ما مصير صندوق رعاية الأدباء السعوديين؟

مثقفون: لا نسعى للحصول على معاملة تفضيلية

د. سعد البازعي
TT

أعادت حادثة الشاعر السعودي البارز محمد الثبيتي، الذي يرقد اليوم في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، إثر جلطة دماغية، الجدل بين أوساط المثقفين السعوديين بشأن الرعاية التي يحصل عليها المثقفون والأدباء، ودور وزارة الثقافة والإعلام في تسريع العمل بصندوق وطني يحمي الأدباء والشعراء من العوز في حالات الشدة.

وبالرغم من أن الشاعر الثبيتي حصل على عناية من اليوم الأول للحادث الذي ألم به، تمثلت في نقله من مستشفى محلي إلى آخر تخصصي، إلا أن عائلة الشاعر تقول: إنه بحاجة ماسة إلى نقله إلى مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، لمزيد من التأهيل الطبي، للتخفيف من آثار الجلطة الدماغية. وقال يوسف الثبيتي (نجل الشاعر): «إن وضع محمد الثبيتي مستقر، لكنه يحتاج إلى تأهيل طبي وعلاج طبيعي لا يتوفر في المستشفى الذي يرقد فيه حاليا».

وأضاف: «قرر الأطباء في المستشفى أنه تجاوز مرحلة الخطر، ولكنه يحتاج إلى تأهيل وعلاج طبيعي لكي يستعيد القدرة على الكلام والرؤية، لذلك خاطبنا مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، حيث وافقت على استقباله، وسيتم نقله خلال أيام لتلقي العلاج التأهيلي هناك».

ويقول يوسف الثبيتي: إن وزارة الثقافة والإعلام تتواصل معه، كما زار والده وفد من الوزارة على رأسه الدكتور بكر باقادر وكيل الوزارة للعلاقات الخارجية، وهو الذي أشرف على ترتيبات نقله من أحد مستشفيات مكة المكرمة إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي في مدينة جدة، بينما طلب مسؤولون في الوزارة أبناء الثبيتي بالتواصل معهم في حال وجود عقبات تواجه علاج والدهم».

وكل هذا محل تثمين بالطبع. لكن عددا من المثقفين طلبوا أن تضع وزارة الثقافة والإعلام (آلية) نظامية لتقديم الرعاية للأدباء والمثقفين، الذين يحتاجون للرعاية، وكان الشاعر القاص جار الله الحميد، تعرض قبل عامين إلى حادث مروري أقعده الفراش، وتحرك زملاؤه لحث الجهات الرسمية تقديم العناية له.

وسبق ذلك اقتراح لم يلق نجاحا، تقدم به مثقفون بينهم القاص محمد الشقحاء، والروائي خالد اليوسف، لوزارة الثقافة والإعلام لإنشاء جمعية للأدباء والكتاب، تأخذ على عاتقها إيجاد صندوق التكافل الاجتماعي لمساعدة الأدباء في حالات العوز والحاجة.

أما في حال الثبيتي، فإن المكانة البارزة للشاعر ساهمت في تسليط الضوء على حالته الصحية الحرجة، وتوجيه الرعاية له. وقد أشار الدكتور بكر با قادر وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الدولية، إلى تكليفه شخصيا من قبل الدكتور عبد العزيز خوجة، وزير الثقافة والإعلام بمتابعة حالة الشاعر وزيارته. وأوضح با قادر أن وزارة الثقافة والإعلام قامت بدور مهم في نقل الشاعر الثبيتي، من أحد مستشفيات مكة المكرمة إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بمدينة جدة، وتقديم العلاج له على حساب الوزارة.

