لماذا ينكر جمال البنا دور رائد خليجي من رواد الإصلاح؟

استخدم المصدر نفسه بل الصفحة نفسها لكنه تجاهل ذكره

جمال البنا
TT

وقع نظري على كتاب «رشيد رضا منشئ المنار ورائد السلفية الحديثة» لجمال البنا فجذبني العنوان على الرغم من جهلي بمؤلفه، الذي لم يسبق لي قراءة أي مؤلف له. وكل ما عرفته أنه الشقيق الأصغر لمؤسس «حركة الإخوان المسلمين» حسن البنا. ولكن اهتمامي في هذا، جاء لكوني أقوم حاليا بإعداد كلمة عن شخصية بارزة يعد إلى تكريمها قريبا بالكويت في مهرجان شعبي «لرواد التنوير والعطاء». وقد ارتبط صاحبها برشيد رضا.

وعند تصفحي السريع، وجدت في محتوياته موضوعا عن تأسيس دار الدعوة والإرشاد الذي هو سبب العلاقة بين الاثنين، مما دفعني لاقتنائه علني أجد فيه جديدا أضيفه، ربما يكون من باب الفائدة عرض الكتاب للوقوف على محتوياته، فهو من الحجم المتوسط يشتمل على 175 صفحة صادر من دار الفكر الإسلامي بالقاهرة 2006.

والكتاب بمحتواه توثيقي الجانب ذو فصول خمسة، وفيه إشادة واضحة بدور رشيد رضا وهو قول لا يختلف فيه اثنان، يعتمد على مصادر كتبت عنه، إضافة إلى استعانته بأعداد مجلة المنار. ومما يلاحظ هو اهتمام المؤلف بعلاقة أسرته بالمترجم، ومنهم والده أحمد عبد الرحمن البنا / هامش ص 50/ وملحق كامل يحمل الرقم 4 مكون من 4 صفحات (ص 155 إلى ص 158) عن شقيقه حسن البنا بعنوان «مقارنة بين الإمام حسن البنا والسيد رشيد رضا»، ولاحظ لقب الإمام الذي قصره المؤلف على شقيقه وحرم منه الكثيرين ممن جاء ذكرهم، ومنهم محمد عبده الذي اكتفى له بشيخ! بالإضافة إلى موضوعات أخرى. لكن موضوع اهتمامي عن تأسيس دار الدعوة والإرشاد، فكانت حصته في مجموعتها تشكل قرابة ربع الكتاب، وهي 9 صفحات في المتن بالإضافة إلى 36 صفحة هي ملحق رقم 3.

ما سوف أبتدئ به يأتي على 70 صفحة، وهو ما ينقله المؤلف عما كتبه رشيد رضا اقتباسا من أعداد المنار، جاء كالتالي مع بعض الاختصار:

«كان تأسيس دار أو مدرسة لإعداد الدعاة من أهم الأفكار التي شغلت بال رشيد رضا في سنواته الأولى. فقد ظهر له أن إيجاد الأداة التي تعد هؤلاء وتسلحهم بالثقافة والمعرفة هو الضمان الأعظم لاستمرارية الدعوة».

