يوسف زيدان الفائز بجائزة البوكر العربية: «عزازيل».. خطاب من أجل واقع أفضل للإنسان

يبحث عن إنتاج سينمائي عالمي لروايته ويؤكد أن تراثنا العربي حافل بمناقشات ضافية لكل التابوهات

TT

يقول يوسف زيدان صاحب رواية «عزازيل»، التي نال عنها جائزة «بوكر» العربية في نسختها الثانية أن التراث العربي حافل بمناقشات وافية وعميقة لكل التابوهات الإنسانية، نافيا أن تكون ثقافتنا العربية «ثقافة طوطمية». ودافع زيدان عن فوز روايته «عزازيل» بالجائزة، برغم تحفظ الكثير من الأدباء عليها، وكذلك انتقاد الكنيسة المسيحية المصرية لها باعتبارها تتعرض للعقائد المسيحية، خاصة أن بطلها راهب مصري، وتدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي في فترة قلقة من تاريخ الديانة المسيحية عقب تبني الإمبراطورية الرومانية للديانة «الجديدة»، وما تلا ذلك من صراع مذهبي داخلي بين آباء الكنيسة من ناحية والمؤمنين «الجدد» والوثنية المتراجعة من جهة ثانية.

وتحدث زيدان في حواره مع «الشرق الأوسط» في الاسكندرية عن السجالات التي تثيرها أعماله بدءا من فهرسة المخطوطات المنزوية بأنحاء مصر، ثم أعماله في مجالين متناقضين من مجالات التراث العربي؛ التصوف وتاريخ العلوم، مرورا بالضجة التي أثارها قسم من المتعصبين اليهود حوله بسبب موقفه من كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون». وهنا نص الحوار:

* برأيك.. هل المشهد الأدبي العربي يعيش القدر الكافي من الحرية التي يمكن أن تنتج إبداعا أصيلا؟

ـ الحرية ليست أمرا نظريا نتخيله أو نرجوه، وإنما هي فعل إنساني يشق طريقه في الواقع منطلقا في قاعدة الاختيار الحر، الواعي. والإبداع لابد له من حرية، وإلا صار أمرا بائسا لا يستحق النظر أو القراءة أو حتى الانتباه إليه.

* النقد اللاذع من الكنيسة المصرية والهجوم على روايتك حال صدورها، كيف واجهته وهل ترى مبررا لهذا الهجوم؟

ـ واجهته بالحكمة والموعظة الحسنة وضبط النفس. فالهجوم غير مبرر، وله أسباب أخرى غير معلنة يعرفها قادة هذا الهجوم، وهم على كل حال، مجموعة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، ولا يعبرون عن الموقف الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية، وهي أهم الكنائس المصرية، لكنها ليست الكنيسة المصرية الوحيدة، فهناك كنائس أخرى كبرى في مصر، للإنجيليين والأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت. وأنا أؤكد مجددا أن «عزازيل» رسالة في المحبة، وخطاب من أجل الإنسان، من خلالها أفتش عن الإنسان الذي اختفى وراء الأزمات التي التهمت أهل مصر خلال القرون الماضية. لذلك فهي وغيرها من أعمالي محاولة للفهم، والتأكيد على إعادة بناء الأشياء والمفاهيم التي استقرت في أذهان الناس بشكل خاطئ.

* وما رأيك في الكتاب الذي أصدره الأنبا بيشوي أخيرا تحت عنوان «الرد على البهتان في رواية يوسف زيدان»؟

ـ هذا الكتاب لا يليق بالأنبا بيشوي، وليس لي تعليق عليه.

* لكنه يربط بين روايتك وأعمال دان براون، وعلى حد قوله «زيدان.. زي دان»؟

ـ هذه خفة دم مصرية في غير محلها، وقد أعقبها بقوله «فانشقي أيتها السماء واقشعري أيتها الأرض»، فكيف لي أن أرد على مثل هذا الكلام؟

* إذن ما هو ردك على محاولات الربط بين «عزازيل» و«شفرة دافنشي»، وما قولك فيما أشيع عن هجوم بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر على الرواية؟

ـ هذه كلها توهمات وتهويلات وحجج فارغة يتوسل بها هؤلاء الذين يهاجمون الرواية، وأولئك الذين قرأوها ثم لم يفهموها.