وذكر با قادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أن للمثقف حقوقا، والحكومة هي المسؤولة عن توفير هذه الحقوق، وأن المبدع أيا كان نوع إبداعه يعامل كما يعامل المواطن». ولاحظ أن للشعراء والفنانين حقا على بلادهم، يستحقون أن يلتفت إليهم وأن يعطوا اهتماما خاصا. وأضاف با قادر: «من حيث المطلق ليس من المفترض معاملة المثقفين أو الفنانين معاملة خاصة تختلف عن معاملة المواطن العادي». ويقول با قادر: إن هناك مشروعا مطروحا للنقاش بشأن رعاية المثقفين في حالة العوز، وإن حاجات المبدعين ورعايتهم ستصبح متاحة في حال تبني هذا النظام. ومفردات هذا النظام تتناول قضايا من قبيل تعريف المثقف، وتوصيفه، ودوره، ومسؤولياته، ودور النظام في الرعاية، ونوع الرعاية، وطريقة الاستحقاق، مشيرا إلى أن هناك تجارب مهمة يجب الاستفادة منها، مثل الصناديق التي تتبناها روابط الأدباء، التي تقدم العون للمثقفين في كثير من الأوضاع التي يتعرضون لها. ودعا إلى ضرورة أن يتم تأسيس صندوق التكافل للمثقفين والكتاب، الذي ينادى بإنشائه منذ سنوات، من قبل الأدباء والمثقفين أنفسهم وبشكل تضامني.

البازعي: المثقف مواطن أولا

ويقول الدكتور سعد البازعي، الناقد المعروف ورئيس النادي الأدبي في الرياض، وعضو مجلس الشورى: «إن المسؤول عن المثقف في المقام الأول هي الحكومة، كون المثقف مواطنا، وبالتالي يستحق الرعاية كما يستحقها أي مواطن آخر. أما اعتبار المثقف مواطنا غير عادي، ويستحق رعاية استثنائية فهذه فرضية محزنة، لأنها تشعرنا بأن هناك مواطنين لا يحصلون على ما ينبغي أن يحصلوا عليه من عناية ورعاية».

ويضيف البازغي: «إن تعبير مثقف هو تعبير عام، فقد يكون مثقفا غير فاعل في المجتمع، وقد يكون مثقفا مبدعا وفاعلا فيه. إذا حددنا الحديث عن الشاعر محمد الثبيتي، فنحن نتحدث عن مثقف فاعل ومهم، ترك بصمة وأثرا كبيرا يستحق بمقابله عناية استثنائية دون شك». ويعود البازعي إلى قضية أثيرت في عدة مناسبات بين المثقفين السعوديين، وهي الحاجة الماسة إلى صندوق تكافل للكتاب والمثقفين السعوديين، ويشير إلى أن هذا الاقتراح يثار منذ عدة سنوات، وتبنته جمعية الثقافة والفنون، إلا أن المشروع لم يكتمل ولم ير النور، وأن تنفيذ فكرة الصندوق لو تمت لاستفاد منها الشعراء والمثقفون عند الأزمات. ويرى البازعي، أن الأمان يأتي في المقام الأول مما تقدمه الحكومة لمواطنيها من خدمات ترقى إلى إنسانيتهم، وفي المرتبة الثانية تبني جماعة المثقفين نظاما كصندوق التكافل يحقق لها قدرا كبيرا من الأمان. وفي المرتبة الثالثة من المثقف نفسه، متسائلا «ما الذي يمنع المثقف من أن يكون له تأمين صحي؟ فالكثير من المثقفين السعوديين لم يعتادوا على هذا الإجراء الضروري، الذي تتضح أهميته في أوقات الأزمات. من هنا تنشأ مسؤولية المثقف عن نفسه، وعدم إلقاء اللوم على المجتمع دائما».

* السريحي: ليس للمثقف أي حق يميزه

* ويتفق سعيد السريحي، الناقد الأدبي، مع زميله سعد البازعي، بقوله: «ليس لنا أن نبحث عن أي مستحقات خاصة بالمثقف، فهو كمواطن حقه لا يتجاوز حق أي مواطن آخر، ومن حقه أن يحظى بالرعاية الصحية كما يحظى أي مواطن آخر، ومن حقه أن يحظى كذلك بالكرامة كما ينبغي أن يتمتع بها أي مواطن آخر»، ويضيف: «أن أي صلاحيات أو مخصصات للمثقف دون الآخرين هي نوع من الظلم للمواطن، وإن حق المثقف الوحيد هو أن يجد الجو الملائم له لأداء رسالته، وأن يتمتع بحريته كمثقف، ويجد هامش التفكير والتعبير الذي يتيح له القيام بدوره.

إن أي رعاية خاصة للمثقف هي نوع من الاحتواء الذي لا ينبغي أن يتم».