وقد تحدث السيد رشيد رضا عن فكرة دار الدعوة والإرشاد مرارا وتكرارا. كما جاء في الجزء الأول من المجلد الرابع عشر من المنار الصادرة يوم الاثنين 29 محرم 1329هـ الموافق يناير1911 ص 42 إلى 45. ويضيف على ص71: «وكانت البداية مقالات ظهرت في جمادى أول أغسطس 1900. في مقالتين، الأولى الدعوة إلى حياة الأديان والدعوة وطريقها وآدابها وكتب في مقالات أخرى ردا على كتب وصحف دعاة النصرانية شبهات النصارى وحجج المسلمين. وفي عام 1323هـ 1905م، كتب مقالة نوه فيها إلى الدعوة وإشارة إلى الاستعداد لها وبحث فيها دعوة اليابانيين إلى الإسلام وإنشاء جمعية الدعوة ومدرسة لإعداد الدعاة، وقد راسل ما وصفهم بـ(أهل الغيرة من الصين وبلاد المغرب) وأشاد في ذلك في الجزء الأول من المنار الذي صدر في فبراير 1906م، كما كاشف أصدقاءه في مصر ومنهم «صاحب الدولة رياض باشا» ليصبح رئيسا للجمعية التي تقوم بالاكتتاب لتنفيذ العمل ويكون أمين السر محمود بيك سالم، وأما الأعضاء فمنهم حسن باشا عاصم ومحمد بك راسم وغيرهما من الفضلاء، واجتمعوا مرارا في المنار. ويضيف نقلا عن رشيد رضا: «شاورني يومئذ أحمد مختار باشا الغاري في العمل، فاستحسنه هو وولده محمود باشا ووعدني بالاشتراك بمائة جنيه في السنة عدا ما يدفعه من نفقات التأسيس، ولكن عرض في الأثناء السعي دعوة كامل بك الغمراوي إلى تأسيس مدرسة جامعة مصرية، وتلت ذلك العسرة المالية في مصر فوقف الاكتتاب للمدرسة الجامعة، ووقف أيضا سعي المشروع للدعوة».

أما في ص 72، فتظهر الأمور كما يلي:- «ثم حدث الانقلاب العثماني في عام 1326هـ 1908م الذي كنا نسعى إليه في الخفاء، ثم خلع السلطان عبد الحميد الذي كان مانعا في بلاده من كل علم وعمل نافع يجب على المسلمين القيام به. فعزمت أن أجعل مشروع الدعوة والإرشاد في الأستانة لأسباب أهمها أمران: أنني أرجو إنجاحه والمساعدة والثقة به بالأستانة في ظل الدستور مالم أرجوه في مصر التي أتوقع فيها مقاومة الحزب الوطني، وثانيا أنني رأيت الدولة تكثر فيها الفتن باختلاف العناصر والمذاهب، وإنني أعلم أن لكل طائفة من النصارى العثمانيين مدارس دينية تابعة لبطاركهم على شدة إقبالهم على مدارس دعاة دينهم من الإفرنج، وأعلم أن المسلمين هم المحرومون من ذلك، فقلت في نفسي إن تأسيس المشروع في الأستانة تكون فائدته الأولى ترقية مسلمي الدولة العلية في دينهم ودنياهم، والتأليف بينهم وبين أبناء وطنهم ومنع أسباب الفتن والخروج على الدولة من أقرب طرقها وهو الوعظ الديني، وبذلك يكون ارتقاء الأمة العثمانية الاجتماعي والاقتصادي سريعا وبه تزيد ثروة الدولة وقوتها.. الخ».

وفي ص 73 يكمل بالآتي:- «عرضت المشروع هناك على وزراء الدولة وكبرائها من رجال جمعية الاتحاد والترقي وغيرهم، فاتفقت كلمتهم معي بصرف النظر في مسألة تخريج الدعاة وأن تسمى المدرسة المراد إنشاؤها «دار العلم والإرشاد» وكان قد وصل المشروع وزارة حسين حلمي باشا إلى حيز التنفيذ إذ قال لي إن العمل قد تم نهائيا، فألف الجمعية حالا ونحن نصرف لكم خمسة آلاف ليرة لأجل الابتداء في العمل، وفي السنة المالية نزيد لكم بقدر الحاجة، ولكن استقالت وزارة حسين حلمي باشا قبل أن نتمكن من تأليف الجمعية.