* وما مدى مصداقية رواية وفيلم (ملائكة وشياطين) من وجهة نظرك، وهل يمكن اعتبارها نوعا من الهجوم المضاد بالمنطق نفسه؟

ـ لم أقرأ «ملائكة وشياطين» ولم أشاهد الفيلم، وأعمال دان براون لا تعجبني كثيرا إلا في حدود أنها روايات بوليسية.

* هناك فيلمان يعرضان حاليا في مهرجان «كان» السينمائي بعنوان «أغورا» و«قيصر»، فما هذه الصرعة العالمية تجاه الإسكندرية القديمة؟

ـ تاريخ الإسكندرية القديمة هو تاريخ العالم، فقد كانت الإسكندرية في ذاك الزمان عاصمة الدنيا، وأهم مدينة في حوض البحر المتوسط «العالم القديم»، وبالتالي فلابد من النظر بعمق في تاريخها حتى نفهم حاضرنا.

* وما قولك في تعرض «أغورا» لحياة هيباتيا ونهاية الفيلم المغايرة للوقائع التاريخية؟

ـ هيباتيا فيلسوفة ملهمة، وتطرق لحياتها كتاب كثيرون على مر العصور. وأعتقد أن النهاية التي طرحها الفيلم، التي أنهت حياتها على يد عبدها المولع بها، تعني أن المخرج وكاتب السيناريو خسرا كثيرا من الناحية الدرامية بسبب النهاية غير المقنعة، نهاية فوتت على المخرج مشهدا سينمائيا هائلا، ولكن هذا يعود لرؤيته، ولا يجوز لنا محاكمته عليها. ونهاية هيباتيا المأساوية – على أية حال ـ وقائعها مسجلة في التاريخ وموصوفة بالتفصيل في «عزازيل».

* في تقديرك، النهاية المأساوية لهيباتيا إذا ما اقتبستها السينما كما طرحتها «عزازيل» هل ستعالج مسألة التعصب الديني بشكل أفضل وأقوى من «أغورا»؟

ـ لم أتنازل بعد عن حقوق الإنتاج الفني لـ «عزازيل»، لأنني أفضل انتظار صدور ترجمتها الإنجليزية أولا، ثم يأتي الفيلم. وأرى الفيلم تحت بند «الإنتاج العالمي» حتى نخرج من مضيق الصخب المصري حول «عزازيل».

* ماذا عن الترجمة الإنجليزية لـ «عزازيل»..؟

- انتهى الكاتب جوناثن رايت، مدير تحرير وكالة «رويترز» للأنباء بالقاهرة، من ترجمة الرواية وقد تناقشنا بخصوص بعض التفاصيل والمصطلحات اللغوية، وأظنها ستظهر أواخر العام الجاري.

* ما هي توقعاتك لـ «عزازيل» في نسختها الإنجليزية؟

ـ هناك توقعات كثيرة من هنا وهناك بأن تحظى الرواية باهتمام كبير في ترجمتها الإنجليزية والأوروبية عموما، وهذا أمر طيب بالطبع. لكنني في واقع الأمر لا أعلق على التوقعات أملا كبيرا، ولا يشغلني ما سبق أن أنجزته، وإنما ما أعمل على إنجازه حاليا وما أخطط له مستقبلا، فهذا من وجهة نظري أولى بالاهتمام، وأهم من الترقب والتوقع وانتظار ما قد لا يأتي.

* وما هي اللغات التي يتوقع أن تصدر بها «عزازيل» قريبا؟

ـ تم إبرام تعاقدات لنشر الترجمات الألمانية والإيطالية واليونانية والبوسنية والإندونيسية، ويجري التفاوض حاليا بخصوص عشر لغات أخرى.

* وماذا عن الطبعات العربية؟

- الطبعة العاشرة كادت تنفد هذا الأسبوع، ويتوقع الناشر أن تصدر 7 طبعات أخرى قبل انتهاء هذا العام.

