعوا بناقد واحد.

* رغم أن بعض كتبك لم يفسح لها في الداخل.. هل لمست تغيراً في عقلية الرقيب على الأعمال الإبداعية المحلية؟

ـ هناك ضعف ملحوظ في مقصّ الرقيب. زاده الله وهناً!

* أشاد الجاحظ بشاعرين ووصفهما بأنهما أعظم شاعرين في العربية؟ طرفة بن العبد، وعبد يغوث بن وقاص الحارثي» لأنهما قالا شعراً في حالة الموت ليس دون أشعارهما في حالة الأمان.. هل يحتاج الشاعر إلى أن يحتضر ثم يموت حتى يبدع وينال نصيبه من المدح؟

ـ لا. هناك أشعار للموت.. وهناك أشعار للحياة.

* «أمست خلاء وأمس أهلها احتملوا أخني عليها الذي أخنى على لبد».. بيت شهير للنابغة للتعبير عن الانقضاء والزوال.. كيف تقرؤه أنت كشاعر؟

ـ أقرؤه كما يقرؤه أي عربي يقرأ.

* «فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع».. أتعتقد أن الرئيس الراحل صدام حسين لم يقرأ البيت السابق لمخترع فن الاعتذاريات.. هذا الفن الذي خطا بالشعر الجاهلي خطوة نحو بؤرة عميقة في العلاقات الإنسانية المتشابكة المتنازعة؟

ـ أعتقد أن «قصائد» صدام حسين تثبت أنه لم يقرأ بيتاً واحداً من الشعر.

* هل صحيح أن الشعر العربي يبست مفاصله؟ واصفرت سنابله؟

ـ فال الله ولا فالك.

* ما هو الشيء الذي حين يشيخ يلزمه الانتحار؟

ـ اليأس.

* هل شعرت أن جسمك مل من الرداء؟

ـ نعم. كلمّا زاد وزني.

* القصيدة الكيمياء هل لها وجود في الشعر العربي الحديث؟ ما هي مواصفاتها ومن هم شعراؤها؟

ـ أعتذر عن جهلي. لم أسمع بالقصيدة الكيمياء ولا أعرف عنها شيئاً.

* متى نسيت شعرك القديم؟ وهل تبت عن أخطائك الماضية؟

ـ «كذب الواشي وخاب ** من رأى الشاعر تاب».

* متى تطير الحمامة من العقال؟ ومتى تطلع الأعشاب من العباءة؟

ـ في السيرك.

* كم نحتاج من الوقت لفتح حقائب أحزاننا الأزلية؟

ـ ثانية واحدة.

* أرم «قلمك» ما أنت جاهل *** إنما نحن جوقة الجهلاء.. لمن يمكن توجيه هذا البيت المحرف؟

ـ يصعب توجيه هذا البيت المكسور إلى أحد.

* لو كنت قاضياً، ما هي العقوبة التي ستقرها بحق العشاق لو هم تابوا؟

ـ الشعراء لا يصلحون للقضاء.

* متى ستشد المطايا والركاب للفتح العربي الكبير؟

ـ عندما تحل الصواريخ محّل المطايا والركاب.

* من ترشح من العواصم العربية التي يمكنها أن تعطي للعروبة شكلها في هذا الزمن؟

ـ مقديشو.

* من هو الطائر المحكي وغيره الصدى من شعراء عصرنا الحديث؟

ـ هل يحتاج هذا إلى سؤال؟ شاعر المليون!.

* هل جربت كتابة قصائد بالأهداب.. وما الفرق بينها وبين القصائد التي تكتب بالأيدي؟

ـ أنا إنسان متخلف تقنياً لا أكتب إلا بالأقلام التقليدية.

* ألكني إلى «غازي» حيث لقيته لأشكو له عجزي وحالي وبطالتي.. بيت شعري كتبه شاب سعودي يبحث عن عمل، ماذا ستفعل له؟

ـ أعلّمه العروض. وأحولّه إلى برنامج تدريبي.