أما في صفحة 74، فيذكر المؤلف بعد هذه المقدمة وملابساتها:- «لا نتيجة لهذه التطورات. ولأن المشروع اكتسب معارضة شخصيتين بارزتين هما: محمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش لما سبق إلى ذهنهما من أن المدرسة هي خاصة بتخريج مبشرين إسلاميين، ولأن لصاحبها علاقة بالدوائر البريطانية في مصر وعلى رأسها «الدون حورست» المندوب البريطاني، الاسم الذي كتبه المؤلف خطأ، والصحيح هو السير ايلدون كيريست وقد عين بعد اللورد كرومر عام 1907، واستمر في منصبه حتى عام 1911م.

ويضيف كانت هذه ظنون غير صحيحة، فقد طرح رشيد رضا فكرة تكوينها في الأستانة، واعتمد على نفسه وعلى المجموعة الوثيقة التي تبارك الفكرة في مصر، وعكف على إعداد الترتيبات العملية ووضع لائحة المدرسة في عددين من المنار وأجرى اتصالاته الخاصة، بحيث أمكنه افتتاحها بصورة عملية في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي سنة 1330هـ ـ 1912م، في مقرها بجريدة الروضة» انتهى ما كتب المؤلف بهذا الخصوص.

ولكنه لم يوفر للقارئ الأسباب والقدرة المالية التي مكنتهم من تحقيق ذلك ومن هم الأشخاص الذين ساهموا بالإنفاق على المشروع، مختصرا كل المعاناة والمحاولات التي ابتدأت منذ عام 1318هـ ـ 1900م. حتى إتمام تحقيقها، في ربيع 1330هـ مارس 1912م، واكتفى بقوله «اعتمد على نفسه وعلى المجموعة الوثيقة التي تبارك الفكرة بمصر، وعكف عليه في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي سنة 1330هـ ـ 1912م، في مقرها بجريدة الروضة». ونسى أو تناسى كما ذكره وكما رأينا على ص 71 عن دعوة كامل بك الغمراوي لتأسيس جامعة مصرية، ثم عن العسرة المالية التي تلتها وتوقف الاكتتاب للجامعة ومن ثم توقف مشروع الدعوة.

وكذلك تناسى ما ذكره على ص 72 من تفضيله إقامة المشروع في الأستانة، لأنه كان يتوقع معارضة الحزب الوطني لها في مصر. لقد تركنا المؤلف فجأة أمام فراغ للأحداث بعد سرد واف شغل ثلاث صفحات من كتابه، شارحا الإخفاقات المتكررة لمسعى رشيد رضا وعدم توافر المصدر المالي رغم الوعود المتكررة في كل من مصر والأستانة حتى رمضان 1328هـ ـ 1910.

ولكن فجأة يتمكن رشيد رضا وخلال سنة واحدة وبضعة أشهر، أن يفتتح مدرسة دار الدعوة ليلة المولد النبوي في مبناها بجريدة الروضة، ولم يأت بتفسير لهذا التغير الفجائي فجاءت الأمور كأنها رمية بغير رام، وتحولت الأشياء بقدرة قادر من الفشل الذريع إلى النجاح الباهر.

والأكثر غرابة هو عدم الإفصاح عن ما إذا كان رشيد رضا قد كتب عن تلك الفترة والتغير الجوهري للأمور، وما هو الذي عرف عنه تسجيل أحداث حياته صغيرها وكبيرها ونشرها في مقالاته المستمرة في المنار بكل دقة ووضوح.

لكن المشكلة التي وقع فيها المؤلف، تبرز وتظهر أعراضها إذا ما عرفنا أن رشيد رضا لم يهمل الكتابة عن تلك المتغيرات المهمة التي أخفاها واختزلها المؤلف لأسباب لا يعرفها أحد. لقد سجل رشيد رضا تفاصيل ما حدث ونشرها تباعا في جريدة «المنار» اعتبارا من ربيع الأول 1329هـ ـ مارس 1911م، أي بعد رجوعه إلى الأستانة بمدة وجيزة واستمرت الكتابات لسنوات عدة بعد ذلك التاريخ. فيكون بذلك أبرأ ذمة الإمام أمام الله والعالم من خطيئة التجاوز والإقصاء، فوافق ما تم وما رآه شاهدا عليه. وعلى الرغم من ذلك فقد تعمد المؤلف إغفال هذا الصنيع، فتصور مبلغ الغبن الذي لحق صاحب ذلك الجميل.