* ماذا تمثل لك جائزة «بوكر» للرواية العربية العالمية، مقارنة بما حصلت عليه سابقا من جوائز علمية في مجال الفلسفة وتحقيق التراث؟

ـ هي حسبما قلت في خطاب حصولي على الجائزة، علامة على طريق آخر من الطرق التي سلكتها أملا في فهم واقعنا بالغوص في تراثنا القديم. فدراساتي الفلسفية وتحقيقاتي التراثية وكتاباتي النقدية والروائية، كلها مسارات تؤدى إلى هذا الهدف: الغوص في الماضي من أجل فهم الحاضر واستشراف المستقبل.

* كتاباتك الأدبية تتسم بالجرأة في لغتها وبنائها، فقد كانت رواية «ظل الأفعى» تجربة مميزة خاضت في تابو «الجنس»، ومن ثم «عزازيل»، التي تعني (الشيطان) بالعبرية تخوض في تابو الدين، فهل ترى أن فوز عزازيل بالبوكر، يشكل ضوءا أخضر للأدباء العرب للخوض في التابوهات التي طالما قهرت الإبداع العربي؟

ـ الطوطم والتابو، هي السمات التي حددها علماء الأنثروبولوجيا لمعتقدات الجماعات البدائية، حيث تقدس هذه الجماعة أو تلك حيوانا ما أو جمادا، وتجعله رمزا مقدسا لها (طوطم)، وتجعل ما يرتبط به محرما على أفراد الجماعة (تابو). ومن غير اللائق، أن نصف ثقافتنا بالطوطمية والتابو، لأنها ثقافة عميقة امتدت في الزمان قرونا، وتطورت بأشكال لا يصح بعدها أن تكون ثقافة طوطمية تحفل بالتابوهات. وفى سؤالك إشارة إلى أن الجنس والدين هما من التابوهات أو المحرمات! وهذا عندي عجيب، إذ إن تراثنا العربي القديم حافل بمناقشات مطولة ونقاشات عميقة حول هذين الموضوعين اللذين لم ينظر لهما أجدادنا على أنهما من المحرمات. ومن المخجل لنا أن تكون عقليتنا المعاصرة أكثر تخلفا من عقلية الأجداد.

* ما هي المدة التي عكفت فيها على كتابة «عزازيل»، وهل كنت تتوقع أثناء ذلك كل هذه الأصداء؟

ـ استغرقت الكتابة حوالي سنة، غير أن المعارف اللازمة للنص الروائي والخلفيات التاريخية له، كانت بطبيعة الحال ثمرة لسنوات طوال من البحث التراثي والتاريخي تصل إلى 30 سنة، ومن العكوف على اللغة وتطوير أساليبها التعبيرية الكفيلة بتقديم نصوص أدبية تستحق أن تُقرأ.. أما مسألة التوقع، فقد ذكرت لك سابقا أنني لا أتوقع شيئا، ولا أنتظر، ولا أترقب.

* لماذا اللجوء لعباءة التراث، والتخلي عن الواقع الحاضر بما فيه من ثراء؟

ـ لا يمكن فهم مفردات الواقع الذي نعيش فيه، من دون النظر المتعمق في مقدماته وجذوره التاريخية.

* لكن لجوءك إلى التراث اتسم بنظرة غائية (انتقائية) للتاريخ، وهو ما جعل الرواية تلعب على وتر أيديولوجيا حساسة، لها خصوصيتها في نسيج الواقع المصري سياسيا واجتماعيا وعقائديا.. كيف ترى ذلك؟

ـ ها نحن نعود للكلام عن السياسة باعتبارها من المحرمات (تابو) وقد قلت لك سابقا إن هذه النظرة تليق بالمجتمعات البدائية، وبالثقافات البدائية. وعموما، فإن الرواية تمس واقعا نعانى منه، ولابد من أن نناقشه في ضوء النهار، بدلا من الاختباء منه والاختباء فيه، مثلما تفعل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال. بل أشك أن النعام اليوم، لا يزال يفعل ذلك!

* من خلال دراستك لمهد المسيحية في مصر، ما هي القضايا التي أثارتك وتجدها معلقة ولم تحظ بالتفكر والتمعن فيها؟

ـ تسعون في المائة من تلك القضايا معلقة، غائمة، غير محسومة.. وبالتالي فهي قلقة، وجالبة للهم والقلق والعنف الديني. وتغري في الوقت نفسه بالغوص فيها، وتقصّي علائقها ووحداتها السرية، المستترة فيما وراء العناصر والأشياء، فيما وراء الذاكرة والتاريخ والحلم، بل فيما وراء الإنسان نفسه.