يبقى أن نعرف ما هي الدوافع التي أدت بالمؤلف إلى إغفال هذا الأثر الأخير وإغفال أمور صريحة واضحة مكتوبة بيد أصحابها؟ وما هي النية المبيتة لاختيار هذا المسلك والسلوك مع أنه كان يقف على الحقيقة كاملة وليس على مرمى منها بحكم استخدام نفس المصدر بل نفس الصفحة. هل عول المؤلف على أن القراء جهلة لا يقرأون، وأن أهل الخليج والجزيرة تحديدا لا يستحقون الذكر الطيب بل العكس مهما كانت أعمالهم، لذا وجب عليهم الدخول في الممنوع؟

وهأنذا أضع الصورة بكل أبعادها أمام القارئ الكريم وبكل بساطة وبدون عناء أو مشقة فقد وجدتها على نفس الصفحات التي ذكر بعض ما ناسبه منها، ولكنه لم ينقلها بما فيها بل اختزلها. وأترك المجال لرشيد رضا أن يعرفنا بذلك كما كتبه قلمه في المنار 1911:

«زار مصر هذا الربيع الوجيه السري الغني السخي الكريم ابن الكريم الشيخ قاسم بن محمد البراهيم آل إبراهيم هم أكبر تجار العرب وأجودهم ومحل تجارتهم في بمباي الهند العظيم. كان الشيخ قاسم قد علم بمشروع الدعوة والإرشاد وهو في الهند.

فلما جاء القاهرة كان همه الأول فيها لقاء كاتب هذه السطور لأجل مساعدة المشروع، فزرته بفندق شبرد وكان جل حديثنا عن ذلك وكاشفني برغبته في المساعدة.

ولما رد لي الشيخ الزيارة في إدارة المنار، راجعني في مسألة تبرعه واشتراكه فيه فسألته عن مقدار ما يجب أن يجود به، فاقترح أن يقول لي ذلك سرا حتى أنه لم يصرح به أمام كاتب سره المرافق له في سياحته وهو عبد الله أفندي البسام وبيت البسام يلي بيت آل إبراهيم في تجار العرب الكرام، بحثت معه سبب إخفائه ما يجود به وعدم الإذن في ذكر اسمه، فعلمت أنه الإخلاص وابتغاء المزيد من الثواب، فوقف بنفسه على الأمر ومدى حاجة الجماعة إلى الدعم المادي فقرر التبرع بمبلغ 2000 جنيه إنكليزي نقدا وتبرعا ناجزا و100 جنيه إنكليزي اشتراكا سنويا على هيئة مكافأة توزع على طلاب دار الدعوة والإرشاد. ثم حضر الاجتماع الذي عقده للدعوة إلى التبرع لإنشاء مسجد لندرة عاصمة إنكلتره، بعد هذا افتتح رياض باشا الاكتتاب بـ100 جنيه وتبرع الشيخ قاسم آل براهيم نزيل مصر بمائة جنيه وتبرع غيرهما دون ذلك من اجاد وعشرات وكان مجموع التبرعات في تلك الجلسة زهاء ستمائة جنيه. وكان الأمير محمد علي بن الخديو توفيق ولي العهد قد طلب مقابلته في قصر القبة، حيث شكره على هذا التبرع السخي ودعاه إلى حفلة شاي للقناطر الخيرية فقلتهم لها باخرة خديوية وكان ذلك يوم الجمعة 8 من ربيع الثاني 1329هـ مارس 1911.

وجاء أيضا قبلها في المنار ربيع أول 1329هـ ـ مارس 1911م مجلد 14 بجزء 3 ص 191.

«من آيات هذه الحياة الجديدة تبرع الشيخ قاسم آل إبراهيم بألفي جنيه إنكليزي لجماعة الدعوة والإرشاد. استكبر هذا السخاء كبراء المسلمين بمصر وغير مصر واستكبروا أن يعطي مسلم مالا كثيرا لخدمة دينه في بلد غير بلده ووطن غير وطنه ولا يرجو به رتبة ولا وساما ولا زلفى من الملوك والأمراء ولا الجاه والشهرة عند الدهماء وقد طال عليهم العهد ولم يسمعوا بمثل هذا العطاء.

الشيخ قاسم رجل مسلم ولم يترب على بدعة وطنية مفرقة التي يبتعد بها المسلم من أهل بلد دخيلا بين المسلمين في بلد أخرى.

وفي المنار جمادى آخر 1329هـ ـ يونيو 1911م، المجلد 14 جزء 6 ص 480:

«أرسل إلى الشيخ قاسم آل إبراهيم عضو الشرف الأول والسابق بماله إلى التأسيس حوالة من باريس على أحد المصارف بمبلغ 1000 جنيه إنكليزي وهي القسط الثاني من تبرعه فجزاه الله أفضل الجزاء. وقد أثنت على هذا السخي الكريم أشهر الصحف الإسلامية في مصر وسوريا والأستانة وروسيا والهند وغيرها من الأقطار».

وفي المنار ذو الحجة 1330هـ ـ ديسمبر 1912م المجلد 15 جزء 12 ص 921:

«ومنها تعلمون أن الفضل الأول في تاريخنا المالي يعود إلى المحسن العربي العظيم الشيخ قاسم البراهيم عضو الشرف الأول لجماعتنا».

وأيضا في المنار جمادي آخر 1331هـ ـ مايو 1913م المجلد 16 جزء 5 ص 400:

«ألم الشيخ قاسم في هذا الربيع بمصر وقام فيها أسبوعا كان محل التكريم من سمو أمير البلاد ووجهائها. وقد أقيمت له حفلة شاي في مدرسة دار الدعوة والإرشاد وأعدوا له مائدة حافلة شهدها الكثيرين من كبار العلم الديني يتقدمهم شيخ الأزهر وشيخ مذهب الشافعية ووكيل نظارة المعارف علي باشا أبو الفتوح وأحمد زكي باشا كاتب سر النظار.

وقد سأل الطلبة أمام الحضور عدة أسئلة فأحسنوا الجواب على أكثرها وطاف الشيخ قاسم مع ناظر المدرسة صاحب هذه المجلة معاهدة المدرسة فأعجبه نظامها ونظافتها وسر بهذا العمل الشريف الذي هو متبرع له».

وفيها أيضا (ذو القعدة 1330هـ ـ 1912م المجلد 15 جزء 11 ص 874):

«جاءني من صديقي المحسن الشهير والسري الكبير الشيخ قاسم البراهيم عن خبر تأثير الحرب البلقانية هناك، فاجتمع تجار العرب عند زعيمهم الشيخ قاسم واتفقوا على إعانات فاجتمع عندهم يومين مائة وستون ألف ربية وكان القدوة الحسنة لهم في البذل الشيخ قاسم وابن أخيه السخي عبد الرحمن البراهيم. جملة ما دفعه تجار العرب إلى يوم 13 ذي القعدة الحاضرة مائة وثمانون ألف ربية وهي تساوي 12 ألف جنيه انكليزي، وقد دفع الشيخ قاسم وحده أربعين ألف روبية من ذلك». وكذلك محرم 1331هـ ـ يناير 1913م المجلد 16 جزء ص 77:

«أولهم وأولاهم بالشكر من جالية العرب في بومبي من أهلها صديقي الحميم المحسن الشيخ قاسم البراهيم وأعد لي سيارة كهربائية خاصة مدة إقامتي في بومبي، ثم ابن أخيه الشيخ عبد الرحمن والشيخ يعقوب آل براهيم». كما جاءت إشارات خاصة واهتمام من السيد رشيد رضا بسيرة الشيخ قاسم آل براهيم الشخصية فوثقها. ومنها ما ظهر في المنار جمادي 1330هـ ـ يونيو 1912م، المجلد 15 جزء 6 ص 449 عن موضوع طريقة الأكل عند أمراء الهند ومنها:

«وصديقي الشيخ قاسم آل براهيم في بومبي يأكل بالطريقة الأوروبية».