* بمقاييس اللحظة الراهنة، هل يمكن أن نعتبر «عزازيل» بمثابة ناقوس يدق فوق جدران التخوف من الخوض في تلك العلاقة، بين الأيديولوجيتين المسيحية والإسلامية؟

ـ من المؤسف أن يتم اختزال الواقع بين كلمتي (المسلمين والأقباط)، هذه صيغة إعلامية تتسم بالعمومية والتبسيط. لكن المسألة في حقيقة أمرها أكثر تعقيدا وتركيبا من ذلك، ولا يجوز تسطيحها على هذا النحو، وإلا فلن نفهم منها شيئا أبدا. علينا أن ننظر بروية وعمق في مفردات الكل المركب، المعقد، المسمى واقعنا المعاصر.. ولعلنا من بعد ذلك، ندرك أن (الخطر) قد يكون في إهمالنا النظر لهذه الأمور، وليس في تخويف كل من يقترب منها.

* هل تطلعنا على آخر مشروعاتك، خاصة أن كتاباتك مرشحة لتكون موضع ضجة ومثارا للجدل في المحيط الثقافي العربي؟

ـ انتهيت قبل فترة من كتاب «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني» وسوف ينشر الشهر المقبل عن «دار الشروق»، أتحدث فيه عن الجانبين اللاهوتي المسيحي والعقائدي الإسلامي (علم الكلام)، والصلة الخفية بينهما، كما يطرح الكتاب رؤية مغايرة لطبيعة العنف الديني وانبثاقه في الواقع على نحو يبدو مفاجئا لنا حين نغفل الأطر النظرية والميكانيزمات التاريخية التي تتكئ عليها عمليات التطرف الديني وتنطلق منها لتملأ الأرض بالدماء.

* هل ستكرس كتاباتك القادمة في هذا المنحى التاريخي الشائك.. يتردد أنك تنوي الكتابة عن فتح مصر بطريقة مختلفة ومن منظور جديد؟

ـ عندي مشروع روائي متعدد الخطى، كانت روايتي الأولى (ظل الأفعى) هي الخطوة الأولى منه، وفيها عدت إلى زمن ما قبل الديانات. ثم دارت (عزازيل) في القرن الخامس الميلادي، والرواية التي أكتبها الآن (النبطي) تدور أحداثها في القرن السابع الميلادي. وأنوي بعدها التوقف عند محطات تاريخية كبرى، تالية، وصولا إلى حياتنا اليومية المعاصرة.

* إلي أي مدى لعب عملك في مكتبة الإسكندرية كمدير لمتحف ومركز المخطوطات دورا في تشكيل مسرح عالمك الروائي، خاصة أن ولعك بـ«هيباتيا» التي عاشت في فضاء ذلك المسرح القديم قاد لفضاء عملك الروائي الثاني، وهل هناك شخصيات تاريخية أخرى يمكن أن تكون محورا لأعمالك الروائية القادمة؟

ـ عملي في المكتبة كان نتيجة لعملي التراثي السابق، كباحث وأستاذ للفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم، وليس العكس، فقد نشرت عشرات الكتب قبل افتتاح المكتبة، ثم توقفت الحركة المعرفية عندي برهة من الزمان من أجل المجهود الهائل والانشغال التام أثناء الافتتاح الذي شهده العالم وشهد به كل من عرف المكتبة. وها نحن نعاود ما كنا نفعله في السابق من العناية بالقديم لفهم الجديد، ومن درس التراث لفهم الحاضر، ومن الغوص في مفردات ثقافتنا لإدراك طبيعة هذه المفردات والعناصر التي تطورت عبر التاريخ حتى وصلت إلى الحال الذي نشهده اليوم. أما مسألة الشخصية التاريخية المنتظر أن تكون محور روايتي القادمة، فليس لديّ حتى الآن تصور محدد لها، ولأبعادها الإنسانية. هناك فقط الرغبة في الكتابة، الرغبة في المعرفة والفهم.