وفي المنار رمضان 1340هـ ـ مايو 1922 المجلد 23 جزء 5 ص 383 يقول:

«إن آخر ما سمعت من أخبار المسرفين خبر شاب من الوارثين كان قد أنفق مبلغا عظيما في سبيل العلم، فظننت أنه سيكون كالشيخ قاسم آل إبراهيم في جده وعقله في بذله وبعده عن اللهو والباطل وأهله». ويضيف: «وما رأيت أحد الأغنياء العقلاء أشبه بالأمير ميشيل ربما يقصد ميشيل لطف الله في إنفاقه وتوفيره من الشيخ قاسم آل إبراهيم التاجر الشهير في بومبي الهند. فقد عهدناه ينفق من سعته في الأعمال العامة كالمدارس ولإعانات للدولة العثمانية فيهب المئات والألوف من الجنيهات. ولا يطمع أهل الكدية والاستجداء منه بدينار واحد وإن وقف على بابه طول النهار واطكراع بالبليغ من الأشعار».

وعلى قصر عمر هذا المعهد التربوي والذي أغلقت أبوابه خلال الحرب العالمية إلا أن بعض تلامذته قد برأوا على الساحة الدينية والسياسية، ومنهم إمام الحرم المكي الشيخ عبد الرزاق حمزة والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ويوسف ياسين مستشار الملك عبد العزيز ووزير خارجيته.

ما أسلفت هو ملخص لما كتب عن الشيخ قاسم آل إبراهيم في المنار، فظهرت على صفحات كثيرة ومنها خطاب الشكر على صفحتين وعبر مدة فاقت العقد من الزمن، ومن لديه أعداد المنار، وهي الآن لحسن الحظ متوفرة في الأسواق مدبلجة على قرص c d منذ تاريخ صدورها في 22 شوال 1315هـ ـ 17 مارس 1898م وإلى تاريخ احتجابها في 29 ربيع ثاني 1345هـ 1935م، سوف يرى بأم عينيه ما ذكرت بل وأكثر.

ولا بد لي أن أنوه هنا بأن آثار الشيخ قاسم لم تقتصر على صاحب المنار ودار الدعوة والإرشاد بمصر، بل تعدتها إلى ردفه للانتفاضة الليبية بقيادة أحمد الشريف السنوسي ضد إيطاليا عام 1334هـ 1916م، وتبرعه لبناء أول المدارس الحديثة في كل من الكويت المدرسة المباركية عام 1911 والبحرين مدرسة الهداية الخليفية 1919م وإلى المجهود الحربي العثماني 1914 وجمعية الإسعاف الخيري وجمعية النداء الخيري وكلاهما في دمشق 1911 والجمعية الخيرية في البصرة والجمعية الخيرية الإسلامية بالمدينة المنورة، وتعليم أبناء الجالية العربية في بومبي وبناء مرقد ومسجد الصحابي الزبير بن العوام 1334هـ ـ 1916م وتبرعه لبناء مسجد لندن 1911. ومساعدته لمن تضرر من بعض تجار الكويت عند انهيار أسعاره 1917 ومن انقطعت بهم السبل من تجاره، وأمور لا يعلمها إلا الله لحرصه على الكتمان فيما ينفق، وقد رأينا ما ذكره رشيد رضا قبل ذلك في معرض الحديث عنه.

لقد مرت هذه الأمور مرور الكرام على الباحثين، وهو شيء مؤسف حقا، فلم نسمع تعليقا أو تصويبا.

* كاتب وباحث كويتي