* يقودنا ذلك إلى النظر في التراث المهجور ومنه مخطوطات البحر الميت. كيف تقدر أهمية هذه المخطوطات، وما مدى صحة احتفاظ إسرائيل بها؟

- اكتشاف مخطوطات البحر الميت كان فتحا كبيرا وبابا واسعا لفهم النشأة الأولى للمسيحية وطبيعة الفكر الديني اليهودي في القرنين الأول والثاني الميلاديين. وهذه المخطوطات تسرب بعضها إلى إسرائيل وبعضها إلى أيدي الباحثين. وبالتالي لم يستطع الباحثون العكوف عليها مجتمعة لأن إسرائيل أخفت جزءا منها والجزء الآخر تشتت هنا وهناك. وهذا يثبت، ضمن ما يثبت، أن الوثائق الدينية لها دائما دلالات سياسية نظرا للارتباط الوثيق بين الدين والسياسة.

* ما هي حقيقة وجود أناجيل قديمة محرفة أو غير معترف بها في مصر؟

ـ هذه الأناجيل والنصوص الدينية تسمى اصطلاحا «أبوكريفا» وهي كلمة لاتينية تعني «غير القانوني» أو «الذي ليس له حجية»، نصوص دينية تعتبر غير موثقة وغير معترف بها من قبل الأكثرية الدينية، وتدريجيا اصطبغ المصطلح بمعان سلبية مرادفة للتحريف، وفي المسيحية تطلق «ابوكريفا» على أسفار من الكتاب المقدس تم نبذها لأنه لم يتم إقرارها والموافقة عليها من قبل مجامع كنسية مختلفة. ويشار إليها بالحرف «Q» وهي الأناجيل الأولى التي سبقت الأناجيل الأربعة المدونة وكانت مصدرا لها؛ أما «الأبوكريفا» فهي الكتابات والأناجيل اللاحقة التي لم يعترف بها المجمع الكنسي العالمي الذي انعقد في بلدة «نيقيا» (إزنيك بتركيا حاليا) سنة 325 م. ومع ذلك فقد رأيت بعيني كتب «أبوكريفية» مترجمة إلى العربية في مصر قبل قرابة 5 قرون، وكان منها إنجيل بالعربية يحكي طفولة المسيح على نحو يختلف عما تعتقد به الكنائس الأرثوذوكسية حاليا. ولذلك فلا غرابة في أن تحرص هذه الكنائس على منع وحظر هذه الأناجيل والنصوص الدينية المبكرة، حتى لا يتشكك «المؤمنون» في صحة عقيدتهم وفي أصل الديانة.

* هذا يقودنا إلى الأناجيل المترجمة للعربية.. ماذا عنها؟

ـ قمت قبل عامين بنشر أقدم إنجيل عربي «نسخة رقمية» وهي نسخة شبه مجهولة في دير سانت كاترين بسيناء المصرية «أقدم مخطوطة عربية للأناجيل الأربعة المعتمدة» وهي متى ومرقس ولوقا ويوحنا. وتعود المخطوطة لعام 284 هجرية، كذلك تمت رقمنة مخطوطات مجهولة أخرى هي: تفسير الأناجيل، قراءات الآحاد، سُلَّم الفضائِل، ميامر اصطوماثالاصا، سيرة القديس اسطفانوس السائح، ميامر باسيليوس الكبير (سيرة الرهبان وعبادتهم) وهو من أشهر رجال الكنيسة بالقرن الرابع الميلادي وأسقف قيصرية كبادوكيا. كانت هناك ترجمات عربية للكتاب المقدس قبل الإسلام لكنها ظلت متفرقة. وحتى القرن الثامن الميلادي، لم تتوفر نسخة مكتملة من الكتاب المقدس باللغة العربية. فالاهتمام بترجمات الكتاب المقدس للعربية كان جهدا شرقيا عربيا خالصا أنجزه عرب مسيحيون في بداية العصور الأولى للتلاقي الإسلامي المسيحي. وأرى أن الترجمات العربية للكتاب المقدس أسهمت في إحياء علوم التفسير والعقيدة واللاهوت وأنعشت الإبداع الأدبي كما ساعدت على تعريب العبادة في الشرق الأوسط وإقامة الشعائر الدينية والصلوات باللغة العربية، فتعدد الترجمات يعد كنزا ثمينا.